سورية

إعادة اصطفاف إقليمي في المنطقة وقطر تحتوي الضغوط السعودية

| الوطن

نجحت قطر في احتواء صدمة الحصار وتمكنت من عكس مسار الأزمة التي فرضتها السعودية وحلفاؤها عليها، وذلك وسط حالة إعادة اصطفاف على مستوى الشرق الأوسط.
ولعل أبرز مثل على ذلك هو موقف إسلام أباد؛ فلأول مرة في التاريخ لا تنحاز دولة باكستان إلى جانب الرياض، بل إنها بدت أميل باتجاه الدوحة، وتسربت تقارير عن عزمها إرسال قوات عسكرية إلى قطر أسوة بتركيا التي أقر برلمانها هذا القرار.
وبينما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتبنى موقفاً أقرب إلى السعودية، كانت مؤسسات الدولة الأميركية تسعى إلى احتواء الأزمة القطرية عبر التأكيد على الحوار الخليجي، وألقت بثقلها وراء الوساطة الكويتية، خوفاً من تغلغل النفوذين الإيراني والروسي في الخليج عبر قطر، فضلاً عن مخاوفها من تأثر الحملة التي يشنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على تنظيم داعش.
أما تركيا، وتحت وطأة خوفها من أن تتكرر تجربتها مع مصر، حيث اختل التوازن الإقليمي نتيجة الدعم السعودي والإماراتي لإقصاء الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة، فقد قررت أن تؤكد كلمتها في الأزمة القطرية وألا تقف على الهامش، ودعمت موقفها عبر التلويح بالقوة وإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي القطرية، خصوصاً لحماية قاعدتها العسكرية هناك. وبينما ذهبت السلطة التركية إلى رفض العقوبات التي فرضتها السعودية وحلفاؤها على قطر، واتهام الأخيرة بأنها «داعم للإرهاب»، وسعت إلى وقف الحصار السعودي، عبر اتصالات مع روسيا وإيران، كان النواب الأتراك في الحزب الحاكم التركي أكثر حرية في التعبير عما يجول في خاطر أنقرة، وأكد أحدهم أن بلاده مستعدة للوقوف إلى جانب قطر «حتى النهاية»، مشيراً إلى أن هناك أطرافاً تسعى إلى محاصرة تركيا، في إشارة إلى الشكوك التركية بالسعودية والإمارات.
وبينما تبنت تركيا سياسة نشطة حيال قطر، أطلقت مبادرة دبلوماسية حيال إثيوبيا، التي لها علاقات مضطربة مع مصر على خلفية قضية سد النهضة. وهكذا يبدو أن أنقرة انتقلت من الانتظار إلى المواجهة مع دول المحور السعودي المصري.
مكن الدعم الأميركي إضافة إلى الدعم التركي القوي، الدوحة من الوقوف على قدميها ومقاومة الضغوط السعودية الإماراتية، وحتى عدم قبول المساعدة المقدمة لها من قبل كل من روسيا وإيران، وإن مكنها من التلويح لبقية العواصم الخليجية بخياراتها الإيرانية والروسية.
وصرّح وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن بلاده في الوقت الحالي ليست بحاجة إلى مساعدة روسيا وإيران، موضحاً أنها -قطر- تكتفي بالشحنات التي تتم عن طريق تركيا.
ووجدت طهران في الموقف العصيب، الذي أدخلت دول الخليج فيه نفسها، فرصة لتعزيز الشرخ داخل الجبهة المواجهة لها، التي عمل على تشكيلها دونالد ترامب، وهكذا أمكنها استغلال الأزمة القطرية من أجل الدفع وراء تعزيز مواقعها في كل من سورية والعراق. وسيكون للحدث القطري انعكاسات على المشهد الإقليمي على الرغم من أن الآفاق المستقبلية للأزمة في الخليج هو التسوية تحت السقف الأميركي، فطهران وموسكو باتتا أكثر حرية في العمل على صعيد الشرق الأوسط، أما قطر وتركيا فأصبحتا على مسافة أبعد من السعودية، أما واشنطن فسيكون عليها الحذر عندما تخطو أي خطوة في المنطقة. ولعل أشد الانعكاسات سلبية ستكون على الرياض، التي فشلت حتى الآن في إرضاخ قطر، وتزعزعت علاقاتها مع كل من باكستان وتركيا.
أما على المشهد السوري فإن الانعكاسات تبقى غير واضحة خصوصاً في ضوء اتفاق «تخفيف التوتر»، الذي أتاح لروسيا وقف التصعيد في سورية ببعض المناطق، ومكنها من تأكيد زعامتها للتسوية السورية، القبض على نبض التوازنات الإقليمية.
وهز المحور السعودي المنطقة بعنف مع قراره الأسبوع الماضي تصعيد المواجهة مع قطر إلى أقصى مدى. وأبدت الرياض، ومعها حلفاؤها، إصراراً، ليس على تعديل سياسات الدوحة الخارجية وضبط دورها الإقليمي، بل إحداث هيكلة جديدة للسياسات في المنطقة وفقاً للتوجهات السعودية.
ليس مهماً أن الأزمة قد قامت على أسس غير قوية مثل الرد على تصريحات لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، اتضح أنها مفبركة وأن تحقيقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بصدد تأكيد ذلك، فإعادة هيكلة النفوذ والسياسات في المنطقة، لن تتوقف عند قطر أو إيران، بل هي ستمتد على الأرجح إلى تركيا.
أنقرة استشعرت حساسية اللحظة الراهنة، لذلك اندفع المسؤولون الأتراك في إجراء مشاورات متعددة، محاولين تقديم أنفسهم كوسطاء لحل الأزمة القطرية، اتصالاتهم عكست قلقهم من رياح قد تلفح السياسة التركية مصدرها المحور السعودي الذي يخبأ في جعبته خططاً لتركيا، لن تكون أقل مما جرى استخدامه مع قطر.
وتمثل السيطرة على السياسة القطرية مطمحاً كبيراً للسعودية منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده الشيخ حمد بن خليفة على والده أواسط التسعينيات من القرن، والذي أتبعه بإطلاق مشروع متكامل للصعود بمكانة قطر الإقليمية، متوخياً أدوات القوة الناعمة، وبينها قناة «الجزيرة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن