قضايا وآراء

العقوبات ومعركة الغاز الأميركية الروسية

| قحطان السيوفي 

الكونغرس الأميركي يوافق على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يصدق العقوبات، ويدعو في خطاب ألقاه في بولندا إلى زيادة صادرات الغاز الطبيعي المُسال الأميركي إلى أوروبا.
هستيريا العقوبات ومعارك الغاز السائل مع روسيا فرصة ترامب للهروب من مشكلاته الداخلية باتجاه الخارج، لكن من الخاسر الأكبر في هذه المعارك الترامبية «الدون كيشوتية»؟!
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، كانت روسيا هدفاً لشركات النفط الأجنبية، حيث الاحتياطيات البالغة 110 مليارات برميل من النفط و32 تريليون متر مكعب من الغاز، وتؤكد البيانات المنشورة، أن روسيا من أكبر مالكي الهيدروكربونات القابلة للإنتاج اقتصادياً في العالم، والعقوبات التي فُرضت على موسكو عام 2014 من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب قيام روسيا باستعادة شبه جزيرة القرم، هدفت إلى إضعاف النهضة الروسية الملحوظة في مجال الطاقة التي تحظى برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة.
عملياً، كان رد فعل شركة «إكسون موبيل» الأميركية حاداً، من خلال تجميد رأس المال وتعليق المشروعات، ومن المتوقع أن يزداد موقفها تصلباً، استجابة لنظام العقوبات الذي صوّت الكونغرس الأميركي لتشديدها مؤخراً، إلا أن المجموعات المنافسة في الاتحاد الأوروبي سعت للبحث عن ثغرات في العقوبات للاستمرار بالمشروعات المشتركة مع روسيا، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قال لـ«فاينانشيال تايمز» قبل توقيع ترامب على العقوبات: «المحاولات لتعطيل خط أنابيب «نورد ستريم 2» هي جزء من ممارسات منافسة غير عادلة من المورّدين المحتملين للغاز الطبيعي المُسال، الذي هو أكثر تكلفة مقارنة بالغاز الطبيعي الذي يمر عبر خطوط الأنابيب، وهذه القيود الاقتصادية ذات الدوافع السياسية تجعل تكلفة الطاقة أكثر».
هذه التصريحات تبين المخاطر لبعض البلدان الأوروبية التي ستكون الضحية، ويقول محللون إن الاتحاد الأوروبي سيكون بحاجة إلى زيادة واردات الغاز على المدى القصير على الأقل، بسبب انخفاض الإنتاج المحلي في هولندا والمملكة المتحدة.
وخط أنابيب «نورد ستريم 2» هو جزء من استجابة شركة «غازبروم» الروسية لهذا الارتفاع المتوقع في الطلب، وقد أبرمت «غازبروم» اتفاقيات مع شركات الطاقة الأوروبية الكُبرى، في فرنسا والنمسا وألمانيا لتمويل 50 بالمئة من تكلفة بناء خط الأنابيب التي تبلغ 9,5 مليارات يورو. وسيضيف الخط الذي يمر تحت بحر البلطيق 55 مليار متر مكعب من الإمدادات السنوية المتجهة إلى أوروبا.
في الأشهر الماضية بدأت «غازبروم» العمل على مضاعفة الطاقة عبر خط أنابيب «ستريم» التركي الذي هو قيد الإنشاء، وسيرفع الطاقة إلى 30 مليار متر مكعب من الشحنات السنوية إلى تركيا وجنوب أوروبا، وزادت المجموعة الروسية من الصادرات إلى أوروبا بنسبة سنوية تعادل 12,3 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017، بعد زيادة سنوية بنسبة 12,5 في المئة في عام 2016، وأخبر الرئيس التنفيذي في «أو إم في»، شركة النفط والغاز النمساوية، «فاينانشيال تايمز»، بأن العقوبات لها تأثير ضئيل في أعماله في روسيا.
سمحت القواعد الأوروبية للمشروعات التي كانت تعمل قبل العقوبات، أن تستمر، وتستعد شركتا «إيني» الإيطالية و«روسنفت» الروسية لبدء حفر بئر في شرق البحر الأسود.
شارك الرؤساء التنفيذيون في شركات: «توتال»، و«بريتش بتروليوم»، و«رويال داتش شل»، و«إكسون موبيل» في المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ الذي استضافه الرئيس بوتين، وأعلنت بعض الشركات الأوروبية صفقات جديدة أو تقدّماً في المشروعات القائمة في روسيا، إلا أن شركة «إكسون موبيل»الأميركية كانت الخاسر الأكبر، وعدم إحراز تقدّم يُشكّل انعكاساً حاداً في حظوظها في روسيا.
وقَّعت شركة النفط الأميركية سلسلة مُربحة من الصفقات بين عام 2011 وعام 2013 مع شركة «روسنفت»، وهي مجموعة نفط تُسيطر عليها الدولة، وكانت الصفقات على مجموعة من المشروعات في القطب الشمالي والبحر الأسود وتشكيلات الصخر الزيتي في غرب سيبيريا، وتلك الخطط عرقلتها العقوبات.
في عام 2014، اضطرت شركة «إكسون موبيل» إلى تقليص مشروعاتها المشتركة بتكلفة بلغت نحو مليار دولار، وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة «توتال» باتريك بويانيه؛ لوكالة الأنباء «تاس»: «رغم العقوبات إننا قادرون على بناء هذه المشروعات الضخمة مثل محطة «يامال» للغاز الطبيعي المُسال»، وفي منتدى سانت بطرسبرغ، أعلنت شركة «بريتش بتروليوم» اتفاقاً «للتعاون الإستراتيجي في مجال الغاز» مع شركة «روسنفت»، بما في ذلك خطط لبيع المزيد من الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية.
ومؤخراً طلبت شركة «ريبسول» الإسبانية، الحصول على إذن من السلطات الروسية للمشاركة في مشروع نفط في سيبيريا.
بالمقابل بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رفعت صوتها بمواقف معارِضة، مثل إيطاليا واليونان وهنغاريا للتشديد الأخير للعقوبات الأميركية الذي أضر ببعض الشركات الأوروبية من خلال استهداف الشركات التي تتعامل في خطوط أنابيب النفط والغاز الروسية. كما أثار هذا رد فعل عنيفاً من ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي، التي اتهمت واشنطن بأنها أصدرت تهديدات غير قانونية تتجاوز حدودها.
ثمة مؤشرات إلى تصعيد في معركة إمدادات الغاز إلى السوق الأوروبية، خاصة بعد توقع نمو صادرات الغاز الطبيعي المُسال الأميركي، التي ستواجهه شركة «غازبروم» المزود المُهيمن للغاز الأوروبي والجهة المسيطرة على خطوط الأنابيب الروسية، ولديها احتياطات هائلة، وتكاليف إنتاج منخفضة، وتشحن غازها من خلال خطوط الأنابيب التي هي أرخص بكثير من تجميد وتحميل الغاز الطبيعي المُسال، ومن ثم إعادة تسييله عندما يصل إلى وجهته وبالتالي الغاز الطبيعي المُسال أكثر تكلفة.
إن وصول الغاز الأميركي إلى أوروبا يتّخذ منحى سياسياً، والعقوبات الأميركية الجديدة على روسيا، التي وقعها ترامب مؤخراً، يُمكن أن تستهدف خطوط أنابيب تصدير الطاقة التي تخشى واشنطن أنها ستزيد من نفوذ موسكو على إمدادات الغاز إلى أوروبا.
إذا قررت «غازبروم» اختيار المنافسة على السعر والدفاع عن الحصة السوقية، عندها ستكون بحاجة إلى قبول الدخول في حرب أسعار وبإمكانها الحفاظ على زيادة المبيعات في منطقة متعطشة للطاقة، لكن العقوبات تُعقّد المعركة وخاصة إذا ألحقت الضرر بخط أنابيب «نورد ستريم 2» المتجه إلى ألمانيا، ويقول الرئيس التنفيذي لـ«غازبروم» أليكسي ميلر إن «نمو الطلب على غازنا في أوروبا سيستمر».
المؤكد أن بلداناً مثل بولندا، ستضطر إلى دفع المزيد مقابل شحنات الغاز الطبيعي المُسال الأميركي، إذا خفضت وارداتها من الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب.
وتعتقد «غازبروم» أنها لا تزال تملك مزايا من حيث السعر، وحالياً يبلغ سعر الغاز الأميركي نحو 2,85 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو مقياس لمحتوى الطاقة في الوقود، وهذا يرتفع إلى أكثر من ستة دولارات بعد إدراج جميع الرسوم المرتبطة بالشحن، وتبريد الغاز وتسييله، وهذا مقارنة بنحو خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في معظم أنحاء أوروبا.
إن الخاسرين في معركة العقوبات والغاز الأميركية الروسية هي شركات أميركية ستدفع فاتورة العقوبات على روسيا إضافة إلى بعض الشركات الأوروبية، وقد تربح في هذه المعركة شركات أوروبية كشركات المنافع في ألمانيا وغيرها، والبعض من الصناعات المتعطشة للطاقة في القارة العجوز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن