ثقافة وفن

رحيل صاحب «بوابة الحلواني» و«أم كلثوم» و«ناصر 56» … محفوظ عبد الرحمن.. كلماته كانت وسيلته إلى الاهتداء لحقيقة الإنسان وحقيقة وجوده وحقوقه

| وائل العدس

توفي مساء السبت الماضي الكاتب والسيناريست المصري، محفوظ عبد الرحمن، عن عمر يناهز الـ76 عاماً، بعد تعرضه لجلطة دماغية مفاجئة، منذ نحو أسبوعين دخل إثرها إلى العناية المركزة، وزادت معاناته، خلال الأيام الماضية بسبب إصابته بمرض السرطان، وهو زوج الممثلة سميرة عبد العزيز.
ويعد من أشهر كتاب الدراما التاريخية في مصر، وتعد محطاته في هذا المجال مميزة، لما أنتجته من علامات بارزة في هذا المجال.
استطاع الراحل أن يقدم حالة فريدة من الدراما الإنسانية والاجتماعية، ليبقى علامة فنية مميزة في التاريخ والوجدان كواحد من أهم مؤلفي الدراما العربية الذين ارتبط بهم الجمهور ارتباطاً وثيقاً.
قدم للدراما المصرية رائعة «بوابة الحلواني» عام 1992، وهو العمل الذي غيّر الشكل المتبع للأعمال التاريخية في الدراما، حيث تناول حدثاً تاريخياً معروفاً ومهماً، من زاوية اجتماعية تحاكي الحياة اليومية للحارات المصرية وتفاعلها مع حدث تأميم قناة السويس.
كما أبدع في المسلسل الأول الذي رصد حياة كوكب الشرق، أم كلثوم، وقد أدت دور البطولة فيه الممثلة صابرين.

12 عاماً
ولد عبد الرحمن في قرية التوفيقية في محافظة البحيرة شمال مصر في 11 حزيران 1941، وتنقلت أسرته بين محافظات عدة بسبب طبيعة عمل الأب، فبدأ دراسته الابتدائية في محافظة الفيوم وأتمها في محافظة المنيا في صعيد مصر ثم حصل على الثانوية العامة من محافظة كفر الشيخ شمال البلاد.
والتحق بقسم التاريخ في كلية الآداب في «جامعة القاهرة» وكانت تلك الفترة غنية بمظاهر الثقافة والفنون داخل الجامعة وخارجها، إذ كتب القصة القصيرة وهو طالب وسط رفاق الإبداع في الجامعة.
وبعد تخرجه عام 1960 عمل صحفياً في مؤسسة «دار الهلال» ونشر قصصاً قصيرة ومقالات نقدية في صحف ومجلات منها «الشهر» و«البوليس» و«المساء» و«الكاتب» و«الرسالة الجديدة» و«الجمهورية» في مصر و«الآداب» البيروتية. وعمل سكرتير تحرير لثلاث مجلات مصرية هي «السينما» و«المسرح والسينما» و«الفنون».
وصدرت أولى مجموعاته القصصية «البحث عن المجهول» العام 1967 وتلتها رواية «اليوم الثامن» ومجموعة «أربعة فصول شتاء» ولكن المسرح كان يشغل النصيب الأكبر من وقته وجهده حيث كتب أولى مسرحياته «اللبلاب» عام 1963.
ولكن «اللبلاب» بعد انتهاء الاستعدادات لعرضها اعترضت عليها الرقابة قبل رفع الستار بثلاثة أيام فتوقف عن الكتابة للمسرح 12 عاماً واعتبر تلك الفترة مراجعة لأسلوب الكتابة المسرحية.

مسارات كثيرة
وكان لبعض أعماله السبق في تغيير مسارات كثيرة في مجال الدراما، حيث بدأت علاقته بها عام 1971، عندما قدم أول أعماله «العودة إلى المنفى»، وعرض له عام 1976 مسلسلا «الزير سالم»، و«سليمان الحلبي»، ثم مسلسل «عنترة بن شداد»، وفي عام 1979 قدم مسلسل «ليلة سقوط غرناطة».
وفي عام 1987 قدم «الكتابة على لحم يحترق»، وفي عام 1991 قدم أول تجاربه الاجتماعية من خلال مسلسل «قابيل وقابيل».
وكتب العديد من المسلسلات التي حققت نجاحاً كبيراً، ومن أهمها: «بوابة الحلواني، أم كلثوم، عنترة، محمد الفاتح، الفرسان يغمدون سيوفهم، ليلة مصرع المتنبي، السندباد، ساعة ولد الهدى، الدعوة خاصة جداً، والمرشدي عنبر».
ولم تقتصر إبداعات الراحل، عند كتابة المسلسلات الدرامية فقط، بل كتب مجموعة من الأفلام السينمائية التي تميز معظمها بتناول السير الذاتية لنجوم ورؤساء ونالت إعجاب الجميع، حيث كانت من أصدق السير الذاتية التي قُدمت، ولم تتعرض للجدل والنقد اللاذع مثلما شاهدنا في العديد من السير الذاتية التي تم تجسيدها سواء في الدراما التليفزيونية أم في السينما، ومنها: «ناصر 56، وحليم، والقادسية»، بجانب تقديمه مجموعة رائعة من الأفلام القصيرة.
وامتد إبداع محفوظ إلى المسرح، حيث أثراه بباقة من المسرحيات الرائعة، مثل: «حفلة على الخازوق، عريس لبنت السلطان، الحامي والحرامي، كوكب الفيران، السندباد البحري، الفخ، الدفاع، محاكمة السيد م، احذروا، وما أجملنا».
واعتبر النقاد أن العمل المسرحي الذي يقدمه يحمل همّاً فلسفياً مستمداً من التراث العربي، كما وصفت جملته المسرحية بأنها مشحونة بالتوتر وتثير تفاعل الجمهور وتحفز الممثل المؤدي.
كتب أيضاً للإذاعة مسلسلات منها «طلعت حرب» عن حياة رائد الاقتصاد المصري الذي أسس «بنك مصر» عام 1920.
وحظي بتقدير كبير جسدته عمليات تكريم وجوائز في مصر ومنها «جائزة الدولة التشجيعية» العام 1972 و«جائزة الدولة التقديرية» في الفنون العام 2002 و«جائزة النيل» في الفنون العام 2013 وهي أرفع الجوائز المصرية.

حقيقة الإنسان
الناقدة والكاتبة سميرة أبو طالب، تصدت لمهمة «محفوظ»، الجليلة والشاقة والممتعة بتقديمه كتابين مهمين عن حياة وآثار هذا المبدع الكبير، ففي الكتاب الأول «محفوظ عبد الرحمن.. مقاطع من سيرة ذاتية»، ذكرت أبو طالب أنه لم ينل المجد بسهولة بل واجه الكثير من الصعاب خلال مشواره، والعقبات التي من شأنها تجعل أي شخص يتوقف عن الصمود، أي يحيد عن هدفه، لكن ما كان يحركه هو منظومته القيمة التي يؤمن بها ويدافع عنها، وهي منظومة قيم إنسانية بالمقام الأول ووطنية في بُعدها الأعمق.
وقالت: «البحث عن غير المألوف هو سمة بدايات محفوظ عبد الرحمن، بدأت الكلمة لديه متمردة ثم ثائرة، فنسجت إطاراً من المقاومة لكل الأوضاع العربية المترهلة، وتأخذ العربي إلى حيث يستعيد أمجاد تاريخه، ويعمل الفكر فيما آلت إليه الحال في لحظته الراهنة، لكنه يكتب أيضاً متحرراً من الزمان والمكان، ولعل أهم ما يميزه إيمانه بقيمة ما يُكتب وبدوره في المجتمع.
وأضافت إن كلماته كانت وسيلته إلى الاهتداء لحقيقة الإنسان وحقيقة وجوده وحقه في الحياة والكرامة والحرية والعدل، وأن المرء يستطيع أن يري في كتاباته غربته ووحدته ومقاومته وتمرده وبساطته وحبه وإحساسه بذاته وكرامته ونزوعه إلى الوحدة العربية، فقد انشغل محفوظ على مدار كتاباته بالأخطار التي تحيط بالكيان العربي أرضاً وإنساناً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن