ثقافة وفن

إعادة التفكير في مسلمات الخطاب الإسلاماوي التكفيري .. حرب الأمركة على العالم والفاشية كـ«السيكلوب» الذي يقتل البشر بوحشية ليأكلهم

| سوسن صيداوي

موقف أميركا من الأزمة العربية منذ بدايتها، وموقفها من الفاشية التي ولدت من رحم هذه الأزمة، يدلّلان على استمرار تمسك الأولى بتوظيف وتلعيب الثانية في هذه الحرب، واستثمارها سياسيا وماليا، على طريق إكمال وإحكام سيطرتها على العالم. في هذا الإطار استخدمت أميركا وحليفاتها من الدول الأوروبية والرجعية العربية سلاح الطائفية والمذهبية، المستند إلى التعصيب الديني لمفاقمة العنف في سورية والدول العربية، وخصوصاً تلك التي ضربها الإرهاب. هذا مما جاء به المؤلف الدكتور مقداد نديم عبود في كتابه (حرب الأمركة على العالم.. من الربيع العربي إلى الفاشية الراهنة)، الذي صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، في محاولة تفكير في العلاقة بين الأسس الفلسفية لرؤية الإنسان للعالم ونمط العيش فيه، أو بين خطاب الفكر والممارسة السياسية. من هنا تأتت ضرورة تفكيك خطاب الفكر وإبراز مسلماته المركزية التي تشهد لتسويغ دور الأمركة في الأزمة العالمية التي دمرت بلداناً وقتلت ملايين الناس بهدف إخضاع العالم لسلطتها الأحادية. والآن، ما دور أيديولوجيا الأمركة الجبارة في تدجين شعوب الأرض وعلى رأسهم الأميركيون والأوروبيون، لتصيّرهم مطواعين خاضعين لإرادتها في حربها على العالم؟ كيف اشتغل ما سموه «الربيع العربي» الذي عصف بالبلدان العربية وشعوبها؟ما طبيعة وموقع الفاشية الإرهابية التكفيرية في الكارثة التي تضرب العرب والعالم؟ كيف ساهمت جامعة الدول العربية في تخريج الكارثة وتمريرها في العالم العربي؟هذا ما حاول مقاربته هذا الكتاب.
في الفصل الأول
ربما يكون من الحقيقي التوكيد على أن مواجهة التعصّب الديني ووليده الإرهاب الفظيع، لا تصيب النجاح إذا اعتمدت الثقافة الأسطورية، أو على أساس الثقافة القروسطية، ولا من خلال خطاب الحداثة الاستغلالي والاستهلاكي، بل هو يقوم على شرطين جديدين آخرين: الثقافة والقوة. وشرط الثقافة يعني انتشار خطاب الاختلاف الذي يتأتى بعد إخفاق الخطاب الأصولي والخطاب التوتاليتاري. وعجز الخطاب الأصولي القائم على إستراتيجية الحقيقية الإطلاقية التي تستبعد الآخر، وتصنفه وتلغيه، نتيجة التعاطي القطعي مع الحقيقة الدينية، الذي من شأنه أن يبرر التكفير والإرهاب والقتل في بلداننا العربية. ويضيف دكتور عبود حول حق حرية الإيمان والإلحاد:»عندما يكون من حق جميع المعارف في الوجود، مادامت تستند إلى الكائن-الإنسان-الفرد، باعتبار وجوده في هذا العالم، وكونه الحامل لأعبائه، يصبح الإيمان والإلحاد حقا من حقوق الناس. وهذا هو الأساس للتأويل الحر والأصيل للنص الديني وأي نص آخر، الذي من شأنه أن يلغي التأويل القطعي للخطاب الديني، والخطاب التوتاليتاري الطغياني، وتصبح قناعات الفرد وآراؤه شأنا شخصيا له، لا يمليه على أحد ولا أحد يملي عليه فكرة أو سلوكا. كل هذا يبين الأهمية الحاسمة لخطاب الفكر في ضمان الحرية، وضمان كسر التعصب الديني وإرهابه. والقوة بما هي الشرط الثاني لمواجهة الإرهاب الثاني، تعني أن من واجب الدولة حماية مواطنيها وفق الدستور والقانون، المرتبط بوجود الناس الأصيل في العالم، وليس بقوة حسابات العقل البراغماتي أو الأيديولوجي أو اللاهوتي، وهي المخولة بممارسة القوة الآتية من توافق هؤلاء الناس، على هذا السبيل.

في الفصل الثاني
جاء «الربيع السوري» من دون رؤية فكرية لأفق التغيير، وبلا أداة سياسية ثورية، ولا برنامج سياسي لتحقيق هذا الهدف. جاء بالفاشية الإسلاموية التي أعملت القتل والتدمير في سورية، وعرقلت لزمن طويل إمكان التغيير الديمقراطي، وعوّقت لزمن بعيد مباشرة تنمية روحية ومادية في البلد. ويضيف د. عبود: «هذا المسار الكارثي يعيد حضور الفرضية التي طرحت في بداية البحث. فقد أظهر ما سمي ربيعا أو ثورة في سورية إخفاق وسقوط الخطاب الديماغوجي للفاشية الإسلاموية، وخطاب القوى الامبريالية التي وقفت وراءها. وبالمقابل، فقد بعثت من جديد عملية التفكير في مسلمات الخطاب الإسلاموي القطعي التكفيري، الأمر الذي شكل بدء سيرورة عملية تعقل جديدة، بأفق تنويري عقلاني. هو مسار حدوث قطيعة معرفية، وتشكيل بنية ثقافية معاصرة في المجتمع السوري. وهذا من شأنه أن ينعكس على الخطاب والممارسة للسياسيين، فتصبح جديرة بملاقاة استحقاق التغيير الحقيقي، وبناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية في سورية».

في الفصل الثالث
وصل المؤلف في هذا الفصل إلى خلاصة بيّن فيها أن هناك تحالفاً بين الامبريالية والفاشية الإسلاموية والصهيونية لمفاقمة الأزمة السورية والعربية، وأن هذا الثالوث يوظف المذهبية والطائفية في عملية تدمير سورية والعراق وبقية البلدان التي عصف بها «الربيع العربي»، هذا السلاح جزء مهم من آليات العمل للوصول إلى هدفه السياسي الجيو-إستراتيجي، وهو إكمال السيطرة على العالم. مضيفاً: «إن التقاء خطابات الثالوث: الامبريالي والصهيوني والفاشي على إستراتيجية القصوويّة في التعامل مع الإنسان والعالم، يقوم على الأساس الفلسفي لكل منها. فالامبريالي يقوم على القطيعة والإلغاء، لأنه يعتبر نفسه الغاية النهائية المطلقة للفكر الإنساني، ولهذا هو عاجز عن قبول مبدأ النسبية والتداولية على صعيد الفكر، كما يبرر لنفسه استخدام القوة العارية على صعيد السياسة، لذلك هو يقاتل «داعش» فقط لأهداف آنية ومصلحية ومن دون أي تسويغ فكري حقيقي لتجاوز خطابها وإرهابها. والخطاب الفاشي الإسلاموي، وبسبب مرجعيته الغيبية الإطلاقية المنزّهة عن الخطأ-كما يراها-يبيح لنفسه كل أنواع السلوكات والأفعال من التكفير والإرهاب. أما خطاب الصهيونية الذي ينطلق من تفكير أسطوري بائد، فهو غير قابل للتعيين إلا عبر المتخيّل الوهمي، ما يجعله يفلت من أية مواجهة فكرية أو منطقية. إلى ذلك يحق القول:هذه الخطابات الثلاثة معادية للحقانية والإنسان، ولهذا التقى معتنقوها على استخدام المذهبية والطائفية كوسيلة مفلسة معرفيا وقذرة سياسيا، ومدمرة للبلدان العربية من أجل مصلحتهم المشتركة».

في الفصل الرابع
يجد المؤلف بأن أوضاع العالم العربي ازدادت تأزما وتدهورا على كل صعيد، في ظل وجود الجامعة منذ تشكلها حتى الآن. ولم تفعل شيئاً في السابق لمصلحة الشعوب العربية سوى أنها حاولت أن تضبط التدهور وتمنعه من أن يكون انفجاريا. مضيفاً «أما الآن فهي تعمل على تعميق الصراعات والتفجيرات وتدمير الأوطان، فهي دعمت الفاشية الأصولية التكفيرية التي ذبحت وقطّعت وحرقت عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال. وهي التي وقفت إلى جانب الامبريالية والصهيونية في خططها التدميرية الجارية الآن في العالم العربي. إلى ذلك فإن هذه الجامعة العربية القائمة الآن، هي مؤسسة تعمل ضد مصالح الشعوب العربية، وهي لا تهدف إلا لحماية الأنظمة العربية من الشعوب العربية، ومن التغيير الذي يحقق مصالح هذه الشعوب».

في الفصل الخامس
هنا يجد د. عبود أن العقل البشري أصبح الآن في الحضارة الراهنة، وفي جلّه، تقنيا مرآويا، بعد أن مر بتحولات وعرف انقطاعات عبر الخبرة التاريخية. فقد كان ميثولوجيا، ثم لاهوتيا، ثم انقلب ذاتويا إنسانيا. وهذا العقل الراهن هو عقل الأمركة الذي يعمل من أجل تعميم سيطرته الكاملة على العالم.

في الفصل السادس
لقد أظهرت هذه الدراسة أن النظام العالمي الذي تحوز الامبريالية الموقع الأقوى في إدارته، وخطابه النيوليبرالي المستند إلى الفلسفة التجريبية والمعيار البراغماتي للحقيقة، هو الذي أفضى بالامبريالية كي تكون الراعي الرئيس لظهور الفاشية مجدداً في هذا العالم. ويضيف المؤلف «فيما يخص اصطلاح الحدية الذي تتصف بها هذه الفاشية الجديدة فقد تبين أنها واقعيا مغالية أو حدية، لأنها أكثر قسوة وخطورة من تلك الفاشية التي ظهرت مع بداية عشرينيات القرن الماضي، وانهارت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ذلك لأنها أتت بعد منجزات مهمة في الحضارة الإنسانية على صعيد الفكر المعاصر وأنماط الحياة، ومع هذا اعتمدت كل أشكال الممارسات الهمجية المعادية للإنسان والثقافة. وهي تزيد عليها بالأفعال المغرقة في العماء والطغيان الفكري وتجسيمه العملي؛ إذ قامت بالتطهير الطائفي، وتاجرت بالأعضاء البشرية، وسرقت ملكيات بالطريقة عينها، التي تقوم بها العصابات وقطاع الطرق، ودمرت آثارا مغرقة في القدم، عالية الأهمية ثقافيا لأنها مترعة بحكايات التاريخ، مثل مدينة نمرود العراقية ومدينة تدمر السورية اللتين لا تقدر قيمتهما التاريخية بأثمان».

في الفصل الأخير
ختم المؤلف بحثه بالخلاصة بأن حرب الأمركة على العالم الذي تسعى من خلاله لفرض نموذجها كنمط تعقل وحياة على العالم، والفاشية كوسيلة لها في هذا السبيل، يشبهان الوحش الأسطوري المعروف حسب المرويات الميثولوجية «السيكلوب» ذا العين الواحدة في وسط جبينه، الذي يبطش بالبشر ويقتلهم بوحشية فظيعة ليأكلهم، كي تكون له السيطرة والديمومة على كوكب الأرض. خاتما»ولكن، لأن حقائق المشهد تتكشف أمام الشعوب العربية والعالمية، لابد أن نهزم كذبة «غلالة نيسوس» إذا استخدمنا العبارة المعروفة في الميثولوجيا الاغريقية، وأيضاً لأن الحقانية إلى جانب هذه الشعوب، لابد أن تنتصر في هذه الحرب الجارية الآن، وتسقط الفاشية وفكرها القروسطي البائد المناقض لروح العصر، ولابد أن تخسر، في النهاية، راعية هذه الفاشية وحليفتها؛أي الأمركة المضادة للبشرية، حربها على العالم، ويندحر «السيكلوب» إلى الأبد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن