قضايا وآراء

عود على بدء.. مراحل لعبة الشطرنج الأميركية

| عبد السلام حجاب 

لم يبالغ المحللون السياسيون عند استنتاجاتهم أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد رحّلت الأزمات التي ساهمت في إيجادها، وبينها الأزمة في سورية وأزمة أوكرانيا، لتكون هذه الأزمات جزءاً من المشكلات التي تواجه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، ولعله في لقائه الأول في واشنطن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما يؤكد ذلك، حيث أعلن البيت الأبيض أن ترامب بحث مع لافروف الأزمة في سورية وفي أوكرانيا وكانت المباحثات جيدة.
لقد أراد ترامب القول: إنه ليس كأوباما وعليه فقد اختار عملية تختلف عن خيار أوباما الذي كان بحجم حرب تدمير بالبنى التحتية العسكرية والإستراتيجية في كل سورية، وكان مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغينيو بريجينسكي تحدث في مذكرات كتبها عقب غزو العراق عن مراحل الحرب فقال: ما إن تبدأ المرحلة الأولى من الحرب حتى تتواصل لعبة الشطرنج فتتحرك البيادق ويقتل الناس بدم بارد، لكن أحداً من المحللين والمراقبين لم يستطع الجزم بشأن النهايات المتوقعة أو المفترضة لأنك حين تبدأ حرباً فإنك لا تعرف كيف ستنتهي، إذ إن كثيراً من التفاصيل ليست بين يديك ولا سيما أن المشروع الصهيوأميركي الذي بدأ به أوباما وإدارته لن يتوقف عند نقطة محددة باعتبار أن الاستثمار بالإرهاب والرهان عليه ضرورة لا بد منها لاستكمال ما ذهب إليه المفكر السياسي اللبناني كريم بقردوني، حيث تحدث عن الإرهاب بشقه التكفيري الدامي والمناطق العربية التي سينالها هذا الإرهاب وجرائمه، وأصبح المعادل الموضوعي للفوضى الدامية التي حملها إلى المنطقة بداية من تونس، الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي، وجعل التقسيم أساس أي عملية سياسية أو عسكرية في المنطقة استكمالاً لمشروع «الشرق الأوسط الكبير» أو «الشرق الأوسط الجديد» الذي جاءت لأجله الفوضى الدامية، ثم استبدلت بمشروع الإرهاب بكل أشكاله وأجنداته بما يهدف إلى إنشاء إسرائيل الكبرى والعظمى، لكنه المشروع الذي أحبطته سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد وشكل موقفها في مواجهة الإرهاب مركز استقطاب للقوى الوطنية في العالم والمدافعة عن حقوق الشعوب ومبادئ وقرارات الأمم المتحدة، وخاصة أن التغييرات التي أحدثها زلزال مكافحة الإرهاب في سورية جعل العالم أكثر وعياً وإدراكاً في الدفاع عن القرارات الدولية التي تحفظ أمن واستقرار العالم وفي مقدمة هذه القوى روسيا والصين وإيران.
لقد أوجز وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أن مراحل الحرب التي تحدث عنها بريجينسكي «تحرك البيادق»، يستدعي وجود كبش فداء أو أكباش فداء، ما يعني أن أهدافها تتركز في نقطتين أساسيتين فقط وهما السيطرة الكاملة على منابع النفط، ثم وهذا الأهم، ضخ الحقد للسيطرة على الشعوب، وهنا يأتي دور الإعلام كأحد أهم أسلحة الحرب فيصور القتل الجماعي على أنه أضرار جانبية.
إن الكرسي الذي يحتله بريجينسكي يقع إلى جانب كرسي ترامب، وأن فمه قريب من أذن الرئيس وهو ما يجعل هذه الحرب تحمل فصولاً جديدة، على ترامب أن ينفذ شروطها من دون نقاش على اعتبار ذلك، كما يصور له، مصلحة أميركية عليا.
إن ما جرى ويجري في أستانا، وما أسفر عنه اجتماع أستانا الرابع وصولاً إلى جنيف، التي تعقد جولتها السادسة منتصف شهر أيار الجاري على أساس القرار 2254، واعتبار «مذكرة تخفيف التصعيد» خطوة مهمة على طريق محاربة الإرهاب، إنما يشكل قطع الطريق على الإرهاب وأجنداته ومشروعاته التكفيرية التي لا تزال تمثل أحد فصول الحرب التي تحدث عنها بريجينسكي في مذكراته وحمله برنار ليفي كمشروع إرهابي إلى المنطقة.
وإذا كان العالم عوّل على لقاء القمة المرتقبة في تموز القادم في هامبورغ الألمانية على هامش قمة العشرين بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي ترامب، فإن نتائجها بدأت تعطي ثمارها مسبقاً بانتزاع فتيل التوتر في كوريا الشمالية بعد اتصال أجراه بوتين مع الزعيم الكوري الديمقراطي، فضلاً عن انعكاسات هذه القمة الروسية الأميركية على الأزمة في سورية وأواكرانيا.
في حديثه للتلفزيون البيلاروسي أخيراً، أكد الرئيس بشار الأسد أن السوريين اختاروا مكافحة الإرهاب وقرروا الدفاع عن خيارهم الوطني وعدم الانحناء أمام الإرهابيين الذين يمثلون النازيين الجدد، مؤكدين أنها معركة على الإرهاب جديرة بالتضحية والفداء، ولن يتم التراجع فيها حتى تحقيق النصر الحاسم، كما تحقق النصر على النازيين في روسيا وفي البلدان التي واجهت النازية.
لقد تمكن الصمود الوطني السوري من إحباط مختلف أشكال الإعلام المضلل الذي كان أحد أهم أدوات الحرب الإرهابية على سورية، وأسقط كذلك جميع أشكال التشريد والتزوير والابتزاز السياسي في مختلف المواقع والمحافل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
وإذا كان الإرهاب ومشغلوه وداعموه، يراهنون عليه وعلى أجنداته التقسيمية والتكفيرية، فإن السوريين يراهنون على إرادتهم الوطنية وجيشهم الباسل وإيمانهم بحقوقهم السيادية التي حددها القرار 2254، حيث إن هذا الإرهاب لن يستطيع النيل منها مهما حاولت الجماعات الداعمة له. وهو ما تؤكده مسارات العمل لحل الأزمة في سورية، مسار محاربة الإرهاب ومسار المصالحات الوطنية التي شكلت رديفاً مهماً وحضوراً وطنياً في الجغرافية والوجدان السوريين لإنجاح محادثات جنيف السورية السورية حتى يتحقق النصر الكامل بتحرير كل شبر من الأرض السورية وبناء سورية وفق إرادة أبنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن