اقتصاد

حرب الغاز.. نقلة بنقلة

| علي محمود هاشم

لم يغف عقد التنقيب الذي أبرمته الحكومة مع شركة «إيست ميد عمريت» الروسية منذ 2014 على وسادة اقتصادية، حتى يُكتفى اليوم بتلك الخلفية لفهم مصادقة مجلس الشعب على استئنافه في أحد مكامننا الغازية البحرية، فهذا الإعلان المتجدد عن استئناف التنقيب، ينتظم كردّ محتمل على الكونسورتيوم الإسرائيلي القبرصي اليوناني الإيطالي الذي أعلن مطلع الشهر الماضي نيّته مد أنبوب يربط سواحل حيفا بجنوب أوروبا، وعلى الهوس التركي بالانصهار فيه.. من فنزويلا، أضخم مكمن نفطي في العالم، إلى سيبيريا التي تختزن تحت ثلوجها أضخم حقول الغاز، مروراً بالشرق الأوسط العقدة الحيوية للقناطر الكونية المتجهة إلى أوروبا، ترتسم الملامح الواضحة للحرب العالمية الثالثة بجبهاتها الممتدة في عمق الطبقات السياسية للاعبيها الدوليين.
وكما لا يمكن فصل أنابيب «إسرائيل» وشركائها الأوروبيين تحت المتوسط، والأتراك المستلحقين، عن الحرب الضروس التي تشنها كارتيلات أميركية داخلية ضد التفاهمات الروسية العالمية مع الرئيس ترامب ووزير خارجيته القادم من «إكسون موبيل»، فكذا الأمر لن يكون من السهل قبول الإعلان السوري باعتباره -فقط- مصلحة اقتصادية خالصة تعزز إمدادات الطاقة المحلية، على ما قال وزير النفط تحت قبة مجلس الشعب.
السياق الطاقوي هذا له أن يقدّم تحليلاً أكثر موثوقية للعقوبات الأميركية الأخيرة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية، فمع قدرتها على النيل من الحلفاء التجاريين للولايات المتحدة بما فيهم الصين واليابان وفرنسا وألمانيا، قبل أعدائها، إنما تتقاطع بأرجحية مع حرب الغاز العالمية وقناطره شرق المتوسط، فإلى جانب الهندسة الروسية لتقاسم المصالح الطاقوية التي تلقت ردّا في «السيل الشمالي 2» وما يستتبعه ذلك من ضرر على مصالح أوروبا الشمالية، نالت فرنسا طعنة في حصصها المستجدة جنوب إيران وأميركا اللاتينية، وكذا الصين في أنابيب «قوة سييريا» الممتدة من روسيا، أما اليابان، التي أطلقت شراكة إستراتيجية مع الشركات الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في سيبيريا، فلربما يميط إعلان وزير تجارتها الأربعاء الماضي لضرورة إعادة النظر بالقواعد الأمريكية في بلاده، اللثام عن شراسة حرب الغاز العالمية القائمة.. في الواقع، فقد طالت الحرب أجنحة أميركية داخلية أيضا، فعقب بروز تفاهمات هامبورغ قبل نحو الشهر، خضعت «إكسون موبيل» لعقاب شديد في محاكم «تكساس» بتهمة هتك العقوبات.
الأبعاد العالمية لحرب الطاقة هذه، تتقاطع مع سياق إقليمي تتبدى ملامحه في المتوسط، فبعدما دُفنت أحلام الاستيلاء على الجغرافية السورية كممر لغاز الخليج، انطلق المدّ البحري المتوسطي ليطفو كبديل انتقامي دفع خلاله الجناح المناهض لترامب ووزير خارجيته برأس الحربة الإسرائيلية للمشاغبة على هندسة المصالح الطاقوية في هامبورغ، فكان الرد التالي في «الحقل 2» السوري الذي تعادل احتياطياته المتوقعة عند 250 ألف متر مكعب، نحو 80 بالمئة من الاحتياطات الإسرائيلية القبرصية في حقلي ليفياثان وإفروديت اللذين يعوّل عليهما لإزعاج الروسي جنوب أوروبا.
«إسرائيل»، ومن خلفها مناهضو ترامب الأميركيون، لم يتأخروا بملاقاة الردّ السوري الروسي، فذهبوا يوم الخميس الماضي إلى الإعلان عن النيّة بمدّ أنبوب للغاز يغذي مصر عبر الأردن!.. هذا الأنبوب، وما لم يؤخذ بالاعتبار ما يستبطنه من ملامح انضمام خليجي، ولربما بعض العراقي، يبدو كاريكاتوريا بالفعل!
من حيث المبدأ، لا جدوى إطلاقاً من مدّ أنابيب غاز إلى مصر عبر الأردن فيما أنابيب سيناء قائمة أصلا، ومع تعاقد «إسرائيل» السابق لمد أنبوب تحت المتوسط إلى أوروبا، تتحول المسألة برمتها إلى ما يشبه مهزلة استثمارية نظرا لمحدودية احتياطيات حقل ليفياثيان الإسرائيلي عند 180 مليار متر يمكن استهلاكها أوروبيا بأقل من نصف عام! عند هذه النقطة، قد يجدر فهم امتشاق «إسرائيل» سيف ليفياثيان الضعيف بأنه مجرد تعبئة استباقية لأنابيب يمكن استلماح امتدادها نحو البحر الأحمر فميناء «ينبع» السعودي، وهذا الأخير الذي تنتهي عنده أنابيب عراقية من عهد الرئيس الراحل صدام حسين، قد يكون لزيارة مقتدى الصدر، حليف بريطانيا والعضو البارز في «هلالها الشيعي» إلى السعودية من علاقة بإعادة تنشيطه، إن صح الأمر، فلا غاز لمصر ولا من يحزنون، بل مخطط متمرحل مناهض لروسيا، يمرر غاز الخليج إلى ينبع، فسواحل حيفا، فأوروبا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن