سورية

«النصرة» تحول إدلب إلى إمارة إسلامية دون إعلان رسمي

| عبد الله علي

إدلب إمارة إسلامية بحكم الأمر الواقع، خاضعة لإمرة «هيئة تحرير الشام» التي تمكنت خلال الشهرين الماضيين من تأمين معظم البنى التنظيمية والمكاتب القيادية والهياكل الخدمية التي يستلزمها قيام الدولة.
وباتت جميع الأمور اللازمة لإقامة «مشروع حكم إسلامي» في المحافظة جاهزة، بل تعمل فعلياً وتمارس العديد من مهامها على الأرض بأسلوب إدارة الدولة، بحيث لم يعد ينقص تقريباً إلا شيء واحد، هو الإعلان الرسمي عن قيام هذه الدولة، وهي الخطوة التي يبدو أن «الهيئة» تتريث حتى الآن قبل اتخاذها.
وفي فسحةٍ غير متوقعة من الوقت والأمان، خاصة بعد توقف الغارات الأميركية التي كانت تستهدف قادة «هيئة تحرير الشام»، تمكنت الأخيرة من وضع القواعد الأساسية لمشروع دولتها الإسلامية وتوفير جميع مستلزماته التنظيمية واللوجستية، وقد جاء العديد من الخطوات التي اتخذتها «هيئة تحرير الشام» متطابقاً مع ما كان كشف عنه تقرير «الوطن» في شباط الماضي حول تفاصيل ما تخطط له «الهيئة» والمعالم الأولية للإمارة الإسلامية المزمع إنشاؤها.
ومما جاء في التقرير أنه «تقضي الخطة الموضوعة تشكيل «حكومة خدمية» من دون أن يعلن عن طابعها الإسلامي، تكون مهمتها العاجلة هي جمع أكبر عدد من الكوادر والخبرات في الاختصاصات المتعلقة بالقضايا الخدمية كالماء والكهرباء والطرق والشؤون الزراعية والثروة الحيوانية، وذلك بهدف محاولة استقطاب شريحة واسعة من الحاضنة الشعبية في المنطقة».
وأضاف التقرير: «تم توزيع المكاتب حسب الاختصاصات كما يجري التعاقد مع الكوادر سواء من داخل منتسبي «الهيئة» أم خارجها، وإن التعاقد تضمن تعهداً من «الهيئة» بإعطاء صلاحيات واسعة لهذه المكاتب».
وأشار التقرير إلى تبييض سجون جبهة النصرة وسجون جميع المليشيات المشاركة في تشكيل «هيئة تحرير الشام» وذلك للهدف نفسه المتعلق بمحاولة إعادة الثقة مع شريحة من الحاضنة الشعبية.
وبالفعل فإن جبهة النصرة التي تهيمن على «هيئة تحرير الشام»، قامت خلال الأسابيع الماضية، بتنفيذ جميع البنود السابقة وتحويلها إلى أمر واقع، من شأنه التأسيس لقيام إمارة إسلامية خاصة بها.
وعملياً اكتمل تأسيس البنية التنظيمية التي ستكون نواة قيادة «الإمارة الإسلامية» وتمّ تشكيل جميع المكاتب التي ستتولى مهام القيادة سواء على الصعيد السياسي أم العسكري أو الأمني، كما جرى تشكيل المكاتب الخدمية بمختلف الاختصاصات من الزراعة والصناعة إلى الصياغة والصيرفة، وصولاً إلى شؤون المنظمات المحلية أو الخارجية، ففي إدلب اليوم، هناك مكاتب قيادية هي التي تتولى إدارة شؤون المحافظة واتخاذ القرارات المهمة بخصوص شؤونها، وأهم هذه المكاتب: المكتب السياسي، ويتولاه زيد العطار، والمكتب العسكري بقيادة أبو محمد الجولاني الذي هو الزعيم الفعلي للهيئة، والمكتب الأمني بقيادة أبو يوسف الحموي حسب معلومات غير مؤكدة، والمكتب الاقتصادي العام ويتولاه أبو عبد الرحمن، وهناك أيضاً مكتب الإعلام، ومكتب الرقابة والتفتيش، ومكتب المنظمات، بالإضافة إلى مؤسسة إدارة الخدمات وبعض المجالس المحلية وكذلك مكاتب لشؤون الرياضة، ومحاكم شرعية ومراكز للدعوة الإسلامية.
وفي هذا السياق، صدرت عن بعض المكاتب والمؤسسات التابعة إلى «هيئة تحرير الشام» جملة من القرارات المتعلقة بالجانب الاقتصادي تؤكد أن الهيئة بدأت تتعامل مع القضايا داخل المحافظة بمنطق «الإمارة» أو «الحكومة الإسلامية».
وأهم هذه القرارات: 1- قرار صدر بتاريخ 3 آذار حول تنظيم عمل الحراقات وحصرها بيد «هيئة تحرير الشام» التي تقدم نفسها على أنها المسؤولة عن تأمين جميع أنواع الوقود بأسعار منخفضة. 2- قرار صدر بتاريخ 28 أيار عن «مؤسسة الإمداد والتموين» التابعة للإدارة المدنية للخدمات يقضي باحتكار شراء محصول القمح من المزارعين بموجب أسعار محددة. 3- قرار صدر عن مؤسسة النقل البري يقضي بضرورة تسجيل جميع المركبات والآليات والدراجات في سجلات المؤسسة مع فرض رسوم باهظة مقابل التسجيل. 4- قرار صدر بتاريخ 24 أيار عن «مؤسسة النقد» التابعة إلى المكتب الاقتصادي العام يقضي بإنشاء جمعية حرفية للصاغة بهدف ضبط المعدن الثمين وتنظيم أمور التجارة به وحمايته من الغش.
كذلك علمت «الوطن» أن مكتب المنظمات بدأ يقوم بدور فاعل في تحديد المنظمات التي يمكنها العمل داخل محافظة إدلب، وأن بعض القرارات التي صدرت عن تركيا بحظر بعض المنظمات كانت بناء على تبادل معلومات بين أنقرة ومكتب المنظمات التابع للهيئة.
وتأكيداً لصحة المعلومات التي كشفتها «الوطن» في تقريرها السابق حول نية «هيئة تحرير الشام» تبييض سجونها، فقد أصدرت «الهيئة» بتاريخ 26 أيار قرار «عفو عام» عن المساجين بدعاوى جنائية وأمنية ممن أمضوا نصف العقوبة المحكومين بها.
ولا شك أن جميع هذه البنى التنظيمية والقرارات الأساسية المتعلقة بتنظيم أمور الناس وثرواتهم، تؤكد على نحو يقيني أن إدلب أصبحت محكومة من جبهة النصرة، وأنها تحولت إلى إمارة إسلامية، الكلمة الفصل فيها للمكاتب الخدمية التي اتخذتها «النصرة» واجهة لإخفاء حقيقة مشروعها.
تنبغي الإشارة إلى أن هذا التسارع في قرارات «هيئة تحرير الشام»، قد جاء في ظل ظروف إقليمية ودولية مشجعة، وأول هذه الظروف توقف الغارات الأميركية عن استهداف قادة «هيئة تحرير الشام» بالتزامن مع التباس خلقته تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين حول تصنيف «هيئة تحرير الشام» على قائمة الإرهاب، وقد ترك هذان التطوران ارتياحاً كبيراً في صفوف «هيئة تحرير الشام» التي استقرأت منهما وجود رسالة دولية مفادها تخفيف الضغوط الممارسة عليها وإتاحة الفرصة أمامها كي تعزز نفوذها في المنطقة، وذلك إدراكاً من بعض الدول أن مهمة جبهة النصرة لم تنته بعد وما زال بالإمكان استخدامها من أجل استنزاف الجيش السوري خصوصاً في ظل احتدام المنافسة في البادية السورية بين الجيش السوري وهذه الدول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن