ثقافة وفن

الأعمال النقدية في السرد الروائي … د. نضال الصالح: لست نادماً على ما جنيت فقد كنت مخلصاً لمبادئي وقيمي ولشرف الناقد وضميره

| سوسن صيداوي

يقول جبران خليل جبران: «لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة». وبهذه العبارة ازدحمت روح رجل بقيم لا تحول ولا تزول، لكونه يشاء أن يكون وكما يجب أن يكون، غير منحاز للنص ولا للشخص، مخلصا لشرف الكلمة لا لثقافة السوق، معنيّاً بالحقائق لا الاستعارات في المؤلفات النقدية الخاصة بالسرد الروائي. إنه الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب، وهذا بعض ما جاء في مقدمة المجلد الأول في المؤلفات النقدية في السرد الروائي الصادر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب، وهو كتاب من القطع الكبير يقع في 700 صفحة، ويحتوي على أربعة مؤلفات صدرت للكاتب في هذا المجال بين عامي 2000 و2004 وهي المغامرة الثانية، دراسات في الرواية العربية، النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة، معراج النص.. دراسات في السرد، الروائي، نشيد الزيتون.. قضية الأرض في الرواية العربية الفلسطينية. هذه المؤلفات قدّمها بأسلوب نقدي صارم كي يكون هذا المنتج مرجعاً مهماً في الساحة الثقافية، متناولا فيه مختلف المدارس الأدبية في كتابة الرواية. وفي المقدمة التي حملت عنوان «ما يشبه البوح» قال: «وأعترف هنا والآن، أنني على الرغم مما تعرضت له من أذى ممن مضيت إلى نصوصهم في هذه الأعمال/ المؤلفات، فإنني لست نادماً على ما «جنيت»، فقد كنت مخلصاً لمبادئي وقيمي التي ارتضيتها لنفسي، ولشرف الناقد وضميره، ولمقولة طالما آمنت بها، وكانت مصباح روحي دائما، أي ما كان جدّي المتنبي قال: أنام ملء جفوني عن شواردها… ويسهر الخلق جرّاها ويختصم».
متابعاً حديثه في مكان آخر: وبعد، فبين أربعة من المؤلفات النقدية فيما يعني الفن الروائي، هي ما صدر لي، في غير طبعة أحياناً، إلى الآن، وما يمثّل متناً أول من متون نقدية تزيد عليه، وأذخرها في جهاز الكومبيوتر لدي لتصدر في مؤلفات جديدة، ولأجمعها، فيما بعد، أو ليجمعها سواي ممن يؤمن بالكلمة: شرفاً، وسؤدداً، وشهادة عدلاً».

المغامرة الثانية
يضم الجزء الأول من المجلد مؤلف «المغامرة الثانية… دراسات في الرواية العربية» والذي يأتي بدراسات تعاين تسعة نصوص روائية هي: (المغمورون، مدخل إلى الرواية القطرية، سماء بلون الياقوت، قبل الرحيل، جسر بنات يعقوب، مجاز العشق، البدد، معجم الروائيين)، ينتمي كتّابها إلى أقطار عربية مختلفة، وإلى أجيال أدبية متعددة، وإلى تجارب إبداعية متفاوتة على أكثر من مستوى، متابعاً د. نضال الصالح أن للأدب وظائف متعددة منها: المتعة، والتعلم، والمنفعة، والتطهير والتحويل والتعويض والتوازن والتنوير والقوة، مضيفاً: وإذا كان ثمة اختلاف لهذه الوظائف بين مجتمع وآخر، ومنظومة فكرية وأخرى، فإن وظيفته الأساسية هي تحرير الإنسان من أغلال الواقع وما يتناسل فيه من أسئلة جارحة، ومريرة. لأن هذا التحرر لا يتحقق بمعزل عن الوعي بأن الأدب والفن عامة، لا يساعد الإنسان على تحمّل هذا الواقع فحسب، بل يزيده تصميما على جعله أكثر إنسانية وأكثر جدارة بالجنس البشري، فإن هذا الوعي لا يتحقق بدوره إن لم تكن ثمة نصوص إبداعية قادرة على الارتقاء بالقارئ من أرض الحكاية فيها إلى فضاءات الفن، وإن لم تقو على دفعه، خلال فعالية القراءة وبعدها، إلى التفكير بآليات اشتغالها الجمالي، بالقدر الذي تثير لديه ما يطلق عليه برتولد بريخت «رعشة الفهم»، فهم الواقع حوله من جهة، والرغبة في تغييره من جهة ثانية».

النزوع الأسطوري
في الرواية العربية المعاصرة
جاء القسم الثاني من المجلد بمؤلف حمل عنوان: «النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة» الذي احتوى على دراسات تتحدث عن النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة في الفترة ما بين عامي 1967و1992، والتي وبرأي المؤلف الدكتور الصالح، تتأتى ضرورتها من كونها أول محاولة نقدية في هذا المجال، ثم من المكانة التي أخذت الأسطورة تشغلها في مجالات الحياة كافة، إذ لم تعد سمة مميزة للمجتمعات البشرية الأولى، كما لم تعد وقفاً على التفسيرات البدائية لنشأة الكون والطبيعة، أو طقوسا سحرية، بل امتدت لتشمل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمعات الحديثة. متابعاً المؤلف «أعني بالنزوع الأسطوري: استلهام الأسطورة أو استيحاءها على نحو كلي أو جزئيّ، ظاهر أو مضمر، أو استدعاء الرموز الأسطورية، أو بناء عوالم تخييل روائية تتصل بأكثر من نسب مع ما هو أسطوري. والنتاج الروائي الذي سيشكل مصادر هذه الدراسة هو النتاج الذي تبدو الأسطورة معه، وعبره، مكونا أساسيا من مكونات متن النص الروائي ومبناه، أي النص الذي تتماهى الأسطورة ونسيجه الحكائي والجمالي، الأمر الذي سيضبط، كما أرى، مصطلح الدراسة على نحو دقيق، ويقصي من مجاله، على سبيل المثال، الأعمال الروائية الأولى لنجيب محفوظ: «عبث الأقدار»، «رادوبيس» و«كفاح الطيبة» التي لا تتجاوز كونها أعمالا تاريخية أرادت إعادة كتابة التاريخ الفرعوني لمصر، بما فيها من أساطير ومعتقدات غيبية، وطقوس سحرية».

معراج النص.. دراسات في السرد الروائي
احتوى القسم الثالث من المجلد على المؤلف «معراج النص.. دراسات في السرد الروائي» الذي تشترك الدراسات فيه بسمات ثلاث: اشتغالها على جنس أدبي واحد، هو الرواية، السورية هنا، وتوجه معظمها إلى مكون أو جزئية فحسب من مكونات الخطاب الروائي، وصدورها، في الأغلب الأعم منها، عن مرجعية نقدية واحدة هي السرديات، مضيفاً الدكتور نضال الصالح: إن ما قد يبدو أحكام قيمة بين تضاعيف هذا الكتاب لا يعنى سوى النصوص والتجارب فحسب، أي بمعزل عن المؤثرات المعنية بما هو خارج نصي. ولأن قيمة النص الإبداعي لا تكمن فيما يقوله فحسب، بل في طرائق صوغه الجمالي لهذا القول أيضا، أي عروجه بمحكيه من أرض الواقع إلى فضاء الفن، فإن الشاغل الأساس لهذه الدراسات هو استجلاء أبرز الحوامل الجمالية التي مكنت هذا النص أو ذاك من العروج بمادته الحكائية الخام من كونها حكاية إلى كونها حكاية وفنا بآن. متابعا المؤلف: «لقد حرصت ما استطعت في هذه الدراسات التي تتناول ثلاثة عشر نصا روائيا، على مقاربة نصوص لروائيين ينتمون إلى أجيال أدبية مختلفة، ورؤى فكرية متعددة، ولعدد منهم رصيد إبداعي يمثل، بعضه أو كثير منه، علامة فارقة في التجربة الروائية السورية، والآخرون ما يزالون يبحثون لإبداعهم عن مكانة مميزة له بين إبداع سابقيهم من جهة، وبين إبداع معاصريهم من جهة ثانية، وكان هاجسي، في مجمل الخيارات التي ارتضيتها لنفسي في هذا المجال، ما استطعت أيضا، أن أقدم ما يمكث في الأرض، وما يمكن أن يكون رافدا من روافد ذلك المحيط النقدي الساكن نسبيا في مشهدنا الثقافي العربي عامة، والسوري خاصة».
نشيد الزيتون

احتوى القسم الرابع والأخير من المجلد على المؤلف«نشيد الزيتون» الذي تستعرض خلاله الدراسة القضية الفلسطينية في النتاج الروائي الصادر ما بين انطلاقة الكفاح الفلسطيني المسلح سنة 1965 وبداية الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982. وتتوزع الدراسة ما بين مدخل وأربعة فصول، حيث تناول المؤلف في المدخل نشأة الرواية الفلسطينية وتطورها حتى عام 1965، والموضوعات التي عالجتها والسمات الرئيسة التي ميّزت خطابها وصححت في الوقت نفسه الخطأ الذي وقعت فيه الدراسات التي أرخت لها والذي يتعلق بتحديد أول عمل روائي فلسطيني يستوفي أدوات الفن وعناصره. في الفصل الأول قدم المؤلف موضوعين يتصلان بالظاهرة. حيث تحدث في الأول عن قضية الأرض في الرواية العربية، متوقفا بشيء من التوسع عند أعمال الروائيين الجزائريين، لما رآه من تشابه بين هذه الأعمال والرواية الفلسطينية. وفي الثاني عرض لثلاثة نماذج روائية عربية تصدّت للحديث عن قضية فلسطين وعلى نحو خاص عن علاقة الفلسطيني بأرضه. على حين الفصل الثاني من هذا المؤلف يعتبره د. نضال الصالح، هو المتن الذي يشكل الدراسة، حيث تناول قضية الأرض في الرواية الفلسطينية من انطلاقة الكفاح المسلح إلى بداية الغزو الإسرائيلي للبنان. بينما تناول الفصل الثالث علاقة الفلسطيني بأرضه مغطيا أكثر قطاعات المجتمع الفلسطيني على اختلاف الانتماءات الطبقية والمعرفية التي تكوّن شخصياته التي حدّدها: بالفلاح والإقطاعي والمختار ورجال الدين والمقاتل والمثقف والمرأة والصهيوني. على حين خصص الفصل الرابع لدراسة الشكل الفني مقسما هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام أو موضوعات، متناولا في الأول وسائل التعبير الفني التي لجأ إليها الروائيون لصياغة محكيات نصوصهم، ولاسيما ما يتصل بقضية الأرض، على حين درس في القسم الثاني والثالث الجماليات الخاصة التي ميزت تلك النصوص من الرواية العربية، والتي تتمثل في عنصرين رئيسين هما المكان والرمز، ثم ألحق هذه الفصول بثَبَت بالرواية الفلسطينية حتى عام 1982وبمعجم الروائيين الفلسطينيين الذين شكلت أعمالهم مصادر الدراسة، وحول هذا المؤلف يختم الدكتور نضال الصالح: «لقد كنت أنجزت هذه الدراسة قبل نحو أحد عشر عاما، ولئن كانت ثمة ظروف حالت دون صدورها آنذاك، فثمة الآن ظروف جديدة ألحت علي في دفعها إلى النشر. من أهمها: حمّى التحولات العربية والعالمية التي تهدد بإبادة اسم فلسطين من الذاكرة وليس من الجغرافية فحسب من جهة، وفعاليات النهب التي طالت أجزاء متفرقة من مخطوط الدراسة، من جهة ثانية. وبعد أيضا، إذا كنت أهديتها آنذاك أي خلال سنوات الانتفاضة الأولى وأنجزتها بدافع منها، إلى أطفال الحجارة الذين يصنعون مستقبل فلسطين: (الإنسان والأرض والجذور) فإنني أدفع بها إلى النشر الآن ولمّا يزل أبناء فلسطين يقارعون الاحتلال، ويؤكدون، يوماً بعد آخر، أن استعادة الحق الفلسطيني لا تتم بغير المقاومة، وأن التشبّث بالأرض هو«الطريق الوحيد لقيامة فلسطين من رماد الموت».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن