الأولى

روسيا ومفاوضات لوزان

تيري ميسان : 

الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران هو إستراتيجية الخيار الثاني للرئيس أوباما بعد إخفاق خيار تقاسم «الشرق الأوسط الكبير» مع روسيا عام 2013.
لذلك من المنطقي تماما، أن تتأكد روسيا من أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران لاتتم على حسابها.
على صعيد الخطة الشاملة، تواصل الصين وروسيا مشروعهما بشق الطرق العابرة للقارات، التي تضمن حريتهما الاقتصادية، في حين تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لمنعهما من ذلك للحفاظ على هيمنتها على العالم، عبر السيطرة على الطرق البحرية.
أما فيما يتعلق «بالشرق الأوسط الكبير»، فترى روسيا أنه من مصلحتها وجود إيران قوية كفاية من جهة حدودها الجنوبية لصد أي غزو موال للغرب، لكن من دون أن تبلغ قوتها حد العودة بها إلى أوهام الامبراطورية الفارسية.
فلاديمير بوتين، يقيم في الوقت الحالي علاقات ممتازة مع السلطات الإيرانية. ولعلمها بأن بيع الغاز الإيراني للاتحاد الأوروبي سيكون على حساب موسكو، اقترحت طهران تعويض خسائر روسيا عبر شراء صواريخ اس-400. بيد أن هذا الاتفاق لايزال يصطدم مع القرار الدولي 1929، الأمر الذي يجعل روسيا تقاتل حالياً من أجل إلغائه.
أما الهدف الإستراتيجي الآخر لروسيا في هذا الملف، فهو مستقبل داعش.
لم يعد هناك أدنى شك بأن هذا التنظيم الإرهابي، الذي تسيطر عليه تركيا في الوقت الحالي، مستعد الآن للتخلي عن العراق وسورية، والتحرك نحو القوقاز الروسي.
منذ أيلول الماضي 2014، تخلصت إدارة الامارة الإسلامية من جميع ضباطها القادمين من المغرب العربي، وقد تم استبدالهم جميعا، تقريبا، بعناصر من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى وجه الخصوص من جورجيا وأوزبكستان.
حاليا، الاتصالات الداخلية بين ضباط داعش لم تعد باللغة العربية، بل بالروسية في أغلب الأحوال، والجهاديون العرب في التنظيم أصبحوا مجرد حطب للمعارك.
هذا يعني أنه يتحتم على موسكو إبادة داعش، الآن، وهو في الشرق الأدنى، بدلا من قتاله فوق أراضيها غدا، في القوقاز.
لهذا السبب، دعت روسيا وفدي سورية لزيارة موسكو في 29 حزيران الفائت، وسط دهشة أعضاء الوفد باستقبال الرئيس بوتين لهم علنا، وبحضور وسائل الإعلام، ثم ليلقي عليهم خطاباً طويلا أوضح بموجبه معالم المشروع الروسي: ينبغي على سورية التقرب من السعودية، والأردن، وتركيا بهدف إبادة داعش. ثم دعي الوزير المعلم لإلقاء كلمة في المؤتمر الصحفي إلى جانب الرئيس بوتين، لكن من دون أن تتاح له فرصة الرد عليه.
فضلا عن ذلك، فإن الخطة الروسية تتفق مع ما تطالب به سورية، من دون جدوى، منذ مؤتمر جنيف2. إلا أنها، مع ذلك، تتعارض مع الاتفاقات التي جرى التفاوض عليها سابقا بين السعوديين والإسرائيليين.
إضافة إلى ماسبق، تحرم الخطة الروسية، تركيا، وبالتالي، حلف شمال الأطلسي من أقوى ورقة بيدها: السيطرة على الحركة الجهادية العالمية.
في الواقع، تضع الخطة الروسية صدق الولايات المتحدة على المحك:
هل هي راغبة فعلا بالسلام في «الشرق الأوسط الكبير» (كي تنقل قواتها إلى الشرق الأقصى)؟
وهل هي على استعداد، من أجل ذلك الهدف، للتخلي عن داعش بوصفه سلاحها ضد روسيا في المستقبل؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن