سورية

انعكاسات اتفاق الغوطة الشرقية على أزمة قطر

| أنس وهيب الكردي

ألقى اتفاق الغوطة الشرقية بظلاله على العلاقات المعقدة ما بين قطر، وكل من السعودية ومصر، خصوصاً أنه جاء في حين لا تزال الأزمة القطرية قائمة من دون حل منذ انطلاقها قبل أسابيع.
وبعد قتال مرير ما بين حلفاء السعودية في غوطة دمشق الشرقية (ميليشيا «جيش الإسلام»)، وحلفاء قطر (ميليشيا «فيلق الرحمن») تمكنت السعودية من كسب الصراع، عبر اتفاق غوطة دمشق الشرقية، الذي عقدته مداورة مع موسكو، عبر القاهرة.
حمى الاتفاق المذكور، بضمانة روسية، ميليشيا «جيش الإسلام» وحفظ لها مناطق نفوذها في الغوطة الشرقية، على حين ترك «الفيلق»، الذي ينحصر مقاتلوه في شريط ضيق يمتد ما بين عربين، حمورية، عين ترما، وجوبر، من دون حماية، وعرضة لأخطار الاستئصال سواء من جانب الجيش العربي السوري وحلفائه أو من جانب «الإخوة الأعداء» في «جيش الإسلام».
وباتت الدوحة أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن تقبل خسارة استثماراتها في ميليشيا «فيلق الرحمن»، المتحالفة مع «جبهة تحرير الشام» التي تعتبر جبهة النصرة الإرهابية ابرز مكوناتها، وقطر تخشى من أن يؤدي الاتفاق إلى تصفية «فيلق الرحمن» من قبل الجيش السوري أو «جيش الإسلام»، أو أن تضطر إلى حل نفسها والاصطفاف خلف «جيش الإسلام» وحلفائه السعوديين. أما الخيار الثاني، وهو الدخول من ضمن الاتفاق الذي يعطي أفضلية واضحة لخصومها (السعوديين والمصريين)، بالأخص الأخيرين الذين يترصدون القطريين بسبب دعمهم المكشوف لجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في مصر.
هكذا تنعقد خيوط خفية ما بين اتفاق الغوطة الشرقية وأزمة قطر، حيث إنه إما أن يُفقد الدوحة أوراقاً خارجيةً يمكنها استخدامها للضغط على خصومها، وبالتالي يحدد من مساحة مناورة قطر فيما يتعلق بأزمته، كما أن قبول الاتفاق بالنسبة للدوحة يعني قبول الدورين المصري والسعودي، وهو ما سيكون ثقيل الوطأة بالنسبة للمسؤولين القطريين، الذين يعتبرون أنهم يخوضون معركة حاسمة مع المحور المصري السعودي الإماراتي.
ولا تنسى السعودية لقطر تحريكها ميليشيا «فيلق الرحمن»، وعملها من وراء الكواليس على عقد تحالف ما بينها و«جبهة تحرير الشام» (التي تصنفها الأمم المتحدة على قائمتها للتنظيمات الإرهابية) في غوطة دمشق الشرقية من أجل شن هجوم مشترك على ميليشيا «جيش الإسلام»، وتقليص مناطق سيطرتها في المنطقة، علماً أن الرياض تعتبر الغوطة الشرقية منطقة نفوذ حصرية لها.
لأن الاتفاق في الغوطة الشرقية، يأتي ضمن صفقة أوسع تشمل كافة المناطق الواقعة في وسط وجنوب سورية من القلمون وصولاً إلى القنيطرة، درعا وغرب السويداء، فإن خسائر قطر أكبر؛ فهي خرجت من كامل المنطقة، وبات حلفاؤها ملاحقين فيها، وباتوا مطالبين بالامتثال للاتفاق السعودي الروسي الذي توسطت فيه القاهرة. ضمن ذلك، أتى الهجوم المشترك في عرسال والقلمون الغربي ما بين الجيشين السوري واللبناني، الذي دعمه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الحليف القوي للسعودية.
هكذا وجدت قطر نفسها أمام خيار وحيد هو التوجه نحو موسكو ومغازلتها من أجل تقليص خسائرها. وكثف المسؤولون القطريون مساعيهم، وأعرب السفير القطري لدى موسكو فهد بن محمد العطية عن دعم بلاده لجهود روسيا في أستانا وجنيف مشدداً على ضرورة حفظ التسوية حقوق الشعب السوري واستنادها إلى الشرعية الدولية، وعرض استعدادها لتكون حلبة يلتقي عليها الفرقاء بما يخدم تسوية الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن