قضايا وآراء

عندما تقتل واشنطن المدنيين بحجة محاربة الإرهاب

| تحسين الحلبي 

قبل عام ونصف العام نشر الموقع الإلكتروني لقناة الأخبار الأميركية الشهيرة «سي إن إن» وتحديدا في الثاني من كانون الأول 2015، تصريحاً للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أن يصبح رئيساً، قال فيه لوكالة «فوكس نيوز»: «يجب قتل عائلات المسلحين على حين يشن الجيش الأميركي الحرب على داعش، فعندما تحدد مكانهم لابد من قتلهم مع العائلات وعندما ترى أنهم، أي المسلحين، لا يبالون بفقدان حياتهم فعليك أن تقتل عائلاتهم».
يبدو أن هذا ما قاله ترامب لقادة الجيش الأميركي بعد أن بدأ يتخذ قراراته من البيت الأبيض، فقد ذكرت وكالات أنباء أميركية وأوروبية أن سلاح الجو الأميركي قتل 100 من الأهالي المدنيين السوريين خلال الثماني والأربعين الساعة الماضية في شمال شرق سورية، تحت حجة محاربة داعش في الرقة وجوارها، وكان الكاتب جيسون ديتس في المجلة الإلكترونية الأميركية «أنتي وور» قد ذكر أن القوات الأميركية قتلت أكثر من 105 من الأهالي المدنيين العراقيين في هجمات جوية في 17 آذار الماضي وأن وزارة الدفاع الأميركية لم تستطع نفي وتجاوز هذه الحقيقة واضطرت إلى الاعتراف أمام الأدلة، ولذلك بدأت عائلات وأقارب ضحايا جرائم القصف الأميركي بالإعداد لتقديم طلب بمحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة والمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي سببتها لعائلات الضحايا والجرحى.
الرئيس ترامب هو الذي زاد من تشجيعه للجيش الأميركي من خلال تصريحاته حول ضرورة قتل المدنيين الموجودين في مناطق سيطرة داعش، وهذه هي توجيهاته نفسها لسلاح الجو الأميركي الذي يزعم أنه يحارب داعش بينما هو يقتل المدنيين.
في كانون الثاني الماضي نشرت بعض المواقع الإلكترونية الأميركية أرقاماً عن ضحايا الغارات الأميركية على المدنيين باسم محاربة القاعدة وداعش، وتبين أن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تسببت بمقتل أكثر من 1200 من المدنيين في اليمن، إضافة إلى أكثر من ثلاثة آلاف جريح وكذلك في العراق، وفي سورية تشير الأرقام الأميركية نفسها إلى وجود أكثر من 2000 من الأهالي المدنيين الذين قتلوا بسبب غارات سلاح الجو الأميركي خلال أعوام قليلة باسم الحرب على داعش.
ويتبين من سجلات هذه الحرب الأميركية العدوانية أن الإرهابيين من داعش والقاعدة وجبهة النصرة، يقتلون أكبر عدد من المدنيين وتشاركهم الغارات الأميركية بقتل عدد آخر باسم الحرب الأميركية على الإرهاب، فالإدارة الأميركية في عهد أوباما، وفي عهد ترامب الآن، كانت تشن حربها هذه في أفغانستان والصومال وباكستان واليمن والعراق وأخيراً سورية، باسم التحالف الدولي ضد الإرهاب، وفي أفغانستان وحدها قتلت عشرات الآلاف من المدنيين باسم محاربة «طاليبان» وقتلت هي وحلفاؤها على الأرض الليبية عشرات الآلاف أيضاً منذ عام 2011 باسم تغيير الأنظمة في المنطقة ومحاربة الإرهاب، وتؤكد مراكز أبحاث غربية مناهضة للحروب، أن المستفيد الأكبر مما يسمى حروب أميركا على الإرهاب، هو الولايات المتحدة نفسها، لأن هذه الحرب أصبحت في السنوات الأخيرة لا تكلفها شيئاً مادامت تشنها بطائرات بلا طيار وبصواريخ «توما هوك» من البحر ولا ينتشر فيها سوى أعداد قليلة من القوات.
أما الفوائد التي تجنيها فهي كثيرة جداً أمام هذه التكلفة القليلة والمحدودة بالنسبة لأميركا، ومن هذه الفوائد تصدير الأسلحة للدول المتضررة من هذا الإرهاب، وازدياد تبعية وخضوع هذه الدول لواشنطن وحدها، وهذا ما جعل معظم الحكام العرب من أصدقاء وحلفاء واشنطن يصبحون رهينة للسياسة الأميركية التي تضمن لهم بقاءهم في الحكم، فمن أفغانستان إلى باكستان إلى السعودية إلى معظم الدول العربية تدرك الإدارات الأميركية أن بقاء سيف الإرهاب مسلطاً في المنطقة، هو أهم مصلحة أميركية أثبتها ترامب ذو الخبرة السياسية المحدودة، على حين حمل 480 مليار دولار من العائلة المالكة السعودية مقابل المحافظة على حكم هذه العائلة.
إن الحل المطلوب من أجل إحباط هذه السياسة الأميركية المتحالفة مع وجود الإرهاب في المنطقة، هو حشد أكبر عدد من القوى والأطراف العربية والإسلامية للقضاء على أهم مرتكز تستند إليه واشنطن في إدارة حروبها العدوانية على المنطقة كلها، وهو استمرار مراهنتها على وجود المجموعات الإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن