قضايا وآراء

الانتفاضة لدحر الإرهاب

| عمار عبد الغني

كثيرون تساءلوا كيف صمدت سورية لنحو سبع سنوات في مواجهة حرب كان مخطط لها أن تنتهي في غضون عام كحد أقصى، تتحول بعدها البلاد إلى دولة فاشلة ملحقة بما أطلق عليه معسكر «الاعتدال العربي» لا حول لها ولا قوة؟
من رسم المخطط لإسقاط سورية، وضع بالحسبان كل مستلزمات إسقاط الدولة الوطنية من مال وسلاح ودعم لوجستي وماكينة إعلامية للأدوات التي استخدمت في الحرب من ضعاف النفوس والمنحرفين «دينياً وأخلاقياً» في الداخل ومن يحملون ذات الطبيعة والإيديولوجيا الفكرية في الخارج والملائمة لتنفيذ المشروع الإسرائيلي الأميركي.
ولكي نكون واقعيين، فقد استطاع «محور الحرب» بداية أن يحقق بعض الإنجازات لجهة إقناع شريحة لا يستهان بها من الشعب السوري الذي كان يريد الإصلاح والتغيير بطريقة حضارية مع الحفاظ على المبادئ والثوابت الوطنية واستقلالية القرار، تلك الشريحة سرعان ما بدأت بالتبخر والاضمحلال بعد أن تبيّن لهم أن المخطط أبعد ما يكون عن التغيير نحو الأفضل وأن الهدف الحقيقي تدمير سورية دولة وشعباً وجيشاً ودوراً وحضارة وإعادتها إلى العصر الحجري على الطريقة «البندرية».
ومنذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب بدأنا نرى إرهاصات مقاومة المشروع الهدام شعبياً، وأخذ ذلك أشكالاً متعددة كل من موقعه لدرء الهجمة، وقد دفع الشعب ثمن رفضه لحكم الأمر الواقع الذي فرض عليه دماء كثيرة، وهجّر أهالي بلدات بأكملها وآخرين تعرضوا للحصار والتجويع وكل أشكال التعذيب والاستغلال.
ومع توالي سنوات الحرب تطورت أدوات المقاومة لمخاطبة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة باللغة الوحيدة التي تفهمها، وهي لغة السلاح، واتخذت بداية ما يمكن اعتباره مبادرات فردية على نطاق ضيق لتـتضج قبل فترة قريبة وتأخذ شكل العمل المنظم نتج عنه توجيه ضربات موجعة لتلك التنظيمات وخاصة داعش، وحدث ذلك في عدة قرى بريف دير الزور، وتحوّل إلى انتفاضة أهلية عمت المحافظة بأكملها وضربت مفاصل التنظيم ومصادر تمويله، حيث تم استهداف متزعمي التنظيم وإحراق مقراته والصهاريج التي يستخدمها في تهريب النفط حتى أن الأهالي حرروا مؤخراً عشرات المخطوفين من قبضته.
بعبارة أخرى، فإن الأهالي أخذوا دور الجيش في المناطق المحاصرة بالإرهاب، وهذا ما جعل مسلحي التنظيم في حال من الرعب والهلع، أسفرت عن توالي هروب مسلحيه وخاصة المتزعمين من مناطق انتشارهم إلى جهات مجهولة ربما تكون البلاد التي صدرتهم إلى سورية.
الانتفاضة التي اندلعت في دير الزور ترددت أصداؤها في القنيطرة قبل أيام، عندما طرد أهالي جباتا الخشب ميليشيا «الجيش الحر» من بلدتهم، وذلك يؤشر بالمجمل أن الأهالي في المناطق التي تسلل إليها الإرهاب قد كسروا حاجز الخوف الذي وضعته في قلوبهم جرائم الإرهابيين البشعة، وبدأ المشهد يتضح بأن مواجهة هؤلاء لا تحتاج إلى أكثر من إرادة قوية وإجماع في المواجهة وهذا ما بدأ يتحقق بالفعل على أرض الواقع، والدليل على ذلك اتساع رقعة الهبة الأهلية وملاقاة جهود الجيش العربي السوري للإسراع في القضاء على الإرهاب.
في هذا أبلغ رد على كل من تساءل كيف صمدت سورية في مواجهة الحرب الكبرى، ولهؤلاء نقول: إن شعب تعود على التضحية خارج الحدود للحفاظ على الحقوق والهوية لن يبخل بتقديم الغالي والنفيس لتبقى بلده قلب العروبة النابض وهذه هي سورية، وهذا هو شعبها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن