ثقافة وفن

بعض الباحثين والكتّاب يركنون إلى تخطئة ما قام الدليل على صوابه … التركيز على تصحيح ما يكثر فيه الخطأ حتى يرسخ الصواب

| سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب، كتيب بعنوان «من صحيح القول وفصيحه، ألفاظ وأساليب أثير حولها غبار»، تناول فيه الدكتور عبد الناصر إسماعيل عساف الألفاظ والأساليب المتداولة، التي يستعملها الناس في زماننا، ولا تكاد تخطئها أذن أو عين، وتكلّم فيها بعض الباحثين ونقاد اللغة كلاماً يشرب من ذهنية التغليط، فطعنوا فيها طعناً تردد بين التخطئة والمنع والإزراء والمعابة، فكان لهم من ذلك غبار أثاروه حولها حاولوا أن يجلوه، ليبت في تلك الألفاظ والأساليب، ويكون القول فيها في نصابه الصحيح، مستدلاً بما اجتمع لديه فيها، ومبيناً، ودالاً على ما كان وراء ذلك الغبار من أوهام وأغاليط مصدرها القول قبل الاستقصاء والتدبر والتصفح والفحص.
وإذا كان معرفة الرأي في بعض تلك الألفاظ والأساليب على وجهه مما يحسن وينبغي، وهو بعض ما كان وراء ذكره، فإن المراد الأكبر من ذكر بعضها الآخر التنبيه على ما وراءها مما ابتلي به منهج بعض الباحثين ونقاد اللغة من حب التغليط والقول بغير علم.

تصحيح الأخطاء الشائعة

وذكر الكاتب في مقدمة الكتيب: «أن اللغة بعض ما يجب أن نغار عليه ونسعى في خيره من مقومات الأمة، وغيرة العربي على لغته العربية يجب أن تكون قطعة من غيرته وحرصه على شخصية أمته الحضارية المتميزة، وهو ما ينبغي أن يدفع بأخرة إلى الحرص على لغتنا العربية العريقة، ولساننا العربي المبين، مع ما يستدعيه ذلك من استعمال عربية فصيحة سليمة من اللحن، نقية من الشوائب، وإلى نهوض أهل الكفاية لتصحيح الأخطاء الشائعة في لغة الناس وتفصيحها، والتركيز على تصحيح ما يكثر فيه الخطأ حتى يرسخ الصواب، والتنبيه على ما يقع من تلك الأغلاط اللغوية في وسائل الثقافة والإعلام خاصة.
وهذا، إن كان بما يجب من الضوابط العلمية الموضوعية بعيداً عن المبالغة في التشدد والفوضى، مع مراعاة التطور اللغوي مراعاة محكمة، هو بعض ما تحافظ به اللغة العربية على أصالتها وعراقتها الضاربة في أعماق التاريخ، وليظل بناؤها كما كان شامخاً، وأسسها مكينة متماسكة.
ولكن الذي نراه أحياناً أن بعض الباحثين والكتّاب يركنون إلى تخطئة ما قام الدليل على صوابه، أو الحطّ من فصاحة ما لا تشوب فصاحته شائبة، وربما كان مثله وارداً في القرآن الكريم، وهو ما لا ينبغي، وقد تكون له عقابيل تمتد ولا تنتهي، إذ يمكن أن تدفع بأخرة فريقاً من المبتدئين والشداة الذين يتبعون كل من أقبل وأدبر، ويأخذون عن كل من هب ودرج، ولا يعرفون أصول العربية، أو من المبغضين المغرضين الذين لا يبالون بكلام اللـه بالة، أو الذين يقيسون العلم بما يقوله بعض أهل الشهادات العالية من المختصين، إلى تخطئة القرآن وما والاه من مصادر العربية الأخرى في ذلك، ورمي ما كان فيها من ذلك باللحن والغلط».
ومن هنا أراد عساف أن ينبه على أوهام بعض الباحثين ونقاد اللغة التي صدرت عنهم في جنب بعض الألفاظ والأساليب التي لا تغادر كلام الناس وطرائق تعبيرهم في زماننا، وبين الصواب فيها مستدلاً بما يجتمع له.

فإذا به
من معتاد أساليب التعبير في زماننا أن تزاد الباء في المبتدأ بعد «إذا» الفجائية ضميراً كان أو اسماً ظاهراً، فيقال: «خرجت فإذا بحادث، وبحثت عنك فإذا بك مسافر، وامتحنته فإذا به فوق ما ظننت».
وقد وسم بعض الباحثين ذلك إذا ما كان المبتدأ ضميراً بميسم العصر، وعده ضرباً خاصاً بلغة هذا العصر، وتنكر له بعض نقاد اللغة، فتنكب عنه، إذ صححه بحذف الباء وتحويل الضمير المتصل إلى ضمير رفع منفصل.
قال: «ويقولون فإذا به قبالة الأسد وجهاً لوجه، والصواب: فإذا هو قبالة الأسد..».
فهل لهذين الرأيين سند أو دليل يدعو إلى اقتفاء أثرهما والأخذ بهما؟.
إذا كان لك أن تبحث وتحقق انتهيت إلى أن هذا الأسلوب قديم، وأن له من الشواهد ما يرقى به إلى حد الفصاحة.
وهذه أمثلة دالة على ذلك:
قال أبو العيال الهذلي:
ومنحتني فرضيت زيّ منيحتي
فإذا بها- وأبيك- طيف جنون
وقال الشريف المرتضى:
وظننته مثل الرزايا قبله
فإذا به رزءاً عزيز الآسي

تعجل في الأمر
يستعمل الناس في زمننا الفعل «تعجل» لازماً كما يستعملونه متعدياً، فيقولون: «تعجل زيد في السفر، وتعجل طلبه».
وقد غلط الأستاذ محمد العدناني وهو المعروف في الغالب من أبحاثه بالتحقيق الدقيق والبحث العميق وحسن التدبير والاستدلال، أن يكون الفعل «تعجل» لازماً في مثل «تعجل فلان في السفر»، ورأى أن الصواب أن يقال: «تعجل فلان السفر»، لأن «تعجل» لا يكون إلا متعدياً، وتبعه في غيره.
ولو تأنى العدناني أو من تابعه، فاستقصى وبحث، لقطع أن تلك التخطئة غلط بلا شك، لأن الفعل «تعجل» مما يأتي لازماً بنص بعض العلماء والمصنفين، وهو الظاهر في قوله تعالى «فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى».
قال الزمخشري: «فمن عجل في النفر أو استعجل النفر وتعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل، يقال: تعجل في الأمر واستعجل، ومتعديين، فيقال: تعجل الذهاب واستعجله.
والمطاوعة أوفق لقوله «ومن تأخر» كما هي في قوله:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
لأجل المتأني».
وأخيراً يذكر الكاتب هذه الجملة مما صدر عن بعض الباحثين والنقاد من أوهام وأغاليط في جنب هذه الألفاظ والأساليب المعروفة، وهي عند التأمل ما كانت لتكون إلا عن عجلة، وإن من العجلة القول قبل الاستقصاء والتدبر والتصفح والفحص.
وإذا كان من شيء يقال في آخر هذه الكلمة فدعوة الباحثين والكتاب الذين يتصدون لما يشيع في كلام الناس، وتجري به أقلام الكتاب من أخطاء، إلى التأني عند تخطئة هذه الكلمة أو تلك، وهذه العبارة أو تلك، فلا ينبرون إليها إلا بعد أن يستقروا المراد في المدونة العربية الواسعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن