قضايا وآراء

اتفاق التهدئة في الجنوب والتحول الأميركي

| صياح عزام 

في لقاء «هامبورغ» بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين، حصل ما ليس في الحسبان، إذ لم يقتصر اللقاء، كما كان يتوقّع البعض، على الاكتفاء بالمصافحة والتشارك في جلسات وحوارات ومجاملات وبروتوكولات القمة المذكورة، بل على العكس كان مثمراً، فبدلاً من نصف الساعة التي كانت مقررة له استمر اللقاء ساعتين وربع الساعة، ووصفه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأنه كان بنّاء جداً، وأنه كانت بينهما «كيمياء» إيجابية واضحة جداً.
الرئيس بوتين كان قد استهلّ اللقاء بالقول: إن المكالمات الهاتفية وحدها لا تكفي لحلّ المشاكل الثنائية والقضايا الدولية المهمّة، مؤكداً أهمية اللقاءات الشخصية، بدوره أكد ترامب أن الولايات المتحدة تتطلّع إلى إقامة علاقات إيجابية مع روسيا.
وفي مؤتمر صحفي أعقب اللقاء، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن الطرفين الروسي والأميركي، كانت وجهة نظرهما متطابقة بالنسبة لوحدة وسلامة الأراضي السورية، وأن الرئيسين اتفقا على تطبيق وقف إطلاق النار في جنوب سورية، درعا والقنيطرة والسويداء، اعتباراً من ظهر يوم التاسع من شهر تموز الجاري، موضحاً أن الشرطة العسكرية الروسية ستعمل على حماية الأمن هناك بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأردن.
وبالفعل، تمّ تنفيذ وقف إطلاق النار في الوقت المحدد، والملفت للنظر هنا، أن معارضة منصة الرياض لم يرق لها هذا اللقاء والاتفاق الذي انبثق عنه، مُدّعية أن الاتفاق جاء لحماية أمن إسرائيل! فعجيب أمر هذه المعارضة!
لقد دبّت النخوة في رؤوس قادتها فجأة، وفطنوا إلى الخطر الإسرائيلي الآن، متناسين تنسيقهم مع إسرائيل عند شريط فصل القوات السورية الإسرائيلية، ومن قبل جبهة النصرة وغيرها من الميليشيات المسلحة التي يراهنون عليها، ويعتبرونها جزءاً من ثورتهم المزعومة، والأكثر من ذلك أن أحد هؤلاء المعارضين زار إسرائيل وطلب منها قصف دمشق.
على أي حال، نعود للقول: إن هذه القمة الروسية الأميركية أحدثت اختراقاً إلى حد ما في مسار العلاقة الروسية الأميركية وضيقت الفجوة بين الطرفين، وقد تدفع بمساري أستانا وجنيف قدماً إلى الأمام للتوصل إلى إنهاء الأزمة في سورية.
وحسب مصادر مطلعة، فإن الولايات المتحدة قد وصلت إلى طريق مسدود في رهاناتها على رسم خطوط حمراء في سورية، خاصة أمام تقدم الجيش السوري وحلفائه في البادية السورية وباتجاه الحدود مع العراق، هذا إلى جانب تصاعد التجاذب التركي الكردي في الشمال السوري، وبدء تراجع المواقف العدائية لسورية في الغرب تحت ضغط الوقائع والمصالح، وازدياد خطر الإرهاب في أوروبا؛ كل هذا دفع الإدارة الأميركية إلى القبول بالرعاية الروسية لإمساك الدولة السورية بجغرافيتها الموحدة، والتنسيق مع موسكو لإيجاد حل سياسي في سورية.
إضافة إلى ما تقدم، أكد العديد من المحللين السياسيين والمتابعين للعلاقات الروسية الأميركية أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر قد أجرى لقاءات خلال المرحلة الماضية مع رؤساء أميركا وروسيا والصين، وقدم لهم نصائح حول أخطار التصادم والمواجهات، وضرورة الابتعاد عن محاولات فرض التفرد أو فرض الإرادات، نظراً للتكاليف الباهظة التي تترتب على ذلك بالنسبة للجميع، مؤكداً لهم أن مواجهة الإرهاب أصبحت مصلحة عليا لكل الدول، وبالتالي فإن التفاهم هو المطلوب، وقد تكون هذه النصائح لعبت دوراً في تحقيق هذا اللقاء الروسي الأميركي في هامبورغ على أي حال يمكن القول إن المحاولات الأميركية لتحجيم مكانة روسيا العائدة بقوة إلى الساحة الدولية لم تنجح، بل استطاعت روسيا فرض حضورها بصيغة جديدة وفاعلة ولم يعد ممكناً توقع عودتها إلى الوراء، وبالتالي فإذا كان التعاون الروسي الأميركي حاجة أميركية، فهو هدف لروسيا.
باختصار، يشكل اتفاق التهدئة في الجنوب السوري منعطفاً في المسار السياسي والميداني للحرب الإرهابية ضد سورية، ويبقى التساؤل المهم، هل يصمد هذا الاتفاق، ويدفع بمسارات أستانة وجنيف إلى الأمام باتجاه إيجاد حل سياسي يحفظ وحدة وسلامة الدولة والأراضي السورية، وخاصة أن إسرائيل أعلنت أن لها شروطها تجاهه، وأنها لا تعِدّ نفسها مُلزمة به؟ وهل سيستمر التنسيق من قبل أميركا مع روسيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن