ثقافة وفن

أدب الطفل… إلى أين؟

| هبة الله الغلاييني

تأتي أهمية أدب الطفل في الأساس، باعتباره مادة خصبة لبناء قوى الإبداع والابتكار وللموهبة لدى الطفل، كما أنه يفجر الطاقات الكامنة لدى الأطفال، تمهيداً لإعادة صياغة القدرة النقدية والتحليلية التي ينبغي أن يبدأ الطفل بالتسلح بها وهو يواجه الحياة. ويتم هذا عن طريق القصص والحكايات وسير العظماء والتأمل الواعي الذي تتضمنه الأشعار والغنائيات. فالحقيقة، إن الإبداع للأطفال معناه تجسيد حلم الطفولة، وجعل الأدب معادلاً حقيقياً وفنياً وإنسانياً لهذا الحلم، والوصول بالطفل إلى معايشته، رغبة في تحويل قيم الحلم وجماليته ورحابة انطلاقه إلى سلوك وفكر ناضج ووعي سليم. ومما لا شك فيه، أن اللغة العربية تتعرض لأقصى أنواع الجفاء، والإهمال، على حين يفضل الأطفال استعمال اللغة الأجنبية في هذا العصر، لذلك تصبح مهمة إحياء أدب الطفل أكثر صعوبة من أجل تشجيع الطفل على القراءة، وإعادة وضع اللغة العربية ضمن إطار صديق للطفولة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف يمكن أن نجذب طفل اليوم المستلب تكنولوجيا إلى القراءة والكتاب؟؟!!
مما لا شك فيه أن هذه المهمة صعبة وتحتاج إلى تنسيق وتوازن بين المنزل والمدرسة والمجتمع. فمهمة الوالدين هو أن يكونا قدوة للطفل بالاهتمام بالقراءة، من حيث خلق جو صحي هادئ لإتقان هذه المهارة، وإنشاء مكتبة صغيرة لأطفالهم بما يناسب أعمارهم واهتماماتهم، فالأهل هم الموجهون الحقيقيون لهذه المهمة،. عليهم مراقبة ميول أطفالهم واستيعابها، وتنظيم الوقت بين اللعب والقراءة، ومراقبة ما يتابعونه على التاب والآي باد وغيرها من وسائل التواصل السريعة، والمدمرة أحياناً للعقول. عليهم أن يختاروا لهم من القصص والمجلات ما يثير مخيلتهم، وما يعزز لهم مواضيع الخيال العلمي، وحب الآخرين، والفخر بالماضي، والأمجاد، واحترام الكبير، والانتماء إلى الوطن، وحب الطبيعة والحفاظ على البيئة، وغيرها من القيم التي نحتاجها في وقتنا الراهن ونخاف من اندثارها.
ومسؤولية المدرسة تتجلى في اختيار المدرسين الأكفياء المخلصين، الذين تم تثقيفهم وتوعيتهم كي يحمسوا تلاميذهم على حب العلم والمطالعة، وتوفير مكتبة بالمدرسة تزخر بالروايات والقصص الممتعة التي تثير خيال التلاميذ وترغبهم في عالم القراءة. والتعاون مع الأمهات والآباء في تشجيع البحث العلمي منذ الصغر، وتنسيق ما يناسب ميول كل طالب.
ودور المجتمع هو تشجيع الأدباء على تقديم أعمال متخصصة لعقول الأطفال وطبيعتهم وبيئتهم، أعمال تحاكي الطفل المعاصر، طفل اليوم، على أن يقدم بقالب سلس بسيط ومثير بالوقت نفسه، وأن تكون اللغة المستخدمة لغة يستوعبها الطفل ويتقبلها، حول موضوعات تهمه وتنمي مخيلته. فالمجتمع لديه مسؤولية كبيرة في زمن يبهر فيه الطفل بأفلام الكرتون ثلاثية الأبعاد فيجد الكتاب مملاً.
إن طفل اليوم قادر على انتقاء المادة الأكثر إبداعاً، فلا تعجبه الأعمال ذات المستوى المتواضع، لأنه تعرف إلى الأفضل من الإنترنت وغيرها. طفلنا اليوم يتحدث الإنكليزية ويتابع الفضائيات ويقرأ القصص الأجنبية، لأنها مشوقة وتأتي بشكل مثير للخيال، مصورة بأقرب شكل إلى الواقعية، وهنا يأتي دورنا بأن نتعلم ما التكنولوجيا الأكثر تأثيراً في عقول أطفالنا، ثم تخصيصها لنعلمه لغتنا ومبادئنا وثقافتنا وتاريخنا.
هنا في بلدنا الحبيب عدة مبادرات مدنية ثقافية لتعزيز ثقافة الطفل والاهتمام بآدابه من شعر ورسم وكتابة، من أجل جعل الكتاب رفيق الطفل الأبدي على الرغم من انتشار وسائل التكنولوجيا الشيقة. منها مبادرة(نوى) التابعة لـ(نادي شام للقراءة). والتي انطلقت على أرض الواقع منذ عام تقريباً، ويقوم على إدارتها والإشراف عليها سوريون أكفياء، من أهل التخصص والخبرة في نفسية الطفل ودوافعه وميوله، التي تشجع الطفل السوري في جميع المحافظات على الانطلاق في عالم القراءة الممتع والذي لا تعادل متعته أي متعة. كما تقوم بإجراء مسابقات قراءة للأطفال، وهناك مجموعة خبيرة تقوم بالقراءة للأطفال بشكل مؤثر وبأصوات يقلدون فيها أشخاص القصة وما يدور في فلكها. ونتمنى أن تنتشر مثل هذه المبادرات وأن نقوم بدعمها وتعزيزها من أجل بناء جيل جديد قارئ، يعشق لغته العربية ويفتخر بها، ويحافظ على جميع الموروثات العربية الثقافية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن