قضايا وآراء

رسالة سعدات: الوحدة الوطنية خيار إستراتيجي وليست مناورة

| نعيم ابراهيم

من نافل القول: إن رسالة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير أحمد سعدات، إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية وأحرار العالم، والتي مما جاء فيها «إن أقل شيء يجب أن تقدمه فصائل شعبنا الوطنية لدعم الأسرى وتعزيز صمودهم، هو استعادة وحدتنا الوطنية وشق طريق النهوض ومغادرة حالة المراوحة حول الذات»، تؤكد من جديد ضرورة أن تكون الوحدة الوطنية الفلسطينية خياراً إستراتيجياً وليس مناورة تخدم تكتيكات فصائلية ضيقة.
لقد فشلت الفصائل والقوى الفلسطينية في تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني طوال عقود خلت نتيجة عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، فالذاتي تمثل بتناحر هذه الفصائل والقوى عبر تغليب الأنا على الجمع في الفكر والممارسة، ولم ينجح أي فصيل سياسي يريد تحقيق الأهداف الوطنية، في أخذ مكانه كقوة رائدة في المصير السياسي الفلسطيني، رغم إدراك الجميع أن إنجاز الوحدة، مهما كلّف الأمر، هو السبيل الوحيد لذلك.
وأما الموضوعي فقد تمثل باستمرار العدوان الصهيوني والتهديدات والضغوطات الخارجية التي تحاكي في جلها أهداف المشروع الصهيوني بالمنطقة والعالم، والتي تزداد شراسة راهناً مع «الربيع العربي» وانخراط أنظمة عربية رجعية، علانية بمخطط التطبيع مع العدو الصهيوني، حيث باتت مفاعيل ذلك واضحة للقاصي والداني من خلال ممارسات رسمية عربية عديدة تحت ذرائع واهية نعلمها جميعاً.
«معركة الأمعاء الخاوية» واحدة من المعارك التي يخوضها الفلسطينيون ضد الاحتلال الصهيوني والانتصار فيها لا ينهي المواجهة الشاملة، وهي تعتبر ثمرة تضحيات الشهداء والجرحى والمعتقلين والتفاف جماهير الشعب الفلسطيني، ولذلك رأى سعدات أن لهذا النصر دلالاته المهمة:
– أولها إعادة التأكيد على حقيقة أن الحقوق تنتزع ولا تُستجدى، وأن المقاومة شكّلت الرافعة الأساس لكل إنجازات شعبنا في محطات ثورته المتعاقبة.
– ثانيها هي أن اختلاف فصائل الحركة الوطنية الأسيرة وإسقاطات عملية الانقسام لم يحل دون توحيد فصائل العمل الوطني والإسلامي في ميادين المواجهة، ما دامت البوصلة موجهة نحو جبهة التناقض الرئيس مع الاحتلال.
– ثالثها تتمثل في أن المواجهة لا تنتهي مع نهاية الإضراب، بل يجب أن تتواصل من أجل تصليب منجزات الإضراب وتوسيعها والبناء عليها لإعادة بناء وتوحيد جسم الحركة الوطنية الأسيرة ومضاعفة دورها ومغادرة حالة التشرذم والانقسام، وتقديم النموذج الحي لشعبنا لدفع الجهود الصادقة نحو مغادرة الوضع الفلسطيني لأزمته الراهنة وطي ملف الانقسام.
عقدت مؤتمرات حوار فلسطينية عديدة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة داخل وخارج فلسطين المحتلة، وكلها باءت بالفشل الذريع لأن أياً من الفصائل والقوى الفلسطينية لم يلتزم بالنتائج التي تمخضت عنها، وكلها عانت من غياب الإجماع الداخلي على تنفيذها، بل إن كل طرف كان ولا يزال يستخدم أي لقاء للمصالحة أو الوحدة، فقط كمناورة تكتيكية لمواجهة الضغوط التي يتعرض لها، والمساعدة في وضع الديناميكيات السياسية الفلسطينية على مسار جديد لا يسمن ولا يغني من جوع.
في المحصلة، إن الديناميكيات الداخلية على جوانب الانقسام الفلسطيني، تهدد بجعل الأجندة الوطنية رهينة لتقلّبات سياسات الأجندات الخارجية الأوسع في لحظة حرجة ارتسمت معالمها منذ عدة سنوات، تحديداً مع توقيع اتفاق أوسلو وملحقاته في العام 1993، ولذلك ينبغي تشكيل إستراتيجية وطنية موحدة تعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي يضمن ويكفل حقوق الشعب الفلسطيني، في تحقيق التحرير الناجز لفلسطين كل فلسطين، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة حكم فلسطيني يتفق الجميع على شكله عبر المجلس الوطني الفلسطيني، بيت الكل الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن