من دفتر الوطن

شيء ما!

| عصام داري

اكتشفت بين أوراقي وأرشيفي صوراً تسجل مراحل مهمة من حياتي في مسيرتي الإعلامية، إحدى تلك الصور تجمعني إلى وزير الإعلام الأسبق الأستاذ أحمد اسكندر أحمد وهو يقوم بزيارة لجريدة تشرين في العام 1976 لتدشين أجهزة المونتاج الجديدة (صارت بالية اليوم) وقد نشرت هذه الصورة على صفحتي في الفيسبوك ويبدو فيها أستاذي جبران كورية الذي كان رئيساً لقسم الأخبار ثم مديراً للتحرير قبل أن ينتقل إلى القصر الجمهوري ليتسلم منصب مدير المكتب الإعلامي في القصر.
هذه الصورة أعادتني إلى الزمن الذهبي لجريدة تشرين التي كان لي شرف الانتماء إليها منذ الأيام الأولى لنشأتها، والتي صدر العدد الأول منها في السادس من تشرين الأول العام 1975، وكان حجمها صغيراً للغاية، إذ كانت تقتصر على أربع صفحات وكل صفحة فيها سبعة أعمدة فقط على عكس كل الصحف التي كان فيها ثمانية أعمدة.
لكن الانطلاقة الأولى العملاقة كانت في السابع عشر من نيسان بمناسبة عيد الجلاء، وصدرت باثنتي عشرة صفحة من (الحجم العائلي!) وكما كان حجم الأعداد الأولى غريبا وغير مألوف، كانت الأعداد الأولى التي صدرت بعد انطلاقة نيسان، ولم يتجاوز عدد الصحفيين والعمال في البداية العشرين شخصاً، لكن الشيء الذي ميز هذه الانطلاقة هو أن كبار الكاتبات والكتاب والشعراء يكتبون فيها.
هذا الأمر جعل الصحيفة تنفد من الأسواق بحدود العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، وهو شيء لم يحصل من قبل.
وللتذكير بتلك الفترة الذهبية سأشير إلى بعض الزوايا والكتاب الذين بصموا في«تشرين»، وأبدأ من الصفحة الأولى، زاوية على عمودين في أسفل الصفحة على اليسار عنوان الزاوية «رأي» لا تتجاوز الأسطر العشرة ويكتبها رئيس التحرير الأستاذ جلال فاروق الشريف ويوقع عليها بكلمة: مواطن.
وفي الصفحة الثانية عشرة والأخيرة يكتب كل من محمد الماغوط وزكريا تامر وبالتناوب، في زاوية (عزف منفرد) وفي الصفحة التاسعة يكتب الدكتور غسان الرفاعي واحدة من أجمل الزوايا لما تحمله من أفكار، واسم الزاوية (يوميات نزقة) ويوقع عليها بحرف «غين»، أما في السابعة فيكتب الأديب عادل عبد الوهاب زاوية بعنوان (أيام).
وطبعاً هناك زاوية (ما وراء الأخبار) التي يكتبها الأساتذة: غسان الرفاعي وجبران كورية وعبد اللـه خالد، وهي بمنزلة التعليق السياسي اليومي.
كل هذه الزوايا كانت جواز سفر جريدة تشرين إلى القراء، لكنني أعتقد أن زاوية (شيء ما) التي تحتل أسفل الصفحة السادسة وعلى ثلاثة أعمدة، أعطت الصحيفة هوية ميزتها عن سواها، فقد كان يكتب فيها كتاب من مختلف المذاهب من اليساريين إلى اليمينيين وحتى ما نطلق عليه اليوم تسمية «المعارضة الوطنية» ومن الأسماء أذكر: كوليت خوري وعباس الحامض وناديا خوست ومنير كيال وعبد الغني العطري وغيرهم، حيث كان معظم الكتاب والأدباء والشعراء يكتبون زوايا في تشرين، والشيء غير المألوف ربما أن رئيس التحرير رفض أن يقرأ أي زاوية لكل هؤلاء، ويقول جملته المشهورة: أنا سأقرأ ما يكتبون مثل أي قارئ، فهل ثمة غرابة بعد ذلك إذا قلنا إننا كنا في الزمن الذهبي؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن