قضايا وآراء

تجربة في الحُكم لا تشبه أي تجربة أخرى

| صياح عزام 

إن المتتبع لسياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يُلاحظ الاستغراب جرّاء الممارسات التي قامت بها خلال مئة يوم أو أكثر بقليل على تولّيها السلطة بشكلٍ رسمي، وتتشكّل لديه قناعة بأنها أقرب لتجارب دول العالم الثالث في الحكم والإدارة، وبعيدة حتى عن الديمقراطيات الغربية على علاتها، وخاصة في سلوك رئيسها تحديداً.
معروف أن هذه الإدارة الجديدة، وصلت إلى الحكم على بساط الشعبويّة المنفلتة من كل عقال، وتحت شعارات الحرب على الهجرة والمُهاجرين، ووعود منع دخول الأجانب إلى الولايات المتحدة، وبناء الأسوار والأسيجة المرتفعة على الحدود وغير ذلك.
في اليوم التالي لأداء القسم الرئاسي، شهدت عدة مدن أميركية مظاهرات نسائية مليونية عبّرت المشاركات فيها عن صدمتهن بوصول رئيس «ماجن» إلى سدّة الرئاسة لا يعرف النساء إلا في الغرف المظلمة القليلة الإضاءة، وهن بالنسبة إليه، هدف دائم للتحرش والتندّر، رئيس لا يثق بالمرأة ولا يحترم مكانتها ولا يؤمن بدور لها في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد.
وبشكلٍ مُبكّر، وقبل أن تطأ قدماه السجادة الحمراء في البيت الأبيض، أدخل العائلة والأقارب والمحاسيب في فريق عمله وفي صلب عملية صنع القرار، عنده لا فواصل بين العائلي والمؤسسي في العمل، وعلى سبيل المثال، صهره جاريد كوشنر يؤثر بشكل كبير في قراراته، وقد تخلى ترامب عن أكبر وأخطر مستشاريه ستيف بانون، كبير إستراتيجيي البيت الأبيض، لأنه لا انسجام بينه وبين طفله المدلّل، وزوج ابنته المُدللة.
ابنته ايفانكا لها تأثير طاغٍ فيه، وقد تسربت أنباء تفيد بأن ترامب أمر بقصف قاعدة الشعيرات السورية بعد أن أبلغته بانزعاجها وبكائها لدى رؤيتها صور الأطفال القتلى الملفقة في خان شيخون، كما أن الابنة المدللة تنافس زوجة أبيها على مكانة السيدة الأولى، وهي رفيقة دربه في أول زياراته الخارجية كرئيس للولايات المتحدة.
قبل الانتخابات وبعدها، طاردته الفضائح من كل حدَب وصوب، منها: جرائم التحرش بالنساء، وجرائم التهرب الضريبي، وروابطه مع عالم المال داخل الولايات المتحدة وخارجها، إذ إنه الرئيس الأول الذي لم يقدّم إقراراً ضريبياً منذ أربعين عاماً، إضافة إلى وجود ثقوب سوداء كثيرة في سجل حياته السري ستتكشف تباعاً.
وتتحدث مصادر مطلعة في واشنطن عن وجود أكثر من 500 شاغر في إدارات الدولة العليا في واشنطن، والسبب في ذلك، أن ترامب أمر بإجراء تحقيقات مع كل متقدم لشغل وظيفة رفيعة، وفحص حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إذا كان ممن انتقدوه أو حرضوا على عدم انتخابه فسيُرفض طلبه فوراً.
إلى جانب ذلك، تؤكد هذه المصادر أنه ما من رئيس دخل إلى البيت الأبيض وبدأ بخسارة كبار موظفيه بسرعة قياسية مثل ترامب، حيث أُخرج مستشاره لشؤون الأمن القومي مايكل فلين مُجللاً بالفضيحة وهو قيد التحقيق الآن، ومدير الـ«إف بي آي» جيمس كومي طرده من عمله شرّ طردة بينما كان في لوس أنجلوس، والموصوف بالعقل المُدبر للإدارة الأميركية ستيف بانون هو على حافة الطرد بعد تجريده من صلاحياته، المهم أنه يطرد كل من لا يؤيّد سياسته وإجراءاته.
ترامب أيضاً، يدير بلاده عبر تغريداته بنظام البث المباشر وعلى طريقة الخطابات والمفاجآت التي لا تخطر ببال أحد، فلا يتورّع ولا يتردّد ولا يجد مشكلة أو إحراجاً في قول الشيء وضده في الأمور السياسية الداخلية والخارجية والإجراءات المحلية، هو رئيس لا يعرف ماذا يريد، هكذا يُوصف في الأوساط السياسية الأميركية.
المظاهرات التي جرت احتجاجاً على سياساته تجاه المرأة والمناخ والهجرة وغيرها، نددت بانتهاكاته المتعددة للقيم والأعراف والقوانين، ومن ثم فإن كل ما تشدّق به أثناء حملته الانتخابية وبعدها حول عزمه المحافظة على قيم العالم الحرّ ومبادئه، هو مجرد كلام فارغ.
رئيس بهذه الصفات، وصديق حميم لإسرائيل، لا يُؤمن جانبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن