من دفتر الوطن

حقنة نفط لترامب

| حسن م. يوسف 

«تكلم بنعومة، واحمل عصا كبيرة، وسوف تذهب بعيداً».
تنسب هذه العبارة للرئيس الأميركي ثيودور روزفلت إذ يقال إنه كتبها في رسالة موجهة لـرجل السياسة والمحامي هنري ل. سبراغ، في 26 كانون الثاني عام 1900، وقد بقيت هذه العبارة تمثل جوهر السياسة الأميركية التي تستخدم المفاهيم الإيجابية الناعمة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كغمد جميل تخفي فيه سيفها الملطخ بدماء الشعوب.
أعترف لكم أنني شعرت بالارتياح عندما فاز دونالد ترامب برئاسة أميركا، لا لأن موقفه من قضايانا الوطنية أفضل، كما ظن بعض السذج، بل لأن هذا الرجل الفج الصاخب من شأنه أن يكشف الوجه الحقيقي لأميركا كجلاد محترف وكشرطي فاسد يدير كوكب الأرض لخدمة أنانيته وتفاهته!
قبل فوزه قال ترامب بوضوح: «العراق لديه ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية؛ 15 تريليون دولار من الثروة النفطية. جيشهم تمت إبادته ومجتمعهم فاسد وكل شيء هناك فاسد تماماً، لذا قلت ببساطة شديدة، لو عاد الأمر لي لأخذنا النفط».
وعندما سأله المذيع: «ما المبلغ الأدنى الذي يجب عليهم دفعه مقابل تحريرهم؟»
أجابه: « يجب عليهم، على الأقل، أن يدفعوا واحد ونصف تريليون دولار».
الشيء الوحيد الجيد في ترامب هو أنه لا يحاول أن يغطي زعرنة وبلطجة أميركا بالقانون والكلام الطنان، فقبل فوزه قال في أحد خطاباته: «هناك مقولة قديمة عن الحرب: للمنتصر تعود الغنائم. قلت إذا كنا سنغادر العراق فدعونا نأخذ النفط. دعوهم يدفعوا لنا على الأقل ما هو مترتب عليهم. يومها صدرت عناوين الصحف الرئيسية تقول: ترامب مخلوق فظيع، يريد أن يأخذ النفط من دولة ذات سيادة! «وهنا كرر ترامب عبارة «دولة ذات سيادة» باستخفاف وقال ساخراً: «أعطوني فرصة» بمعنى: «حلُّوا عني»! ألا ترون الناس هناك يقومون بالنهب! قال دولة ذات سيادة قال»!
بعدها تنهد ترامب متضجراً من تفاهة الموضوع! والأمر الصادم هو أن الجمهور صفق له مشجعاً، فغمغم قائلاً باستغراب وقرف: «أمر لا يصدق»!
في لقاء آخر كرر ترامب قوله إنه سيأخذ النفط! فسأله المذيع: «ألا تقوم بهذا بتدمير ثروة العراق»؟ فأجابه: «لا يوجد شيء اسمه العراق. قادتهم فاسدون». قاطعه المذيع: «لكن العراقيين يختلفون معك». فرد عليه ترامب باستخفاف: «اعذرني لا يوجد عراقيون. إنهم مقسمون إلى فصائل مختلفة».
في لقاء آخر سألته إحدى المذيعات: «هل ستبقي قوات في العراق بعد هذا العام فأجابها باختصار: سوف آخذ النفط». قالت له باستغراب: «أنا لا أفهم كيف ستأخذ النفط، هل تعني أنك ستبقي قوات هناك، أم إنك ستتدخل في العراق. فأجابها بنفاد صبر: « سمعت كلامي! سوف آخذ النفط».
قبل أن يصبح ترامب رئيساً بأيام أوضح خطته: «نبقى ونحمي النفط ونأخذ النفط. وندفع لأنفسنا تريليون ونصف التريليون دولار وأكثر! ونعتني ببريطانيا وندفع لها ولبقية الدول التي ساعدتنا، ينبغي ألا نبقى أغبياء بهذا الشكل».
وبعد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً لم يغير نغمته بل أوجد له مكتبه الصحفي مبرراً لها، ففي الحادي والعشرين من كانون الثاني الماضي خاطب 400 موظف في المخابرات المركزية الأميركية أمام كاميرات التلفزيون بقوله: «لو أخذت أميركا نفط العراق عام 2003، لما ظهر تنظيم داعش».
اليوم يصل ترامب إلى السعودية وهو لا يخفي نيته في فرض رسوم حماية عليها وعلى بقية دول الخليج بـ300 مليار دولار على شكل صفقات أسلحة لا تستخدم إلا على الجبهات الخطأ وضد الأشقاء العرب. وهذا المبلغ أكبر من دخل السعودية من النفط لمدة عام!
صدق يوسف إبراهيم يزبك إذ قال: «النفط مستعبد الشعوب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن