شؤون محلية

في الإدارة والمحاسبة

| نبيل الملاح 

خلصت في المقال السابق إلى أنه لا بد من ثورة إدارية منظمة ومنتظمة تقضي على البيروقراطية والمركزية، وتجعل محاربة الفساد في أول سلم الأولويات، وتقضي على هؤلاء الفاسدين والمفسدين الذين أصبحوا ورماً سرطانياً خبيثاً في جسم الوطن لا بد من استئصاله.
وأتابع في هذا المقال الحديث عن بعض الجوانب المتعلقة بذلك، وتقديم الرؤى والأفكار التي تساعد للمضي قدماً بهذا الاتجاه بعيداً عن التنظير والتمييع.
أبدأ من حيث انتهيت في المقال السابق فيما يتعلق بوزارة التنمية الإدارية، وأرى أن يتم وضع وإقرار مبادئ عامة وأساسية للإدارة الحكومية تؤدي من حيث النتيجة إلى القضاء على البيروقراطية والمركزية، وأهمها:
1- ترسيخ مبدأ أساسي ومهم وهو أن وظيفة الإدارة الحكومية تتمثل في خدمة الوطن والمواطن، وأن السلطة الممنوحة لها تأتي في هذا السياق.
2- اعتماد مبدأ اللامركزية في عمل الإدارات والمؤسسات وخاصة الخدمية منها، وذلك بوضع أنظمة داخلية لها واضحة لا لبس فيها.
3- تحديد صلاحيات ومهام المعاونين في المستويات كافة بشكل واضح وبنص قانوني ملزم، وليس بتفويض من الوزير أو المحافظ أو المدير يعطيه متى شاء ولمن يشاء.
4- العناية الدائمة بتأهيل الموظف العام ليكون ملماً بآليات عمل دائرته والقوانين التي تحكمها وربط ترفيعه بذلك.
5- تفعيل مكاتب الشكاوى لدى الوزارات الإدارية لتكون جدية ومنتجة، وربطها بمديريات ودوائر الرقابة الداخلية.
ويأتي في هذا السياق ضرورة إعادة النظر بمهام أجهزة الرقابة والتفتيش وأسلوب عملها، وكنت قد كتبت منذ أكثر من عشر سنوات عدة مقالات طالبت فيها بمراجعة قوانين إحداث الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية لتكون أكثر فاعلية وتؤدي وظيفتها في حفظ المال العام ومنع وقوع خلل وتجاوزات للقانون.
وللأسف فإن أداء هذه الأجهزة قد تراجع لدرجة أن الفساد اخترقها ووصل إلى داخلها، وأدى ذلك إلى طمس قضايا فساد كبيرة أضرت باقتصاد سورية بل أضرت بسورية وأمنها.
إن أجهزة الرقابة والتفتيش التي تعتبر الجهة الأساسية في كشف حالات الفساد وتحديد الفاسدين والمفسدين، لا بد أن يتم ضبطها ومراقبة عملها وأدائها من السلطة التشريعية، وقد يكون من الأفضل ربطها بمجلس الشعب.
وإنني أجد من المفيد إيجاد صيغة محددة لتقديم نتائج عمل أجهزة الرقابة والتفتيش، بإطارها العام، إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام، منعاً لأي محاولة بقصد تجاوز أو إخفاء حالة من حالات الفساد التي أصبحت وللأسف الشديد منتشرة في جميع دوائر الدولة ومؤسساتها وتحظى بدعم بعض النافذين والمتنفذين.
وكذلك من المفيد إيجاد صيغة لكشف نتائج الدعاوى المتعلقة بما تحيله أجهزة الرقابة والتفتيش على القضاء، لتكون قضايا رأي عام.
وإن كل ذلك لن يحقق الغاية المرجوة إذا لم يتم العمل بمبدأ «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب» بعيداً عن الولاءات والانتماءات، وعلينا أن ندرك أن الشخص الذي يصلح لوظيفة ما قد لا يصلح لوظيفة أخرى؛ فلكل وظيفة طبيعتها وخصائصها.
إننا بحاجة إلى البحث عن رجال دولة يتمتعون بالعلم والخبرة والسمعة الحسنة لينهضوا بمسؤولية قيادة أجهزة الرقابة والتفتيش، وكذلك مختلف الإدارات والمؤسسات الحكومية.
إننا بحاجة أيضاً وقبل كل ذلك إلى العمل الدؤوب لجعل وترسيخ القضاء ملاذاً آمناً وعادلاً لنا جميعاً حكاماً ومحكومين.
وللحديث تتمة.
باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن