ثقافة وفن

تتمتع بخصوصية صوتية وتاريخية تشعر العازف بأنه يمثل إرثه الثقافي … ديمة موازيني لـ«الوطن»: شغفي الأول هو العزف على آلة القانون العالمية والمعبرة

| سوسن صيداوي

الحضارة تختار حراسها.. هي هكذا وبكل بساطة، منهم المؤرخون والباحثون والعلماء والمعماريون، القائمة تطول ولكن علينا أن نذكر هنا الفنانين وخصوصاً الموسيقيين. الحضارة اختارتها كي تكون سفيرة سورية إلى كل أنحاء العالم العربي والغربي، بالعزف على آلتها المفضلة والمحبّبة على قلبها. لقبها نالته بجدارة، عازفة القانون السورية الأولى، وهي بالاسم العازفة ديمة موازيني، بكل تواضعها ولطفها المماثل لأناملها الرقيقة على أوتار القانون تعمّق حضورها في القلوب، مؤكدة في عمق الذاكرة الماضية أنها تنتمي إلى عائلة لها أهميتها في الثقافة الموسيقية الأصيلة وفي الإعلام السوري الهادف، فهي ابنة الباحث الموسيقي الدكتور حسان موازيني. تمضي في أسفارها وحفلاتها حول العالم برفقة قانونها الذي تتمسك به وكأنه دليلها على تراث جدير بتاريخ لن تطمره حوادث ماضية، عبر موسيقاها وعزفها تقول إن الموسيقا هي الروح وليست بغريبة عن أي إنسان في العالم، ورغم ما مر علينا من ظروف قاسية، فالسوريون قادرون دائماً على تطوير موسيقاهم وبتنوعهم الساحة الموسيقية تُغنى.

سحر الموسيقا كيف استحوذ عليك… حدثينا عن البدايات وكيف وقع اختيارك على آلة القانون بالذات؟
كانت بداياتي مع الأستاذ حميد البصري، عازف آلة القانون ومؤسس فرقة الطريق العراقية، فهو صاحب الفضل بأن أحبّ هذه الآلة، وأتعرف وأتخصص بالعزف عليها، سحرني صوتها المملوء بالقوة وبالعنفوان، منذ اللحظة الأولى التي سمعت فيها عزفه عليها، ومن حينها اتخذت القرار بدراسة العزف على آلة القانون من دون أي تردد بطريقة أكاديمية واخترتها بمحبة كاملة، وانتسبت للدراسة في المعهد العربي للموسيقا «معهد صلحي الوادي حالياً»، حيث قام الاستاذ حميد بتدريبي في السنة الأولى فيه، بعدها تدربت على يد الأستاذة «ألميرا أخاندوفا» الخبيرة الأذربيجانية، التي أيضاً علمتني المدارس المتعددة بالعزف على الآلة، وفتحت لي البصيرة لأسمع آلة القانون بعدة أساليب شرقية روحانية وغربية تقنية.

أنت أنثى.. ما الخصوصية التي جذبتك إلى آلة القانون، وقربتك منها وخاصة أنه معروف بأن أغلب عازفي هذه الآلة هم من الرجال؟
لم أفكر يوماً بآلة القانون على أنها مخصصة للرجال أو النساء، لأنني أحببت صوتها وأعجبت بها، وهناك نقطة مهمة جداً، وهي أن حب الموسيقا، خارج عن التأطير الذكري أو الأنثوي، ربما يختلف بالإحساس، ولكنه لا يختلف أبداً في التقنية، وكلما مرت بي السنوات، وازداد نضجي الموسيقي أخذت هذه الآلة تأسرني أكثر فأكثر، لأنها من الآلات الأصيلة والكريمة، أقصد بالكريمة، لأن العازف إذا أعطاها جهداً بالتدريب تعطيه جمالاً في الأداء أكثر، لما تتمتع به من خصوصية صوتية وتاريخية تُشعر العازف بأنه يمثل ارثه الثقافي أو يعزف موسيقا تعود إلى كينونته وحضارته، هذا من جهة ومن جهة أخرى يشعر المستمع عند الإصغاء إلى آلة القانون بقربه من تراثه وحضارته، وبالقوة النابعة من صوتها، متمثلة بصوت أوتارها الشجي والبراق في آن واحد.

أنت خريجة المعهد العالي للموسيقا اختصاص قانون وبيانو.. إذا وضعناك بين آلتي القانون والبيانو أي منهما الأقوى في جذبك إليها، وهل هناك من آلات موسيقية أخرى تجيدين العزف عليها؟
على الأكيد آلة القانون هي التي أفضلها وأختص بها بشكل أساسي قلباً ووجداناً وتقنية، وحققت بها الكثير من النجاحات وشاركت بالعزف عليها على أهم المسارح العربية والدولية ومع أهم الفرق الموسيقية السورية التي أفخر بها وحصلت على تكريمات وجوائز تقديرية عديدة، وبحكم دراستي في المعهد العالي للموسيقا، تعلمت أيضاً مبادئ العزف على آلة البيانو تلك الآلة الراقية التي يستطيع العازف من خلالها أن يعبّر عن الكثير من الأفكار الموسيقية بصبغة عالية المستوى، ولكن يبقى شغفي الأول هو العزف على آلة القانون، تلك الآلة التي أجدها عالمية، لأنها قادرة على التعبير موسيقياً بطريقة شرقية وبطريقة غربية في آن واحد. وأيضاً تعلمت مبادئ العزف على آلة «السنتور» بتشجيع من الأستاذ رعد خلف الذي شاركت معه في حفل موسيقي على هذه الآلة خصيصاً.

بمن تأثرت من الموسيقيين السوريين والعرب والأجانب؟
أكثر من تأثرت بموسيقاه عربياً هو الموسيقي والمؤلف محمد عبد الوهاب، الذي استطاع أن يعمل مزجاً مدروساً ودقيقاً بين الموسيقا الشرقية والغربية، حيث نجد في ألحانه الأصالة والدفء، ونجد أيضاً عمق وتوزيع آلي جميل في أغلب مقطوعاته الموسيقية، ومن الموسيقيين السوريين أحب فريد الأطرش، لأنه استوحى وأخذ من التراث السوري، منطلقا من نفسه وذاته وكينونته أخذ التراث الموسيقي من منطقته، وصاغه بطريقة مختلفة وقدمه بطريقة جد جميلة، حتى إنه يمكن أن نسميه «ملك الحزن الراقص»، فألحانه فيها صبغة حزينة ولكنها بنفس الوقت تتصف بالنبض الحركي الراقص. أما عن المؤلفين الغربيين فأنا معجبة بموسيقا المؤلف الروسي «رخمانينوف»أفكاره برأيي تجسد تضارب المشاعر الإنسانية العميقة، وحين الاستماع إلى موسيقاه نلمس الزخم الكبير بالمشاعر الإنسانية العالية المستوى المعبر عنها بطريقة احترافية عالية المستوى تحفز المستمع على التفكير بالموسيقا التي لا يمكن لها أن تمر مرور الكرام.

أنت من الفئة الشابة من العازفين.. ما الموسيقا التي تستهويك وتستمعين إليها وأنت تقودين سيارتك مثلا أو في أوقات فراغك.. هل هي شرقية، تراثية، طربية…… إلخ؟
يستهويني كل نوع من أنواع الموسيقا، وأيضاً كل عمل يقدمه المؤلف بشغف واحترام لعقلية وأذن المستمع، كما أؤمن بأنه لكل مؤلف موسيقي أو مغن عمل موسيقي مميز يحلّق فيه بشكل مبدع بغض النظر عن أسلوب العزف أو أسلوب الموسيقا. لا أحب أن أؤطر نفسي بنوع موسيقي واحد، فأنا أسمع كل أنواع الموسيقا، وأفضل موسيقا العصر الرومانسي بكل أنواعه وأحرص على الاستماع إلى الأغاني الجديدة وألاحظ التوزيعات الآلية الجديدة، وأحاول الاطلاع على أفكار المؤلفين الجديدة التي تستهويني وأعجب بها.

حدثينا عن تجربتك في التأليف الموسيقي الآلي والغنائي.. وما خططك المستقبلية حوله؟
لدي تجارب أعتبرها بسيطة في التأليف الموسيقي الآلي أو الغنائي، بالنسبة للمؤلفات الآلية هي موجهة إلى آلة القانون لرفع الحالة التقنية فيه، من الأمثلة مقطوعة اسمها «حركة طفل» بقالب «اللونغا»، وأيضاً المحببة إلى قلبي هي مقطوعة «حكاية وطن» والتي حصلت من خلالها على المركز الثاني في مهرجان كازاخستان الدولي، وعبرها تحدثت عن سورية… الماضي والحاضر والمستقبل، وكنت قدمت الآلة برؤية مختلفة وبأسلوب تقني جديد حيث أصدرت منها أصواتاً جديدة. وبالنسبة للتجارب الغنائية التي قمت بتأليفها، فأنا أحاول أن أقدم أفكاري بشكل بسيط من خلال مواقف معينة أو أفكار تستهويني، ولكن لم أقم بنشر أي من أعمالي، ولكنني أسمعتها لأصدقائي المختصين موسيقياً ولاقت منهم استحساناً وإعجاباً كبيرين.

اليوم نلحظ نشاطا كبيراً للموسيقيين الشبان في تأليف الموسيقا للمسلسلات الدرامية… ما رأيك بهذه النشاطات وهل هناك إمكانية أن نسمع موسيقا خاصة بك لأحد المسلسلات في المستقبل، وبرأيك ما الذي تضيفه هذه الأنشطة للموسيقي؟
لدينا في سورية إمكانات هائلة وعقول كبيرة وأفكار فعلا مبدعة تتمثل بأفكار الموسيقيين الشباب، وظهر هذا الأمر من خلال المقطوعات الموسيقية التي تقدم بدار الأوبرا مع الفرق المعروفة كالفرقة السيمفونية والفرقة الوطنية للموسيقا العربية وأيضاً بمؤلفات الموسيقا التصويرية للمسلسلات، أذكر منها تجربة الأستاذ إياد ريماوي، وكنت شاركت بالتسجيل الصوتي لآلة القانون على بعض مؤلفاته المبدعة ولاقت استحساناً ورواجاً عند كل الفئة الشابة والمثقفة موسيقيا. كما احترم كثيراً تجربة الأستاذ المؤلف عاصم مكارم الذي لديه فكر كبير وطريقة خاصة ورؤية أكاديمية ومبدعة بالتأليف والتوزيع الأوركسترالي للمقطوعات الموسيقية الخاصة به. وبالطبع هذا النوع من التأليف الموسيقي يمنح المؤلف علاوة على مخزونه الفني، شخصية وبصمة خاصة فيما يقدمه بحيث نسمعها ويمكن أن نتعلم منها.

ماذا حدث بمشروع تأليف كتابك المعني بتدريس آلة القانون للصغار؟
الكتاب جاهز تم التأخير في طبعه للحصول على نوعية عالية من طريقة النشر، وهو مخصص للأطفال من عمر ثمانية إلى اثني عشر عاما. هذا إضافة إلى أنني بصدد التحضير لتأليف كتاب المرحلة العمرية الثانية التي هي من الاثنتي عشرة حتى السادسة عشرة، حيث توصلت إلى الرؤية الهيكلية للكتاب الذي يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين.
من خلال حصولك على الماجستير في التربية الموسيقية.. حدثينا عن أهمية التربية الموسيقية في التنشئة وتقويم السلوك، ومن تجربتك الخاصة في التدريس كيف لمستِ ذلك؟
دراستي للماجستير في التربية الموسيقية دخلتها كي أتمكن من تقييم وإعادة صياغة الكتاب المخصص للعزف على آلة القانون للصغار، وأيضاً كي أستفيد من كل التفاصيل وأستطيع أن أنشر كتاب أكاديمياً موجهاً بشكل صحيح لهذه الفئة العمرية، والأمر الجيد والمشجع أن معلوماتي العامة التي قمت بإعدادها وقدمتها في الكتاب توافقت بنسبة سبعين إلى ثمانين بالمئة، كما أن الدراسة الأكاديمية حسّنت هذا الوضع، فالدراسة الأكاديمية تجعلك أقرب في الوصول إلى الأهداف بشكل متخصص أكثر ومرتكزٍ على الأسس والقواعد بشكل أكبر وأنا مع الدراسة الأكاديمية للحصول على نتائج مميزة.

ما رأيك بالمنهاج الموسيقي المدرسي؟
أنا أعلم جيداً أن هناك جهوداً حثيثة تُبذل لتطوير المنهاج الموسيقي المدرسي، ولكن أحياناً تتضارب الرؤى عند الخبراء الموسيقيين التربويين، ما بين إضفاء ثقافة موسيقية على الجيل أو الحذو باتجاه التخصص. وإضافة إلى ذلك أن هناك نقطة جوهرية وهي أنه رغم تطوير المنهاج إلا أن طريقة التدريس مازالت تقليدية، لذلك يجب العمل على تطوير المناهج وتأهيل الكوادر المناسبة بشكل متكامل دون اغفال أي منهم على حساب الآخر، وبالتالي كل من إعداد المناهج الجيدة وطرق التدريس أمران يكمّل أحدهما الآخر.

أخيراً ما رأيك بالحركة الموسيقية السورية في الوقت الراهن؟
أحترم التجارب الموسيقية الشابة التي ظهرت مؤخرا، وكذلك أحترم الفرق التي لها اسم معروف في الساحة. نحن شعب لديه طاقة إيجابية وأفكار جميلة لتقديم أنفسنا بالشكل الأمثل، ونحتاج إلى دعم أكبر من كافة المؤسسات المعنية، ولكنني أعتقد أنه على الرغم من كل الظروف الموجودة، ما نجده في الحركة الموسيقية السورية ترفع له القبعة، فكل الفرق ومنها على سبيل الذكر الفرقة السيمفونية السورية أو الفرقة الوطنية للموسيقا العربية لم تتوقفا عن نشاطاتهما أو تدريباتهما أو حفلاتهما الماضية. أتمنى التوفيق للجميع فالساحة الموسيقية تتسع للكل..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن