ثقافة وفن

أفدينكو: المشاركة في المهرجان الخامس للموسيقا بين الشعوب فرصة نادرة … قيس الصفدي لـ«الوطن»: في المهرجان كان شعوري رائعاً لأنني أمثل سورية بلدي وعليَّ أن أنجح

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

سورية هي العنوان، إنها كلمة كبيرة بمعانيها وبعطائها وبالحب الكبير لها. نعم، إن من يحبها سيتغلب على الصعاب، ويكون قادراً على كل الظروف، كي يثبت في النهاية سوريته الحقيقية ويبني حسب مجال اختصاصه. من سفراء المستقبل طفل لا يتجاوز عشر سنوات، تحدى كل ما يمكن أن يعوق طموحه وحلمه من صعاب وضائقات مادية، واستمر بدعم من أهله أولا ثم من معاهده الموسيقية، وعلى الأخص معهد صلحي الوادي، ثانياً، كي ينطلق وينافس في مهرجان «موسيقا الأجيال» الروسي. قيس الصفدي، وهو أصغر المشاركين، عزف ولأول مرة ضمن الأوركسترا الرئاسية الروسية في المهرجان الذي يقام سنوياً في قصر الرئاسة الروسية (الكرملن) في الفترة ما بين 24/28 من شهر أيار، وكان هذا العام بمشاركة عشر دول، تجدر الإشارة إلى أن الحفل قُدم في القاعة التي تتم فيها مراسم تنصيب الرئيس الروسي، وحقق الطالب نجاحاً كبيراً ليكون ضمن الموسيقيين الصغار الأربعة الذين تم اختيارهم.

طفولة سورية حقيقية

قيس الصفدي طفل رغم أنه في زمن اللهو واللعب، إلا أنه كسب الرهان رغم ضيق الوقت وتحدث عن تجربته في المهرجان «عمري عشر سنوات، وأنا أعزف على آلة البيانو منذ ثلاث سنوات أي عندما كنت في السابعة، وفي هذه السنة بدأت التدريب مع الآنسة فيكتوريا ولكن قبلها كنت أتعلم مع أساتذة في معاهد أخرى. وأنا اخترت البيانو لأنني عندما كنت صغيراً أحضر لي أبي «أورغاً» صغيراً وبدأت أتعلم عليه، وأنا أيضاً أستطيع العزف على آلات أخرى هي الكلارينيت والدرامز. قبل المهرجان كنت أتدرب أربع ساعات يومياً. وأنا أحب مدرستي كثيراً وأحب مادة الرياضيات وأريد أن أصبح مهندساً، وفي المجال الموسيقي سأصبح أستاذاً للعزف مثل مدرستي وأن أعلم الأطفال العزف، كما أنني أحب الرياضة وأحب الباليه والكاراتيه واليوغا، ولكنني في هذه الأثناء لا أمارس أي واحدة منها لضيق الوقت».
في المهرجان كان شعوري رائعاً جداً لأنني أمثل سورية بلدي، وبأنه علي أن أرفع رأس بلدي وأنجح، ولم أشعر بالخوف أبداً لأنني كنت سعيداً جداً وأنا أعزف، وأحب أن أقول لكل طفل لديه موهبة بأن يحبها كثيراً وأن يتدرب كثيراً ويصمم على النجاح كي يفوز، وأريد أن أشكر كل الأساتذة الذين علموني، الآنسة فيكتوريا التي رافقتني منذ السابعة من عمري، وأيضاً الأساتذة في معهد صلحي الوادي لترشيحهم لي، والمعهد الذي قدم المساعدات لي، وأيضاً أشكر روسيا على هذه المبادرة وأشكر الأوركسترا التي عزفت معها في المهرجان، وأقول لكل دول العالم: إنه رغم الحرب على سورية، إلا أننا نحن الأطفال نعزف الموسيقا ونحن السوريون الحقيقيون ونحن المستقبل.

الموسيقا تربية
خلال لقائنا حدثنا والد الطفل قيس، السيد ماهر الصفدي، عن موهبة ابنه وبعض الأمور الأخرى الحياتية والموسيقية للطفل قائلاً: «عندما كان قيس بعمر السنتين والنصف بدأ بالمحاكاة وبالتقليد، وأنا أعزف على آلة العود بشكل لا بأس به، فكان يجلس بقربي ويغني ويدندن برفقتي، فأحضرت له أورغاً صغيراً، وفي هذا العمر بدأ يعزف مطلع أغاني لفيروز، وعندما أصبح في الثالثة بدأنا معه بالتدريب على الصولفيج، وفي سنته الرابعة بدأ بالعزف على آلة البيانو ثم بعدها انتقلنا إلى معهد صلحي الوادي وبدأ يتمرن قيس على العزف بشكل أكاديمي وهذا عامه الرابع فيه باعتبار أول عام هو سنة تحضيرية، وطبعاً طفلي صبي منظم، هذا إضافة إلى أن والدته مدرسة وأنا دراستي علم نفس، فهو متفوق جداً في المدرسة كما حاله في الموسيقا، وساعاته الدراسية تقابلها ساعات تدريب على العزف. وقبل المهرجان بشهر بدأت الآنسة فيكتوريا بتدريب قيس على المقطوعات الموسيقية التي سيعزفها في المهرجان، وكانوا يستمرون في التدريب لمدة أربع ساعات يومياً، وخلال خمسة وعشرين يوماً تقريباً كان قيس قد حفظ ما هو مطلوب منه، وطبعاً كان الضغط كبيراً عليه وعلى مدرسته الآنسة فيكتوريا صاحبة الفضل الأكبر في تعليمه العزف على آلة البيانو. وهنا أحب أن أقول للأهالي الطفل الناجح في موهبته سيكون ناجحاً في دراسته، فدراسة الموسيقا ليست أقل صعوبة من المنهاج ولكن هي متنفس للطفل، وأنا أرى تعلّم الطفل الموسيقا يفيده من الناحية الدراسية للمنهاج المدرسي وحتى تنمية الإحساس الموسيقي للطفل هو أمر مهم وينعكس بشكل إيجابي كبير على شخصه وسلوكه. وأضاف: إنه رغم الحرب هنا في سورية حياة وفيها موسيقا وفن وأطفال ناجحون ونجاحهم مقرون بعطاء مؤسسات ترعاهم كمعهد صلحي الوادي ووزارة الثقافة، وعلينا أن نكمل الحياة وأن نستمر، وأريد أن أشكر معهد صلحي الوادي لترشيحه اسم قيس وللاهتمام به، وأيضاً أشكر روسيا على هذه المبادرة وعلى الاهتمام والرعاية بطفلي أثناء المهرجان.

المهمة صعبة
فيكتوريا أفيدينكو أستاذة البيانو في معهد صلحي الوادي والمعهد العالي للموسيقا وأستاذة الطفل قيس في العزف على البيانو تحدثت عن تجربة الطفل في مهرجان موسيقا الأجيال قائلة: «أريد أن أعبر عن شكري وامتناني الكبيرين لجمهورية روسيا الاتحادية للفرصة التي منحتها لقيس الصفدي التلميذ في معهد صلحي الوادي للموسيقا، للسماح له بالاشتراك بالمهرجان الخامس للموسيقا بين الشعوب (مستوى الأطفال) تحت عنوان (ميلوديكا الأجيال) الذي يقام في موسكو في قصر الكرملين الكبير، حيث وضعت الطفل قيس أمام مهمة صعبة هي تجهيز برنامج موسيقي للعزف في المهرجان خلال فترة زمنية قصيرة.. نحن نفذنا المهمة، وخصوصاً أنه يشارك في هذا المهرجان أطفال قد سبق لهم أن عزفوا في مهرجانات دولية أخرى، ويتمتعون بخبرة العزف مع الأوركسترا، الشيء الذي لم يتوافر لقيس من قبل وبالتالي الوضع صعب، إلا أن الجو الأبوي الذي أحاطنا به القائمون على المهرجان ساعد كثيراً على كسر هذا الحاجز، حيث شعر قيس عندما عزف كأنه بين أهله وفي بلده، وعزف خلال الحفل بشكل جيد وأبهر المشاركين والحضور، وأكد للعالم أجمع أنه على الرغم من الحرب الشعواء التي تشن على سورية منذ أكثر من ست سنوات إلا أن أطفال سورية يدرسون ويعزفون الموسيقا لإيصال صوتهم العادل إلى العالم، حيث إن الموسيقا لغة عالمية تمنح للعازفين الكبار والصغار الأمن والطمأنينة وترفع من إحساسهم نحو الخير والحب، ولكن الوصول إلى مستوى كهذا يحتاج إلى جهد وصبر كبيرين حتى تتمكن الآلة الموسيقية من النطق، وهكذا أعزائي أطفال معهد صلحي الوادي للموسيقا وطلاب المعهد العالي للموسيقا، فلقد استطعنا بصبرنا وبالمثابرة على العمل فتح نافذة مهمة نحو العالم الموسيقي الكبير، لذا أنصحهم بالعمل الدؤوب ليكونوا مستقبلا سفراء سورية في العزف بالمهرجانات الدولية القادمة، وأريد أن أشكر القائمين على المهرجان الخامس وأخص منهم السيدة فيرا كريلوفا، والسيد جيني نيكيتين قائد الأوركسترا الرئاسية، والسيد سيرجيه خليبنكوف، وكل أعضاء الأوركسترا الرئاسية. وفي النهاية ولمناسبة العيد الوطني لروسيا الاتحادية نهنئ الشعب الروسي بهذا العيد الوطني ونتمنى للشعب الروسي الرفاه ودوام التقدم والنجاح».
الموسيقا خصم التطرف

تحدث فادي عطية مدير معهد صلحي الوادي للموسيقا في وزارة الثقافة عن المشاركة في المهرجان قائلاً: «لقد رفع العلم السوري سياسياً وثقافياً في هذه الفترة الصعبة، ما يثبت للعالم أن بلدنا الحبيب مازال ينتج موسيقيين يمثلون عمق الثقافة السورية العريقة والمنفتحة على حضارات العالم، وهم قادرون على منافسة أطفال العالم رغم كل الظروف الصعبة والحصار الثقافي العالمي علينا، فالمؤسسات السورية تقوم بعملها وتصدّر الهوية الثقافية السورية إلى العالم، ما يؤكد أهمية دعم هذه المؤسسات الثقافية، وخصوصاً تلك التي تقوم بتعليم الموسيقا للأطفال، لأن الموسيقا هي الخصم التاريخي للتطرف. وبتكليف من وزير الثقافة، تم ترشيح الطفل قيس الصفدي، بعد أن مَثل أمام لجنتين، ورغم أن الطفل لا يملك «بيانو»، حقق النجاح، وكنا حاضرين لمساعدته ولدعمه، فقدمنا له بيانو على سبيل الإعارة من خلال مقترح لوزير الثقافة، وبالفعل تم الأمر كي يتابع تدريبه قبل المهرجان، وهنا لابد لي من التأكيد على أن الآنسة فيكتوريا هي بطلة من أبطال نجاحه، لأنها كانت مؤمنة به وبموهبته رغم الصعوبة الكبيرة لإنجاز البرنامج ضمن الوقت المطلوب، والأمر الذي لا بد من التركيز عليه بأن قيس الصفدي شارك في مهرجان الأجيال والعزف لأول مرة مع أوركسترا تتمتع بمستوى عال جداً في قصر الرئاسة الروسية الكرملن في القاعة التي يتم فيها تنصيب الرئيس الروسي».

النجاح مسؤولية كبرى
محمد زغلول مدير المعاهد الموسيقية في وزارة الثقافة تحدث عن نجاح الطفل قيس قائلاً: «هذا النجاح هو نتيجة اجتهاد الطالب قيس، فالموسيقا هي دائماً موهبة وإبداع، وهي موهبة جميلة عندما تصقل بالدراسة، وهذا ما حققه أثناء دراسته في معهد صلحي الوادي مع الأستاذة فيكتوريا، فنجاح الطالب يكون أيضاً بسبب نجاح وقدرة مدرسه العالية في التعليم وإيصال المعلومة والتوافق معه، وأنا أجد هذه المشاركة جداً مهمة لأن قيس انتسب إلى معهد صلحي الوادي في عام 2013 وحتى اليوم، وهذا دليل على استمرار الحياة، وبأن المعاهد الموسيقية مازالت موجودة والأطفال ما زالوا موجودين والأساتذة مازالوا مواظبين، وخلال ثلاث سنوات حرب بقي مواظباً على أخذ دروسه والمعهد لم يغلق أبوابه يوماً من تاريخ 2013 وحتى اللحظة، فهذا كله ولّد حالة إبداعية للطفل قيس الذي بدأ العزف على آلة البيانو في عام 2014 وتم تكريمه في شهر حزيران على مسرح الحمراء في دمشق ضمن الأطفال المتفوقين رغم أنه كان في سنته الأولى في المعهد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن