ثقافة وفن

أصبح للشعر سمعة ثقيلة الظل .. الشاعر شفيق ديب لـ«الوطن»:  الأنثى تمنح الكلمة جمالية كبيرة وتنتقد بشكل صحيح

| وائل العدس

سبق أن أطلق كتابين منذ صغره، والآن يقوم بطباعة الثالث، وقد شارك على مدى 13 عاماً بمئات الفعاليات والأمسيات، وأحيا عشرات الحفلات الزجلية مع أهم شعراء الزجل، إضافة إلى مشاركته اللافتة في أول برنامج من نوعه عن الزجل على إحدى الفضائيات اللبنانية.
أما في السنوات الأخيرة وخصوصاً مع اندلاع الحرب، فقد اشترك بعشرات الأمسيات الوطنية وحفلات تأبين الشهداء، وفي عام 2015 قدم عدة حلقات من برنامج «بين الشطرين» على محطة تلاقي، حيث كان يستضيف شاعراً ويحاوره زجلياً وكلامياً، وبعدها اضطر للابتعاد لظروف شخصية قبل أن يعود بالأمسية الأخيرة.
فأمام عدد كبير من الفنانين والإعلاميين والمهتمين، أقام الشاعر شفيق ديب أمسيته الشعرية الأخيرة في رحاب «الآرت هاوس» على مدار ساعة ونصف الساعة سرق فيها قلوب الحاضرين بأشعار عن الحب والأنثى والشام.
«الوطن» التقت الشاعر الشاب وكان هذا الحوار:

كيف تظفر بكلماتك قلوب القراء؟
لاحظت أن المجتمع بشكل عام كي يتقبل شعرك، عليك أن تسكب ملامح روحك بما تكتب، وإن لم يتم ذلك فلن يتمكن القارئ من تصديقك.
الرهان الذي أحاول خوضه أن تكون جملتي مفهومة بالدرجة الأولى، وإن لم يتحقق هذا الشرط فلا قيمة لما أكتب، لأن الفكرة المرجوة لن تصل للمتلقي، وأتبع الأسلوب ذاته بكتاباتي على الفيسبوك وأحرص عليه.

لهذا السبب اعتمدت أسلوب الشعر العامي؟
لم أتبع الشعر العامي بشكل مقصود بل عشقته منذ الصغر لا إرادياً، ولم أتوقع مسبقاً أني سأطور نفسي وأخوض به إلى هنا.
الشعر العامي عبارة عن مؤسسة متكاملة منذ مئات السنين، وهو شعر متراكم وتوءم لشعر الفصحى لأنه موزون، ففي كل دول العالم هناك ما يسمى بالشعر العامي، ولكن في بلاد الشام خصوصاً لمعت المدرسة اللبنانية أكثر، سواء الزجلي أم المحكي.

ما وجه الاختلاف بينهما؟
الشعر المحكي اصطلاح جديد لنمط شعر التفعيلة في العامية والشاعر لديه هامش للحرية فيه لأنه يحتوي على تنويع وحركة، أما الزجل فهو شعر ثابت موزون ولا قيمة له إن لم يكن موزوناً.

هل ما تكتبه واقعي أم من نسج الخيال؟
إن كان واقعياً فهو مادة أولية مهمة جداً، لكن ولو كان الموضوع وهمياً فمن الممكن للرغبة والحاجة التي في داخلك أن تولد لك طاقة لكتابة شيء وهمي والخوض به، فحين تكتب عن الطلاق والزواج والموت والهجرة وتجارب العشق فأنت تحتاج لأن تفتح أبواب الوهم والتخيل، وفيما يتعلق بالغزل والواقع فأنا أكتب لحواء الوهمية التي أتخيلها، وليس من الضروري أن أكتب لأنثى أعرفها.
هل تتمكن من تحويل أي شيء تتخيله إلى قصيدة شعرية؟
هنا أكون بين خيارين، فإما أن أكتب بالأسلوب المحكي الذي يتضمن حرية وهامشاً واسعاً من الخيال، أو أن أكتب قصيدة زجلية مختلفة الطول وأنقل الصورة بأسلوب مجرد ومباشر.
صراحة أحب الأسلوبين، وعشت مع الزجل أعواماً، لكن كتابتي للشعر المحكي (التفعيلة) مؤخراً أستطيع أن أسميها شهوة أرتكبها كل فترة.

هل خضت تجربة الكتابة باللغة الفصحى؟
مقالات فقط، أما قصيدة الفصحى أكتبها كضيف عابر ولم أعلن احترافي لها إلى هذه اللحظة، لأنني كما أعرف أن للزجل سر مهنة اكتسبته مع الأعوام، فبالتأكيد هناك سر مهنة لشعر الفصحى لم أكتسبه بعد.
منذ سنوات طويلة وأنا أكتب الشعر، لكني شعرت أني أصبحت شاعراً أكثر عندما بدأت أرى دموعي أثناء الكتابة، حينها بدأت أصدق نفسي.

هل من الممكن للمتلقي أن يشعر بالإحساس ذاته؟
الأمر يتوقف على براعة الشاعر، فإن كان متمكناً فإنه يستطيع أن يوصل للمتلقي نسبة كبيرة من شعوره، وهذا إنجاز كبير، لكن إن تمكن من إيصال 100 بالمئة من شعوره فهو معجزة.
وبكل الأحوال أرى أن أكثر من ينتقد الشعر بشكل صحيح ليس النقاد ولا المثقفين ولا الشعراء وإنما الأنثى بمختلف ثقافاتها.
أحياناً تكتب مقطعاً بكامل إمكانياتك وينال إعجاب الشعراء المتمكنين، لكن جرب أن تقرأه لفتاة، فإن قالت لك لم أفهم شيئاً فمزق ما كتبت وارمه بعيداً.

يعني أن الأنثى معيار التقييم الأساسي لديك؟
الأنثى تمنح الكلمة جمالية كبيرة وتنتقد بشكل صحيح، وهذا ليس بغريب، فمن تتمكن من ترتيب عطوراتها وخزانتها ومكان سكنها، باستطاعتها أن تميز بيت الشعر الجميل المرتب.

إذاً أقصيت العنصر الذكري؟
لا ليس كذلك، لكن الذكر يفرح كثيراً إذا لاقى الشعر إعجاب الأنثى.. ضاحكاً.

هدف أي شاعر الشهرة أما أنت فعكس ذلك، ما السبب؟
عندي فوبيا من الشهرة، أتمنى أن أكون شخصاً معروفاً وتحب الناس سماع أشعاري لكن ليس لدي حب الظهور.
الشهرة لابد منها لكن ضمن ضوابط معينة، لم أتبع بحياتي أسلوب استغلال شخص معين كي يشهرني، فما الفائدة بأن يشهرني أحدهم أو أن أستغل «موضة» معينة وأظهر على الشاشة لمئة مرة ولا أحد يحفظ شيئاً من أشعاري؟ وهذا حدث مع غيري، وبالنسبة لي الانطباع الجميل يغنيني عن أي نافذة على الشهرة، وإن لم تلاحقني الشهرة بعد كل هذه السنوات فلن ألاحقها.

متى تصل لمرحلة لا يعد هناك ما تقوله؟
العمر لا يعنيني، لكن عندما أشعر أن كلمتي لم تعد مسموعة، أو إنها تسمع ولا تحقق النجاح، حينها سأتوقف بغض النظر عن العمر.
خلال سنوات الأزمة هل كتبت شعراً خاصاً فيها؟
شاركت بالعديد من المناسبات لشهداء سورية، والشعر الذي ألقيته ارتبط بالظروف التي نعيشها.
نحن نعيش حرباً متشعبة وعلينا أن نكون رسل سلام وليس رسل موت، وأنا كتبت وقلت للسلام والمصالحة والدفاع عن الوطن.

أترى بأن على الشاعر إيصال رسالة معينة؟
الرسالة مهمة جداً لكنها ليست مبرراً لتقديم مادة جافة ومملة، هناك من يعتقد أن الشعر للنخبة المثقفة فقط، وهذا برأيي خطأ، فالشعر لكل الناس ولا مانع من تقديم رسالة بإطار جميل وسهل ومهضوم وليس بإطار خشبي.

نزار قباني مثالاً؟
نعم الراحل نزار قباني مثال، فقد استطاع أن يفهم الناس وخاطبهم بقلوبهم قبل عقولهم لهذا السبب ترك بصمة كبيرة، مع التأكيد على عملقة شعراء غيره مثل بدوي الجبل والجواهري ونديم محمد وسعيد عقل وغيرهم.

من أكثر شاعر أثر فيك؟
من شعراء الفصحى كسوريين أعتبر نفسي متأثر بقلبية نزار قباني وعقلية بدوي الجبل.
ومن شعراء الزجل وبما أني متبحر فيه فلن أسرد الأسماء لأنني كوّنت خليطاً من إيجابيات كل شاعر وحاولت التأثر به.

لماذا يقولون إنك تركت المنبر الزجلي مؤخراً؟
لم أتركه، ولكن لي مشروعي الخاص ورؤيتي الجديدة لمنبر الزجل، وأعد المتابعين بالعودة لحفلات تبار بلمسة خاصة عندما تسمح الظروف.

ما الفئة الجماهيرية التي تخاطبها؟
أكتب للجمال والحضارة والحرية، وأستمتع بممارسة إنسانيتي من خلال الكتابة، لا أحب أن أصنف فئات الجمهور كأسواق من المستهلكين، ولا أرى نفسي كبائع، أحب أن أخاطب الإنسانية من خلال أحلامي وعواطفي.

كيف تقيم شعر الزجل في سورية؟
تضم سورية ألواناً كثيرة من الشعر الشعبي في المناطق الجنوبية والساحلية والصحراوية، ولكن لا يوجد لون سوري شعري موحد وإنما لون مناطقي جميل لكل منطقة على عكس الشعر اللبناني المنظم.

بعيداً عن كونك شاعراً ماذا عن الدراسة والحياة والعمل؟
درست إدارة أعمال وعمري الآن 28 عاماً، والشعر أخذ مني 18 عاماً وجعلني أنفصل عن كل شيء.. صداقاتي ومعارفي ومراهقتي وحياتي، لكن الأمر الذي يسعدني اليوم أنني عدت لأيام المراهقة من خلال الشعر وبدأت أوازن بين حياتي الشخصية والشعر.

هل أنت متفرغ للشعر أم إنك تعمل بمجال دراستك؟
حاولت قبل عام ونصف العام أن أبتعد عن الشعر، فشعرت بأني شجرة يابسة، وقد عاد الفرح إلى قلبي في الأمسية الأخيرة لأني عدت إلى الشعر.
من الممكن أن يعمل الشخص بشهادته وهذا الأمر لابد منه لكن الشعر بالنسبة لي هو النبتة التي تمنحني الحياة.

هل ترهن حاضرك ومستقبلك للشعر؟
أتمنى ألا أتعرض لموقف طارئ يبعدني عن الشعر وأنا مقتنع.

هل هناك تنافر بين الحياة الشخصية والشعر؟
عندما كان أصدقائي يذهبون للاحتفال بميلاد أحد الأشخاص كنتُ بذاك الوقت أبحث عن شريط زجل كي أستمع إليه.
خلال أيام الدراسة وعند انتهاء الدوام كنت أتردد بشكل يومي على محل الأشرطة حتى أشتري كل ما لديه، ومع الأيام صرت أنا من يمده بأشرطة لا يمتلكها بسبب مكتبتي النادرة.
هذا لا يعني أني كنتُ شخصاً انطوائياً، بل كنتُ منذ البداية شخصاً اجتماعياً لكن شعري سرقني، واليوم أشعر بسعادة غامرة عندما أكون مع أصدقائي وألقي عليهم بعضاً من أشعاري.
وبكل الأحوال على الشاعر ألا يكون انطوائياً، لأنه يمتلك حساسية زائدة، وإذا تطورت إلى حساسية مفرطة تحولت الحالة إلى مرضية. فأنا شاعر حساس لكني لست مصاباً بحساسية مفرطة.

كلمة أخيرة
للأسف، أصبح للشعر سمعة ثقيلة الظل مع تطور الفنون الأخرى وسيطرتها على المجتمعات والإعلام، وكل من يسمع بكلمة شاعر يتخيل أن هناك شخصاً رتيباً يقرأ من الأوراق ببطءٍ شديد منفر، نحن في تحدٍّ حقيقي، هل نجعل الشعر مادة محبوبة مجدداً؟ لنرَ.

سبع بواب

لا تقلَقي يا شام ما لِك ندّ
مهْما السواد يعربد ويمْتَدّ
يا شام ضلّي حدّ فوق الحدّ
كل شي بأمرك صار.. عَين وخدّ

ومتل ما للعدّ في أرقام
بالشّام في أرقام ما بْتنعدّ

من بعد سبع سنين أخد وردّ
لازم يصيرو يعرفو عن جد
هالياسمينة العرّشت بالشّام
وتْعَربشت عا بْوَاب ما بتنهدّ
لو عرّضوها للشمس أعوام
بتضل بيضا وبسّ.. ما بْتِسْودّ

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن