من دفتر الوطن

حلاوة.. وعلقم!

| عصام داري 

الرجوع للدفاتر العتيقة لا يعني بالضرورة الإفلاس، فليس كل مثل من الأمثال يعبر عن حالة صحيحة، أو هو المسلمة المطلقة، فالإفلاس هو حالة الفراغ والإملاق والفقر المادي والمعنوي والفكري.
من يمتلك الأبجدية، أو من يعرف كيف يوظف هذه الأبجدية في إيصال رسائل حب وفلسفة وحكم، ويقدم معلومة مفيدة، لا يمكن أن يوصف بأنه مفلس، بل أظن أنه أغنى بكثير ممن يمتلك المال على جهل وتخلف.
أرى أن حياتنا فيلم طويل نتابعه بدهشة حيناً وحزن وفرح وخوف وأمل وتأمل وصراع من أجل البقاء والنجاح والفوز في امتحانات قاسية حيناً آخر.
حياتنا توليفة مزركشة بكل الألوان، وتحتوي من هذا وذاك، لا تخلو من عبق العشق وغزل العيون الصامت، ومن حزن يرافق أيامنا ونحن نسير في قطار العمر الذي يطوي الفيافي والأعوام.
نغادر إحدى عربات القطار أحياناً مجبرين كي يقلنا قطار آخر قد تكون وجهته معاكسة لهذا القطار، نترك القطار بحثاً عن فرصة جديدة، أو عن حب جديد ظناً منا أن ما قاله نزار قباني هو الحقيقة الثابتة الوحيدة في الكون:
مثلما تطرد الغيوم الغيوماً
الغرام الجديد يمحو القديما
سنسافر أبداً في زماننا الذي اخترناه واختارنا، في هذا القطار أو ذاك، في زورق من مشاعر وأحاسيس، ولا شك أن الفرح ينتظرنا في إحدى المحطات، وأن الحب آت لا محالة ولو تأخر قليلاً.
قـد تـغدر بنا الأيام، تفاجئنـا المحـطات، يسبـقنا الزمـان، تـدهشنـا الحياة، تسرق منا أعمارنا، وبلا مقدمات نجد أنفسنا وقد أسرفنا في كل شيء، وتأتي ساعة الحقيقة التي نعلن فيها إفلاسنا، ونلقي باللوم على الظروف والأقدار، ونعود إلى دفاترنا العتيقة ذات الأوراق الصفراء.
في خضم معارك الحياة اليومية يراودني هذا السؤال: هل أضعنا كل هذه السنوات هباءً، أم إن هناك محطات فرح مرت تجعلنا غير نادمين على كل تلك السنوات وتجعل لها قيمة ومعنى؟
الفرح وحده يمسح الأخطاء الصغيرة التي اقترفناها بطيش ربما أو برعونة، لكنها كانت مغامرة حلوة، ومن لم يغامر لم يذق حلاوة التجربة.
لا ندرك حلاوة الحياة إلا عندما نتذوق علقمها، ولا نعرف المحبة إلا من خلال تعرضنا لموجات عاتية من الكراهية، ولا طعم للحياة ولا حلاوة لها من دون الناس الذين يحيلون أيامنا إما إلى نعيم، وإما إلى جحيم، ونجاكم اللـه من نار الدنيا والآخرة.
الحياة رحلة طويلة بين الواقع والحلم، بين الحقيقة والأكاذيب، بين أزاهير وأشواك، الحياة هي تناقضات النفس البشرية بين خير وشر، وحب وكراهية، وتسامح وأحقاد، وبين كل هذه المشاعر والأحاسيس يسير قطار العمر بسرعة تنسينا من نحن، كيف جئنا، وإلى أين نمضي وما رسالتنا في هذا الزمن المحدود الذي هو كل ثروتنا من العمر طالت السنوات أم قصرت.
ويبقى الحب مركباً من نور، وأشرعة من حنين، ونحن ننتظر على مدى عمر كامل رحلة في زورق من خيال رسمناه، قد يأتي وقد لا يأتي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن