ثقافة وفن

«تحت سرّة القمر» يوثّق سنوات الأزمة في قصة حبّ سوريّة…شميط: التعديل مشروع إلى أن يدخل الفيلم الشاشة فقد تركنا خطوطاً جانبية كثيرة

عامر فؤاد عامر : 

ينجز فريق عمل فيلم «تحت سرّة القمر» خطواته الأخيرة في وضع صورته النهائيّة، ليكون جاهزاً للعرض في فترةٍ لن تتجاوز الشهرين، والفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، يتميّز كونه يوثق لقصّة حبّ سوريّة وُلدت في أحداث الأزمة، التي قلبت موازين الحياة، فباتت الأسرة السوريّة تتعرض لعواصف من كلّ الاتجاهات، لكن في الفيلم دعوة للتآخي من جديد، ودعوة لنسيان الأحقاد، والبداية بصفحة جديدة، فالحبّ في الفيلم يحمل أملاً متجدداً رغم اقتراب الخطر في كلّ اللحظات، لكنه في النهاية دعوة للمقاومة وتوثيق مهم لحياتنا كسوريين.

وقد اعتمد سيناريو الفيلم على نصّ روائي حمل الاسم نفسه «تحت سرّة القمر» للكاتبة جهينة العوّام، والتي تعدّ من أولى الروايات السوريّة التي تحدّثت عن الأحوال في سورية بكلّ حياديّة، فكان همّها الإنسان ومستقبله القادم، والفيلم من إخراج «غسان شميط» الذي أعدّ السيناريو بالاشتراك مع الكاتبة نفسها، وفي ذلك التعاون يقول: «عندما تناولنا نص الرواية لنحوله لسيناريو فيلم أنا والكاتبة جهينة، قررنا ألا نضع كلّ الأحداث في الفيلم فهي رواية كثيرة الأحداث وليست قصيرة، فأخذنا الخط الأساسي منها وتركنا الخطوط الجانبيّة، وذلك للوصول إلى هدف محدد مع إضافة تفاصيل لم تكن موجودة في الرواية، وهذا الأمر يغني الفيلم طبعاً، إضافة إلى أشياء أضيفت أثناء التصوير، واختيار ما هو مناسب للعمل يبقى مشروعاً إلى أن يدخل الفيلم شاشة العرض، فقد تناولنا شرائح اجتماعية متعددة من حياتنا، وحاولنا ملامسة الجرح السوري الذي نعاني منه يوميّاً، بالقسوة والصعوبة التي نحسّ بها فعلاً، فالعائلة الأساسية تنتقل من بيئة لأخرى، لتتأقلم مع المكان الجديد، وتبني علاقات جديدة، وهنا تكمن الدعوة للتآخي، والتقرب من بعضنا، ونسيان الأحقاد والكره، وأنّ يتعامل الإنسان مع غيره بهدف الإنسانية من دون التطلع إلى خلفيّات طائفيّة، وعموماً سورية كانت في هذا التعايش والمحبة والتسامح، فالرواية تدعو للتعامل مع بعضنا بإنسانية مع احترام الخصوصيّة والحريّة الشخصيّة والفكرية، من دون أن نضرّ ببعضنا».

فريق منسجم ينجح الخطوات
تميّزت مراحل تصوير الفيلم بسرعة الإنجاز زمنياً على الرغم من عدم توافر الظروف المثاليّة للعمل وفي هذا السياق كان للمخرج «غسان شميط» تعليق: «اعتقد أن الخبرة لها دور فيما تقول، فسابقاً كان يلزمني من ثلاثة إلى أربعة أشهر للتحضير للفيلم قبل الشروع في العمل به، أما الآن وبتعاون الجميع فقد أنجزت العمل بوقت قصير، ولربما ما ذكرت من الأوضاع العامة التي نعيشها هو ما دفعني للعمل بسرعة والاستفادة من كلّ الوقت المُتاح، فكان هناك اجتهاد وللملاحظة هذا لم يكن على حساب الجهود الفنيّة، وأيضاً أريد القول إن الجميع كان همّه العمل والإنجاز، وكان هناك طابع محبّة من الجميع لنكون يدّ واحدة أثناء العمل، وأنا لا اهتم في السينما لوجود النجوم بل انتقي الممثل المناسب للدور، وهكذا أكسب خمسين بالمئة من نجاح الخطوة، وتقع الخمسين الأخرى في حالة الاهتمام المشتركة بيني وبين الممثل والتصوير وجميع العاملين بالتأكيد، وهكذا يأتي التكامل في الفيلم السينمائي المثالي. فمثلاً الفنانة «علا باشا» كان لديها تفهم كبير للنصّ بل كانت مندمجة في العمل بصورة مفاجئة، وكذلك الفنان «وضاح حلوم» والفنان «مروان أبو شاهين» وكل الفنانين كانوا متحمسين كذلك، فالجميع كان يحضر في الوقت المحدد، ولم نعان من أي تأخير، والجميع منسجم ليقدّم أجمل صورة للعمل، وقد صوّرنا في مناطق حسّاسة في جرمانا وطريق المطار وبابا عمرو في حمص، ولم نتعرض لأية مشكلة فالظروف ساعدتنا للإنجاز تحقيقاً لغايتنا في تقديم فيلم يطرح قضية على المشاهد كما هي بعيداً عن أي تأثير».

مولود بملامح مغايرة
بين الرواية كنص والسيناريو المعدّ للإخراج فرق كبير، لكن الكاتبة «جهينة العوام» استطاعت أن توفق في التقاط اللغة المناسبة لكلّ من العمل، وعن هذه الفكرة تجيبنا: في الحقيقة استمتعت جداً في هذه التجربة واعتبرتها مِنحة قدريّة، وخصوصاً أنني سأعيد صياغة الرواية بطريقة أخرى تتشابه معها وتختلف بآن معاً ليصبح بين يدي طفل بملامح مغايرة، فالسيناريو الذي تشاركته مع المخرج غسان شميط خلق قصة جديدة وأحداثاً لم تكن موجودة في الرواية الأصلية، الآن لا استطيع الكلام أكثر من ذلك بانتظار عرض الفيلم» ولدى السؤال عمّا يشاع عادة بأن الفيلم لا يقدم الصورة الغنية للرواية وبالتالي يمكن للفيلم أن ينقص من حقها، فالوثوق بهذه الخطوة يعدّ مغامرة، تجيب «جهينة العوّام»: نتحدث هنا عن عالمين مختلفين، فكما أنك لا تستطيع المقارنة بين لوحة وأغنية، كذلك فإنك لا تستطيع صرف الكلمة مقابل الصورة أو العكس هناك أفلام كانت أروع من القصص التي أخذت عنها، وهناك العكس. وأعتقد أن الإبداع هو معيار الصرف الحقيقي لأي عمل فني، بمعنى أن المخرج المبدع قادر على خلق أجنحة للكلمات. بالنسبة للشطر الثاني من السؤال أنا واثقة من وجوب المغامرة للوصول إلى نتائج أكثر نضجاً».

المهم سلامة الفيلم
الفنانة «علا باشا» بطلة الفيلم حدثتنا عن دورها فقالت: «جسدّت دور «سناء» وهي امرأة متزوجة، عندها ابنتان وطفل صغير، وهي تنتمي لبيئة متشددة تزوجت في سنّ مبكرة، ومع الظروف الراهنة تنزح من بيتها ليكون لديها معاناة كبيرة فتضحي في سبيل المحافظة على عائلتها، وأثناء ذلك يولد الحب في قصة لطيفة. «وعن ظروف العمل والأجواء التي كانت أثناء التصوير تضيف علا باشا: «العمل كان جميلاً والفريق متكامل في نشاطه ومحبّته لإنجاز الهدف، والمخرج كان أباً حقيقيّاً للعمل، وهذا ما جعل الجميع مرتاحاً وواثقاً من كلّ خطوة على الرغم من خوفي في الفترة الأولى من التصوير، لكن الاندماج في لغة العمل أقصى كلّ فكرة سلبية حول الخطر الذي يمكن أن يتعرض له المرء في مناطق حساسة من البلد».

هامش واسع من الحريّة
الفنان «وضاح حلّوم» عن دوره يخبرنا: «ألعب دور «نبيل» المدير لإحدى مؤسسات الدولة، وله أيضاً عمله الخاص كرجل أعمال في شركاته الخاصة، وينقسم الدور إلى قسمين، الأول هو ما قبل الحادث، والثاني ما بعده، فما قبل الحادث يكون نبيل مقبلاً على الحياة بملذاتها وخصوصاً ما يتعلق بالشرب والنساء، حيث يعيش حياة المجون بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وذلك كلّه في مزرعته الخاصّة خارج المدينة، وبالتوازي، يتعامل مع زوجته بطريقة سيئة جداً، حيث لا يتوانى عن ضربها ومنذ بداية حياتهما الزوجية.
أمّا في مرحلة ما بعد الحادث فيكون رجلاً مقعداً بسبب الإصابة تعتني به زوجته باستمرار كطفل، من الإطعام إلى تناول الدواء، وحتى تنظيفه في الحمام بشكل يومي، ، وتقوم زوجته بهذه الأعمال بصبر وتحمل كبيرين، متناسية ماضيه معها ومعاملته السيئة لها سابقاً، فالدور بالنسبة لي جديد تماماً في مسيرتي الفنيّة السابقة، وفيه مساحة مهمة لي كممثل، حيث كان علي أن ألعب شخصيتين مختلفتين تماماً عن بعضهما «ما قبل الحادث وما بعده». وعن التجربة وخصوصيتها يقول الفنان «وضاح حلّوم»: «هذا عملي السينمائي الثاني في حياتي الفنية، والثاني لي مع المخرج «غسان شميط»، فالأولى كانت في فيلم «الشراع والعاصفة» المأخوذ عن رواية الكاتب الكبير «حنا مينة» والثانية جاءت في هذا الفيلم، وقد كنت مرتاحاً في عملي ومستمتع في تجربتي مع المخرج غسان شميط، حيث إنني وجدت هامشاً واسعاً من الحرية، أتاح لي أن أقترح ما يمليه عليّ خيالي، وفي كلّ لحظة ومفصل خلال العمل، فيما يخصّ الشخصيّة التي ألعب دورها، مما حفزني للبحث أكثر عن تفاصيل تخدم بناء الشخصية وتغنيه».

أسلوبيّة تستحق التقدير
الفنان «مروان أبو شاهين» يحدثنا عن شخصيّته في الفيلم: «أديت شخصيّة علاء، وهو مهندس يعمل في مدرسة السواقة كمدرب، وهو شخص ينظر للحياة بطريقة مختلفة، ومن منظاره الخاص، فهو شاب حساس وشاعري وقد يكون رومانسياً في كثير من الأحيان، ويجمعه القدر عن طريق المصادفة بـ«سناء» وهي بطلة العمل التي تؤدي دورها الفنانة «علا باشا» حيث تجمعه بها صديقتها «غرام» التي تؤدي دورها الفنانة «لينا حوارنة» لتكون إحدى المتدربات في هذه المدرسة، وأثناء ذلك تتيقظ داخله أحاسيس كادت تموت لتنشأ هذه العلاقة وتستمر كي تصل لزواجهما في النهاية». أمّا عن أجواء العمل والتصوير فيضيف: «بالنسبة لأجواء التصوير، وبما أنها التجربة الأولى سينمائياً لي في الفيلم الطويل، فقد حققت لي كثيراً من المتعة، وخاصة في الأسلوبيّة المتبعة التي تختلف كلّ الاختلاف عن طريقة العمل في التلفزيون، حيث أغراني جداً التركيز على التفاصيل، بطريقة التصوير، والاهتمام بأداء الممثلين، والذي يؤدي لتحقيق نتائج أفضل، بشكل عام كانت تجربة ممتعه بكل تفاصيلها وتستحق التقدير حيث أضافت لي الكثير كممثل واعتقد أنني كنت موفقاً لحد كبير في صناعة هذه الشخصية، ولهذا اعتبر نفسي محظوظاً من جهة ومن جهة أخرى فإن التعامل مع إنسان وفنان مثل الأستاذ غسان شميط هو بحد ذاته فرصة ثمينة وكبيره لأي فنان، فالمخرج المميز يعطي للممثل مساحته التي يجب خلالها أن يبحث عن تفاصيل شخصيته وميزاتها من خلال استخدام كامل أدواته وهذا ما أتاحه لنا المخرج «شميط».
يذكر أن شخصيّات الفيلم جسّدها كل من الفنانين: عبد الرحمن أبو القاسم، وفيلدا سمور، ولينا حوارنة، ولانا شميط، وليا مباردي، وسهيل حداد، وحسام سكاف، وسوزان سكاف، وهزار سليمان، ومجد فضة، ومريم علي، ومي السليم، ومشهور خيزران، وهلال خوري، ورسلان شميط، ويارا الشماس، ورندة الشماس، ويارا متولي، إضافة إلى أبطال العمل وضاح حلوم، وعلا باشا، ومروان أبو شاهين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن