ثقافة وفن

منير غنام: الوزير الذي لازم الشيشكلي وكتب استقالته

| شمس الدين العجلاني

تاريخنا يعبق بالقصص والحكايات وسير رجال ونساء كان لهم باع طويل في السياسة والحكم والأدب، منهم من كان متعدد المواهب ومتشعب الاهتمامات، فكان مناضلاً ونائباً وفناناً وذا باع في الأدب والصحافة.
وتبقى بين طيات صفحات التاريخ قصص وخفايا وخبايا، منها ما هو ناصع البياض ومنها ما هو عكس ذلك.
من رجال سورية من أبدع في مجال واحد…. ومنهم من كان متعدد المواهب والمناصب ومن هؤلاء منير غنام، القاضي والسياسي الوزير والنائب، والأديب الذي قرض الشعر.

منير غنام
هو مصطفى منير غنام بن محمود. ولد في مدينة حلب عام 1908م، وتوفي ودفن في مدينة حلب عام 1994م.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في مدارس حلب «مدرسة التجهيز»، ثم درس الحقوق في جامعة إسطنبول، وتخرج فيها عام1927، وكان من أوائل خريجي الحقوق في سورية، وكان من زملائه في الجامعة صبحي الذاكري وصبري العسلي وناظم القدسي وغيرهم.. زاول مهنة المحاماة، ثم التحق بسلك القضاء، وكان قاضياً للصلح ومحاكم البداية غير أنه استقال من القضاء، وعاد إلى المحاماة مرة أخرى.
شارك مع إبراهيم هنانو في الثورة على المستعمر الفرنسي وكان من المقربين له، أسس بين عامي 1940م – 1941م مع مجموعة من الشباب، الحزب العربي القومي. اعتقله الفرنسيون عام 1941م ومن ثم وضعوه تحت الإقامة الجبرية في لبنان ببلدة «المية ومية» وهي بلدة تقع في جنوب لبنان على بعد 5كم شرق صيدا وبقي في السجن ومنفياً نحو السنتين ونصف السنة حتى نهاية الحرب.
ساهم مع العقيد أديب الشيشكلي وظافر الرفاعي وزير الخارجية في تأسيس حركة «حزب» التحرير العربي، وهي حركة سياسية خاصة بالشيشكلي انتخبته رئيساً لها في مؤتمرها التأسيسي الذي عقدته في حلب يوم 25/7/1952. كان الشيشكلي يهدف من تأسيس هذه الحركة إلى إيجاد ركيزة شعبية لحكمه، بعد أن حل الأحزاب في نيسان من عام 1952م، وهذه الحركة فقدت وجودها الشرعي بمجرد سقوط الشيشكلي لعدم وجود قاعدة شعبية لها.
أصبح غنام نائباً «كما يشير حفيده باسل غنام» في البرلمان مرتين في حياته، الأولى قبل أن يصبح وزيراً للعدل من عام 1949م حتى عام 1951م، والثانية بعد أن خرج من الوزارة، من عام 1953م وحتى عام 1954م. على حين يؤكد كل من الدكتور حسين إيبش والدكتور يوسف قزما خوري في كتابهما عن مناقشات المجلس النيابي السوري، أن غنام كان نائباً عن مدينة جرابلس عام 1953م فقط.
أصبح وزيراً للعدل بموجب المرسوم رقم 2 تاريخ 9 حزيران عام 1952م إلى 11 تموز عام 1953م حين تم انتخاب أديب الشيشكلي رئيساً لسورية، استمرت هذه الوزارة سنة وشهراً ويومين فقط، وكانت هذه الحكومة قد شكلها فوزي السلو بعد أحداث الانقلاب الرابع الذي قاده أديب الشيشكلي، وكان في تشكيلتها فوزي السلو رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزيراً للداخلية والدفاع الوطني، وظافر الرفاعي وزيراً للخارجية، وسعيد الزعيم وزيراً للمالية، ومنير غنام وزيراً للعدل، وسامي طيارة وزيراً للمعارف، وعبد الرحمن الهنيدي وزيراً للزراعة، وتوفيق هارون وزيراً للأشغال العامة والمواصلات، ومنير دياب وزيراً للاقتصاد الوطني، والدكتور مرشد خاطر وزيراً للصحة والإسعاف العام، وأديب الشيشكلي نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدولة، عمل الوزير غنام خلال هذه الفترة، على إصلاح الجهاز القضائي السوري، وعلى إصدار القوانين التي تنظم العمل فيه.

الاعتداء على البرلمان
كان غنام شاهداً على المظاهرات التي عمت البلاد يوم 27- 2-1954م، ضد الشيشكلي وجماعته، وتم اقتحام مبنى مجلس النواب من المتظاهرين والاعتداء على النواب.
ففي ذاك اليوم عمت المظاهرات دمشق، ودخل المتظاهرون مبنى مجلس النواب، وكسروا الزجاج، وخربوا في المبنى.. وانهالوا على النواب لكماً بالأيدي والأرجل، وأخرجوا النواب طرداً من المجلس بعد أن نال بعضهم الضرب المبرح، وعرف منهم مكرم الجندلي، ودهام الهادي، ومحمود أبو عسلي، وعبد الحسيب عدي، ومنير غنام، وحكمت الفنري، أما منير غنام الذي أقسم أنه لن يخرج من المجلس إلا على أسنة الرماح فقد كان حظه من الضرب أكثر من غيره وكادت روحه تزهق، ومما زاد «هيجان» المتظاهرين والاعتداء على مجلس النواب أن رئيس الأركان كان قد طالب بحل المجلس النيابي قبل يوم واحد من المظاهرات «26 شباط عام 1954م».
وبذلك انتهت قصة مجلس النواب، وحركة التحرير وحكم الشيشكلي.

الشاعر
ورث منير غنام الشعر عن والده محمود غنام، كان منير غنام يقرض الشعر، وأغلب إنتاجه الشعري لم ينُشر بعد، المتاح من شعره قليل، نظمه في الأغراض المألوفة؛ من غزل ورثاء وفخر وحماسة. في شعره نزوع لاستنهاض الهمم وتذكير للعرب بماضيهم العريق، وإثارة حماستهم وحثهم على الوحدة ضد المحتل. جلّ شعره في الوطنيات عاكساً صور المد القومي في بلاده وعصره من خلال الدعوة إلى الالتفاف حول الزعماء، كما نلمح بشعره السماحة الدينية، والدعوة إلى التضامن بين جميع فئات الشعب. لغته قوية جزلة، وتراكيبه حسنة السبك، ومعانيه واضحة، وبلاغته تمزج بين البديع والبيان.

استقالة الشيشكلي والندم
كان منير غنام شاهداً على العديد من القضايا والخفايا السياسية خلال فتره الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكان شاهداً وله دور فاعل أثناء الأحداث التي كانت ذات الصلة بما سمي «استقالة الشيشكلي» في شهر شباط من العام 1954م، فهو « كما يشير حفيده باسل غنام «كان مع الحاضرين من النواب وأبرزهم: هاني الريس وحامد الخوجة، وعدد من الوزراء، ورئيس مجلس النواب مأمون الكزبري، وبحضور رئيس الأركان شوكت شقير في الاجتماع الذي عقد في منزل الرئيس الشيشكلي بتاريخ 25-2- 1954م وأعلن الشيشكلي في هذا الاجتماع عن نيته بالاستقالة، وقد كلف منير غنام كتابة هذه الاستقالة..!
على حين تقول ابنة الشيشكلي وفاء: «حين قرر والدي الخروج من البلاد، كتب رسالة استقالته وسلمها لرئيس المجلس النيابي «مأمون الكزبري» لتلاوتها أمام مجلس النواب» وبعد ذلك تم إذاعتها من إذاعة دمشق.
وتشير أغلب الروايات ومنها ما قاله مدير المكتب الصحفي للشيشكلي، قدري القلعجي، وكان من المقربين جداً من الشيشكلي، إلى أن الشيشكلي استدعى قدري القلعجي وطلب منه تسطير كتاب الاستقالة.. وأذيع كتاب الاستقالة من إذاعة دمشق في الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة من مساء يوم 25 – 2 – 1952م.
أما ما ورد في نص استقالة الشيشكلي وبأن سببها حقن دماء الشعب… فهنا يجب التوقف ملياً! فهذا الكلام إنشائي كتبه شخص متمكن من التلاعب بالوقائع والأحداث والألفاظ.. فالشيشكلي «أكل أصابعه ندماً» على استقالته وحاول بعد ذلك مراراً العودة «لقصة إبريق الزيت» والمؤامرات والدسائس والانقلابات!. في البدء خرج الشيشكلي إلى لبنان والتجأ إلى السفارة السعودية ومنح جواز سفر سعودياً!؟ وبهذا الصدد تذكر مجلة الصياد حينها أن الشيشكلي ركب: «سيارته المرسيدس» المصفحة (ذكرت مجلة تايم الأميركية حينها أن هذه السيارة سوداء مصفحة وكانت في يوم من الأيام سيارة الزعيم النازي هتلر) مع ثماني عشرة حقيبة بينها حقيبة صغيرة قيل إنها تحتوي على مبلغ مليون ليرة سورية سحبها من مخصصات القصر الجمهوري والدوائر الأخرى، ورافقه عدد من رجاله وأعوانه منهم شقيقه صلاح ومدير مكتبه الصحفي قدري القلعجي».
التجأ الشيشكلي إلى السفارة السعودية التي أمّنت مغادرته إلى السعودية، مكث فترة من الزمن في السعودية ولم يزل في نفسه حلم حكم سورية، لذا كان أداة طيّعة سهلة في أيدي آل سعود الذين (طبخوا) وضعوا خطوط مؤامرة عودة الشيشكلي إلى دمشق.
اتفق الشيشكلي مع آل سعود على خطوط مؤامرة جديدة على دمشق، وغادر إلى فرنسا ليتابع الاتصالات ووضع النقاط على الحروف لانقلاب عسكري جديد بدمشق، قصد الشيشكلي باريس لعدة أسباب منها أنه كان على علاقة طيبة بعدد من الأصدقاء الفرنسيين، ويستطيع في باريس الالتقاء بالزعماء والشخصيات للتخطيط لانقلاب عسكري وهو بعيد عن أعين الرقباء، وفي باريس التقى وتناقش مع الفرنسيين ومع وزير خارجية سورية آنذاك المرشح لرئاسة الجمهورية خالد العظم وكان ذلك في صيف عام 1955م، عندما دعت الحكومة الفرنسية العظم لزيارة رسمية إلى باريس ورعت لقاءاته السرية مع الشيشكلي، وقيل حينها إن هذه اللقاءات كانت على جانب كبير من الخطورة، كانت الخطة المرسومة أن يؤيد الجيش خالد العظم بانتخابات رئاسة الجمهورية ضد شكري القوتلي، ولكن لم تنجح هذه الخطة ولم يكن حساب الحقل يطابق حساب البيدر فقد أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش في بيان علني أنها لا تؤيد مرشحاً ضد مرشح آخر في معركة رئاسة الجمهورية.
وإزاء هذا الوضع الجديد صدرت التعليمات للشيشكلي بأن يسافر إلى لبنان وغادر الرجل باريس إلى روما بجواز سفر سبق أن منحته إياه السعودية وهو يحمل اسمه واسم أبيه فقط أي (محمد أديب حسن).
في روما اتصل بالعقيد إبراهيم الحسيني، وقال له: (لقد أمرت يا إبراهيم أن اجتمع بك وألا أخطو خطوة من دونك، ولذلك أرجوك أن تذهب معي إلى سورية لأن الظروف مؤاتية لعمل شيء). وقيل أن الحسيني رفض الاشتراك معه في هذه المؤامرة ورفض الذهاب إلى سورية.
اضطر الشيشكلي أن يستأنف السفر من دون الحسيني وكان ذلك على إحدى طائرات شركة إير فرانس، وفي الثالث عشر من شهر آب عام 1955م أي قبل الانتخابات الرئاسية في سورية بخمسة أيام وصلت الطائرة إلى مطار بيروت، تأخر الشيشكلي في النزول من الطائرة إلى آخر الركاب وقصد مباشرة الباب الذي يؤدي إلى صالون المطار من دون المرور في مكاتب الأمن والجوازات، وصادف أن كان في الصالون المقدم اللبناني عبد القادر شهاب فلمح رجلاً يضع على عينيه نظارة سوداء ويلتفت ذات اليمين وذات الشمال فشك فيه، وما إن اختفى الشيشكلي عن الأعين حتى جاءت إحدى الراكبات في الطائرة وهي من عائلة فاخوري إلى المقدم شهاب لتخبره أن أحد ركاب الطائرة كان الشيشكلي، علمت الدوائر اللبنانية المختصة بهذا الخبر ولكنها نفت دخول الشيشكلي إلى الأراضي اللبنانية!؟
وفي اليوم الثاني تقدم الضابط السابق في الجيش اللبناني معين حمود من موظف الأمن العام في المطار ليؤشر على دخول (محمد أديب حسن) إلى الأراضي اللبنانية، وقيل إن الشيشكلي اختبأ في بيروت في منزل صديقه الحميم عبد الرحمن الهنيدي، وزير الزراعة السوري السابق، في سوق الغرب ولم يختبئ في المنزل الذي يمتلكه شقيقه صلاح في ضاحية حمانا. (كانت زوجة صلاح الأولى من عائلة الأبرش وكانت تملك ما يسمى مقهى السريانا بدمشق وعرضته للبيع عام 1953م).
نشرت الصحف اللبنانية في الأول من أيلول عام 1955 خبراً لم نتأكد من صحته أو نفيه ولكن يجب الوقوف عنده مطولاً، يقول الخبر: (تلقت وزارة الخارجية السورية برقية من سفير سورية في باريس يقول فيها إن الطائرة التي أقلّت الشيشكلي من بيروت وصلت باريس من دون الشيشكلي).
وفي المحصلة فشلت كل محاولات الشيشكلي للعودة إلى سدة الحكم بأي وسيله كانت، وانتهت حياته باغتياله كما نعلم.
المراجع: باسل غنام حفيد منير غنام – مجموعة أعداد من مجلة الصياد اللبنانية في فترة الخمسينيات من القرن الماضي – مجموعة مقالات نشرتها في مجلة الأزمنة عن اغتيال الشيشكلي عام 2012م.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن