قضايا وآراء

ترامب مر من هنا!

| وسام جديد 

تعيش العلاقات «المخادعة» بين دول الخليج حالة من التوتر المتصاعد التي أعقبت إعلان النظام السعودي حالة الحرب السياسية والاقتصادية على نظيره القطري، إثر تصريحات من الدوحة تنتقد فيها السياسات السعودية، لتحاول بعد ذلك وكالة الأنباء الرسمية القطرية ترميم الوضع والتحدث عن تعرضها للقرصنة والاختراق، لكنه تبرير لم ينفع حاكم الدوحة تميم بن حمد في منع الهجوم السعودي عليه.
جملة من التصريحات كانت كفيلة ببدء معركة (معدة سلفاً) والهدف منها التخلص من النظام القطري أو إرغامه على التنازل والانقياد خلف السعودي مثله مثل العديد من الدول «اللاسيادية»، حيث إن هذه المعركة لم تكن وليدة اللحظة بل إن أسبابها كثيرة ومراحلها متنوعة، خاصة أن السعودي كان يرى في قطر (الخزان الكبير من الغاز) منافساً صغيراً يحاول أن يصبح مارداً عملاقاً وبالتالي الإضرار بسيطرته المطلقة على الخليج.
الصدام القطري السعودي ما لبث أن توسع ودخلت في دوامته دول أخرى كالإمارات والبحرين ومن ثم الأردن ومصر وجزر المالديف وغيرها من الدول التي رفعت إشارة التأييد لمصلحة النظام السعودي، حيث تسارعت الأخبار العاجلة، التي تحدثت عن طرد وتحذير وتنبيه وتهديد، على وسائل إعلام اجتمعت في التحريض على سورية وقيادتها، واتفقت على جملة كبيرة من الأكاذيب والخدع بهدف تشويه صورة الدولة السورية ومؤسساتها.
هذا الإعلام الخليجي المتقاتل فيما بينه، وطرفاه الرئيسيان «الجزيرة والعربية» تحولا في لحظة (يا سبحان الله)، إلى برامج تتحدث عن أكاذيب وتهويل كل طرف و«شطارته» بإدارة هذا المحتوى الإعلامي المخصص لحالات الحرب الإعلامية، كما كان جلياً ضد سورية والمقاومة لكن هذه المرة فإن الأفعى قد لدغت نفسها.
ليس غريباً ما يجري حالياً، فجميع المتابعين للأوضاع في الخليج يدرك حالة الاحتقان بين دوله، خاصة ضد قطر «الصاعد الصغير» والواهم بسهولة معركته أمام استبداد سعودي وسيطرة شبه كاملة له على أرض يعتبرها من أملاكه الخاصة وإن كانت مقسمة لعدة دول وتحت عدة مسميات.
السعودي دفع المئات من المليارات خلال زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض، في استثمار أراده لإنهاء الظاهرة القطرية و«حز رقبة» آل ثاني بحجة دعم الإرهاب والتدخل في شؤون دول المنطقة !! .. كل ذلك أمر حاصل لا يمكن نكرانه، لكن من الوقاحة عدم تذكر هذه الحجة عندما يتعلق الأمر بسورية، التي تعيش حرباً مع إرهاب مشترك (سعودي قطري) عبر تنظيمات بعضها محسوب على آل ثاني كـ«فيلق الرحمن وجبهة النصرة» وأخرى محسوبة على الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كـ«جيش الإسلام وأحرار الشام».
الاستثمار السعودي هذا سيعتبر استثماراً سريعاً، حيث من المتوقع أن يعطي التاجر «ترامب» وقتاً محدداً لآل سعود لتنفيذ ما يمكن تنفيذه خلال هذا الوقت، قبل أن يعلن إنهاء مدة «العقد» للضغط عليه مرة أخرى من أجل تجديده أو تغيير «الهوا» …
السعودية التي دعمت بالاتفاق يوماً ما مع قطر التنظيمات والميليشيات الإرهابية في سورية، ستلجأ خلال أيام إلى زيادة الضغط على الأخيرة ومحاصرتها وتجييش الأمريكي قدر المستطاع لإنجاز المهمة في قطر، في حال عدم رضوخها للمطالب السعودية، حيث يعتبر هذا الخلاف هو الأعنف على الإطلاق بين النظامين، على إثره من المتوقع أن تشهد الساحة السورية ازدياداً في حدة الاقتتال بين التنظيمات الإرهابية، هذا الاقتتال الذي كان مؤشراً عن سوء العلاقة بينهما وأسفر عن سقوط المئات من القتلى من الطرفين في حالة لا يمكن التعبير عنها إلا أنهم كانوا «وقوداً» لتلك الدول في حربهم على سورية قيادة وشعباً.
ما يحصل الآن جاء بعد أيام قليلة من زيارة ترامب إلى السعودية وما تبعه من صفقات ضخمة ما دفع ناشطين وإعلاميين لوصف الصورة القادمة وقتها من الرياض بأنها عملية شراء للقرار الأمريكي فيما يتعلق بعدة ملفات كانت من بينها قطر، وقد استبق السعودي بذلك أية عملية شراء قد تقوم بها جهات ودول مستغلة لتصريحات ترامب في فترة حملته الانتخابية والتي وصف فيها السعودية بـ«البقرة التي علينا حلبها قبل ذبحها».
هذه البقرة، وإن دفعت المال حالياً، إلا أنها ستدخل يوماً ما في «البازار الأمريكي» وقد تتحول إلى «قطر الثانية» كل ذلك يعود إلى كمية الدولارات الذاهبة إلى واشنطن، فبعد أن كانت بالملايين أصبحت بالمليارات، لكن هذه المليارات قد لا تكفي واشنطن مستقبلاً وتصبح «التسعيرة» أكبر بكثير من قدرة هذه «البقرة».
إذاً.. هذه الصورة المشاهدة عبر وسائل الإعلام ما هي إلا تنفيذ لأجندات نتجت عن زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض حيث يمكن أن نقول: إن «ترامب مرّ من هنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن