ثقافة وفن

العلم بالشيء

| د. اسكندر لوقـا

أحياناً نردد، عبارة «العلم بالشيء ولا الجهل به»، وذلك حرصاً منا على عدم البقاء في حالة جهل مطبق أمام كل ما نسمع أو يقال أمامنا، وخصوصاً في المناسبات التي تجمعنا مع آخرين لسبب أو لآخر وتدور بيننا أحاديث متنوعة. ومن هنا أهمية أن يسعى المرء للوصول إلى المعرفة على الأقل في حدودها المعقولة حرصاً منه على عدم ظهوره كغريب في المكان الذي يجتمع فيه مع آخرين.
هذه المعادلة، تقابلها أحياناً، معادلة الادعاء بمعرفة كل شيء ما خفي بل ما كان مخفياً في الحياة، علما بأن المعرفة، كما أمواج البحار لا تعرف الاستكانة في المكان، فهي دائمة الانتقال من مكان إلى آخر، ودائمة التحول من شكل إلى شكل آخر. ولهذا الاعتبار فإن أحداً من العلماء وكبار المفكرين في تاريخ البشرية لم يدع أنه الملمّ بالمعارف الإنسانية كافة إلماماً غير منقوص، لأن الحياة ما دامت مستمرة فإن السائر على دروبها، كما زائر مدينة غريبة عنه يتجول فيها، للمرة الأولى، ومن الطبيعي أن يجد نفسه أمام مشهد يغاير ما قبله بين اللحظة واللحظة.
من هنا كان اعتراف المفكرين كافة وعلى امتداد العصور والأزمنة، بأنهم لم يبلغوا غاياتهم حتى ساعة الرحيل، لأن المعرفة لا نهاية لها ولأن الجاهل وحده هو الذي يدعي المعرفة بكامل جوانبها وإن كان بعيداً عنها. وحين نقرأ للشاعر إيليا أبو ماضي (1890- 1957) قوله «وأرفق بأبناء الغباء كأنهم مرضى فإن الجهل شيء كالعما» ندرك كم هو الادعاء بالمعرفة، من دون أن يكون لها حضور حقيقي لدى صاحب، يدعو للرثاء.
المعرفة عالم لا حدود له، كما هي بداية البحار ونهاياتها، كما هي بداية السماء ونهاياتها. ولهذا الاعتبار، المدعون بامتلاك كامل المعرفة هم المرضى الذين عناهم الشاعر بالجهل. وفي المجتمعات التي تفتقر إلى العلماء الحقيقيين، والمفكرين الحقيقيين، كثيراً ما يأخذ الجهل مداه بعيداً. وفي سياق القول: «العلم بالشيء ولا الجهل به، يكمن معنى جدوى تخطي حاجز الغربة عن كل شيء ولو بقليل من معرفة أو فهم ما يقال وما يسمع أمامنا بعيداً عن الادعاء بمعرفة كل شيء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن