اقتصاد

«نابوكو السوري» يتدحرج نحو المتوسط

| علي محمود هاشم

فجأة، أعلنت «إسرائيل» قيادة كونسورتيوم لمد أنبوب للغاز الطبيعي تحت مياه المتوسط، قبل أن يعلن وزير النفط التركي، صهر الأردوغان وممثل مصالح العائلة في قطاع الطاقة؛ عزمه التوجه إلى الكيان قبل نهاية العام للتوقيع على إنشاء أنبوب آخر يصل بين الأراضي المحتلة والتركية.
كلا الأنبوبين، حُسم أمر مدّهما على عجالة هذا الشهر على هامش مؤتمر اسطنبول للطاقة، وبطبيعة الحال، فلم يكن لهما أن ينبثقا لولا نجاح الجيشين السوري والعراقي بدفن مشروع «نابوكو السوري» في باديتهما المشتركة.
«نابوكو السوري» هذا الذي راود كارتيلات الغرب لربط الغاز الخليجي بأوروبا بعد استحواذ التكفيريين على الجغرافية السورية، تم استنساخه من «نابوكو التركي» الذي دفنته روسيا عبر دبلوماسية جهنمية في رحم أفكاره الأميركية تسعينيات القرن الماضي، مستبقة محاصرة دورها في رسم خرائط قناطر الطاقة الكونية، هيمنت خلالها على مصادر الضخ في تركمانستان وممرات عبوره في أذربيجان، قبل وصوله إلى تركيا الحالمة بتمريره إلى أوروبا.
شيء تجدر إضافته على اسم «نابوكو» لاستيضاح دوره في الحربين على العراق فسورية، وما سبقهما من انتخاب الغرب لعملائه الإخونج ودفعهم نحو السلطة في تركيا مطلع القرن، فهو يستبطن مرجعيته اللفظية الصهيونية المستمدة من صيغة التحقير لاسم «نبوخذ نصر» ملك بابل العظيم وابن إله تجارتها الذي دفن هو الآخر قبل نحو ثلاثة آلاف عام، أحلام مملكة يهوذا بالوصول إلى نهر الفرات.
مع نجاح روسيا في قطع «نابوكو» التركي ومن ثم السوري، أفصح «نابوكو» الإسرائيلي الجديد عن وجهه بعد نحو عقدين من نجاح دول المقاومة في تحويل تطلعات الغرب بالهيمنة على الشرق الأوسط الجديد لمجرد نوبات غثيان كاذب، إلا أن كاريكاتورية مشهديته الجديدة بنسخته النابوكية الإسرائيلية التي تجلت على هامش مؤتمر اسطنبول ذاك، لا تقف عند الصور التذكارية لحفل توقيعه بأقلام وزراء الطاقة في دول العبور: إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا، بل تمتد إلى صلب تطلعاتهم، فتبعاً لحجم الاحتياطيات المكتشفة في حقول إفروديت القبرصي وليفياثان الإسرائيلي، وطول مساره الذي يمتد نحو 2000 كم تحت مياه البحر المتوسط، لا يمكن أخذه على محمل الجد لدى قياس تنافسيته مع «السيل التركي» الذي باشرت روسيا بمده تحت البحر الاسود، وبأقل من نصف المسافة التي يحتاجها «نابوكو» الإسرائيلي، ناهيك عن الاحتياطات الإسرائيلية القبرصية التي سوف تتدفق عبره، يمكن تمريرها جميعها خلال عام واحد أو أكثر بقليل عبر قناطر الأنابيب الروسية المتجهة إلى أوروبا.
خلال مؤتمر العشرين في هامبورغ، تمظهرت الهندسة الروسية المعقدة في تقاسم المصالح شرق المتوسط، مستولدة نقطة في آخر سطر الحرب على الجغرافية السورية العراقية بعدما تركت مصالح تبدو مناسبة للجناح الذي يمثّله ترامب ووزير خارجيته «القادم من إكسون موبيل» من هيكلية الدولة الأميركية العميقة.. إن صح التفسير السابق، فسوف يمكن اعتبار «نابوكو الإسرائيلي» الجديد بمثابة «ثورة» مضادة أطلقها الجناح الأميركي الآخر على عجل مناهضا هندسة المصالح الروسية الدولية، وهذه المرة، ليس في آسيا الوسطى ولا في البادية السورية، بل على صفحة المتوسط.
بالرغم من الاستثمارية الشحيحة لأنبوب «إسرائيل- إيطاليا» قياسا بموارد ضخه الضئيلة نسبيا من الحقول القبرصية والإسرائيلية، وما يضيفه إليها الاتفاق التركي الإسرائيلي لمد أنبوب آخر عبر قبرص من كاريكاتورية.. في الواقع، ما زالت مشهدية حرب الغاز تترنح في المنطقة، وقد تكون المشكلة الروسية أعقد من ذلك، إذ يمكن لـ«نابوكو» الإسرائيلي أن يشكل خطراً محتملاً إذا ما تم النظر بتمعن إلى مساراته المنطلقة من ميناء حيفا رغم قدرته على الاكتفاء بضخ الغاز من المياه الإقليمية المحاذية لقبرص، وما لذلك أن يوفره من تكاليف إنشائه!
ومع إضافة الاتفاق التركي الإسرائيلي لإنشاء المسار الآخر للأنابيب عبر قبرص، يمكن التيقن بدرجة كبيرة من خطط مبيتة لانضمام مشيخات الخليج، بما فيها قطر ذات «الوزن الغازي النوعي» إلى عقدة الأنابيب الإسرائيلية، بعد ربط شبكاتها الوسيطة بين الخليج وحيفا بشكل مباشر، أو لربما مواربة عبر سيناء التي مهد لها اتفاق نقل ملكية جزر تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وما استبطنه -تلقائياً- من انخراط الأخيرة باتفاق كامب ديفيد، في شقه التجاري.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن