ثقافة وفن

بسمارك العصر

| د. اسكندر لوقا 

في سنة 1848، وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً على هزيمة نابليون بونابرت في معركة واترلو في 18/6/1815، شهدت فرنسا ثورة عارمة أطاحت بالملك لويس فيليب وتم إعلان قيام الجمهورية. وفي سياق هذا الحدث التاريخي، تحول نابليون الثالث الذي كان في منفاه في بريطانيا، تحول إلى رئيس رسمي وذلك بسبب من انضمامه إلى الحركات الثورية في بلاده ووقوفه إلى جانب الثوار، وإلى ذلك قرر الفرنسيون اختياره إمبراطوراً عليهم فلقب نفسه بنابليون الثالث. ورغم أنه أرسى قواعد الخطط للنهوض ببلاده وجعلها مثلاً يحتذى به «فإن متاعبه كانت تزداد سنة فسنة. ومن جملة هذه المتاعب ظهور بسمارك الذي يلقب بالمستشار الحديدي، الذي حقق انتصاراً على النمسا، وكان دويه عظيماً في سماء فرنسا، هذا فضلاً عن انتصاره على فرنسا بحرب شنها عليها بعد ذلك، وكان بذلك سقوط نابليون أسيراً بأيدي قوات بسمارك ما جعله يعود إلى حياة المنفى من جديد. وبذلك طويت الصفحة الأخيرة من تاريخ أباطرة فرنسا، وهكذا إلى اليوم، والعالم يشهد قيام بسمارك جديد بشخص الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.
في زمن هذا الرجل الذي أتقن فن الاستفزاز إن صح التعبير، على غرار موقفه من بعض العرب وتحديداً من سورية التي أغلق أبواب بلاده في وجوه السوريين حتى لدواعي حضور مآتم أقربائهم أو زواج أبنائهم، لا بد من القول: إن الفوقية التي يمارسها ترامب على فرنسا كما على سواها من الدول الأوروبية وبينها ألمانيا وباستثناء بريطانيا إلى حد ما، من المؤكد أنه بذلك يجر العالم إلى حافة الهاوية، لأن شعباً من شعوب العالم أو أمة من أممها، إن قبلت بدخول نفق الأقوياء لا يمكن أن تستمر في قبولها الأمر الواقع حتى النهاية، وفي زوال عالم القطب الواحد كما نرى اليوم، فإن المعادلة التي حملت بسمارك على غزو فرنسا وسواها في القرن التاسع عشر على غرار غزوه الأراضي النمساوية وسحق قواتها، لا يمكن أن تجد لها مكاناً بسقوط نيكسون وكلينتون وبوش الأب والابن وأخيراً أوباما، في مقابل نمو القوة التي جعلت لروسيا والصين ودول في أميركا اللاتينية صوتاً مدوياً في رحاب مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن دولاً تخضع لإرادة ترامب لا بد أن تدفع ثمناً كما دفعته فرنسا حين عزم بسمارك على حربها وسحق قواتها.
إن التاريخ لا يكفي أن نقرأه، الأهم من قراءته استخلاص الدروس منه، وخصوصاً عندما يروج البعض لمقولة إن التاريخ يعيد نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن