ثقافة وفن

أعرّف عن نفسي كمطرب سوري بالقدود والموشحات … بلال شبلي لـ«الوطن»: صباح فخري حملنا المسؤولية بأن نحافظ على الأغنية السورية الطربية

| سوسن صيداوي

التاريخ يشهد عندما بدأت الموسيقا في المضي نحو الضياع والتلاشي والتشتت وخاصة في شرق المتوسط وفي كثير من العواصم في العالم. حلب هي المدينة التي استطاعت الاحتفاظ بالموسيقا بعروبة عناصرها وبأصالة شرقيتها، فحلب حتى اللحظة أم الموسيقا، ومن بين صخور قلعتها الشامخة، الشاهدة على الحضارة السورية الولّادة، تهمس أرواح، عاصرت وتعيش حتى الآن، فمنها من استمر كي تكون سفيرة تحمل رسالة بكل مسؤولية، لأنها مُقدّرة لهذا المصير، ومنها بلبل يشدو بصوته الأغنية الحلبية والطرب الأصيل، متوسّماً بالقدود والموشحات، مصنفاً نفسه كمطرب، لا يقبل التنازل عن هذه المرتبة، حاملاً مسؤوليتها، وساعياً لتطوير موهبته في الصوت والأداء. إنه المطرب الشاب بلال شبلي، ولد في عائلة حلبية تقدّر الفن أباً عن جد، وهو أخ للمطرب الراحل وضاح شبلي الذي مكنه من صقل موهبته بالشكل الصحيح، مشجعاً إياه لاحتراف الغناء والسعي لنيل الشهرة، ولكن وفق أصول النجومية الحقيقية. تكوينه هذا وتربيته إضافة إلى حلمه ومن ثم احترافه للغناء، كلّها أمور زادت عليه الأعباء وحمّلته المسؤولية كي يحافظ على تصنيفه كمطرب سوري واعد، وخاصة في ظل الاستهتار بما لدينا من مواهب وأصوات، مع عدم الاكتراث بها، أو السعي الجاد من الجهات المعنية لتشجيعها وتوظيف الأموال الخاصة من شركات الإنتاج لإطلاقها إلى الوطن العربي لأنها- وكلنا يعرف أنه في قرارة أنفسنا- أصوات ومواهب سورية، ومستحقة. صحيفة «الوطن» التقت الفنان الشاب وإليكم الحوار الآتي.

متى اكتشفت أن صوتك جميل وأنك تحب الغناء؟
لقد خُلقت محباً ومتعلقاً بالفن، فعيوني تفتّحت على الغناء والطرب الأصيل في عائلتي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى امتهان أخي وضاح رحمه اللـه للغناء، كان من أهم الأسباب التي صقلت موهبتي، والتي بدأت تنمو من خلال حفلات المدرسة الابتدائية، هذا إضافة إلى دراستي للموسيقا والعزف على العود في معهد حلب الموسيقي، كلّها عززت موهبتي وطورتها بالطريقة الصحيحة، وهكذا بقيت مواظباً حتى عام2000 وفي هذه المرحلة قررت الاحتراف في الغناء.

هل شجعك الأهل على قرارك هذا؟
طبعا… الأهل شجعوني، وخاصة أخي وضاح، صحيح أنه كان يخاف عليّ من طريق الفن- لأن مشواره صعب- إلا أنه كان يوجهني ويرشدني، فهو لم يكن أخي الأكبر فقط، بل كان الأب الروحي والأستاذ الموسيقي.

هل تتذكر أول حفلة قدمتها؟
أول حفلة قمت بالغناء فيها لن أنساها مهما حييت، ففي بدايتها حدث أمر أربكني، لكنه جعلني أصمم على تحقيق حلمي. كانت الحفلة في عام2000، وعندما اعتليت مسرح جامعة حلب لأغني أمام جمهور بحوالى الألف شخص، وبعد تقديمي، كانت ردة فعل الجمهور قاسية وكان ينادي ويهتف بصوت عال «واسطة»، طلبت من الفرقة أن تتوقف عن العزف، وبقيت في مكاني من دون أي حركة إلى أن توقف الجمهور، هنا بدأت بالغناء، وأتذكر تماماً بأن الأغنية كانت «موعود» لعبد الحليم حافظ، وشعوري في تلك اللحظة لن أنساه، لأنه خلق لدي حالة من التحدي والثقة العالية بالفن وبقراري الغناء، وخاصة لأن وجودي على مسرح الجامعة لم يكن أبداً بسبب «الواسطة» التي نُسبت إلي بحكم أن أخي مغنٍ، وبعد أن أنهيت الأغنية علا صوت التصفيق والتصفير، وشكرت الجمهور وانسحبت من المسرح، فصار يهتف كي أعود. طبعاً هذا الموقف جعلني أؤمن بموهبتي بشكل أكبر وبأنني سأستمر، وخاصة في مدينة حلب، التي تتميز بأن أهلها شعب سمّيع لدرجة عالية ولا يمكن الاستهانة بذوقه أبداً.

لأن أخاك فنان قدير وله اسمه في الأغنية السورية الطربية… امتهانك للغناء ألم يصّعب عليك الأمور ويضعك في مجال المقارنة؟
بالفعل… هذا الأمر صعّب عليّ الأمور، وأقحمني معه بالمقارنة، التي كنت أعاني منها ولا أستسيغها، كما أن كثيراً من الأشخاص كانوا يقولون لي العبارة التالية «هناك تلاميذ أشطر من أساتذتهم». هذا الأمر مزعج جداً، لأن لكل إمرئ نصيباً ولديه ما يميزه عن الآخر، وأمر طبيعي أن ما يمتلكه أخي أنا لا أمتلكه.

ولكن لابد من وجود قواسم مشتركة بينكما؟
أنا أشبهه بالكثير، فهو من قام بتربيتي، ومن ثم كان حريصاً علي وعاملني كابن له. أخذت منه كل شي جميل على الصعيد الشخصي والفني. هو رجل مندفع وجريء أكثر مني، أنا بعكسه خجول. هو يمتلك العفوية والبساطة، وهذه الأمور موجودة عندي ولكن أختلف معه بدرجتها. إحساسه في الغناء أعمق مني، ولكن إحساسي بدأ ينضج، وخاصة بعد وفاته.

هل كان يشاركك في اتخاذ قراراتك الفنية.. واليوم ما حالك وهو غائب عنك؟
كان شريكي ليس فقط في الأمور الفنية، فهو شريكي أيضاً في أموري الحياتية. لا أشعر أنه غائب بل على العكس هو حاضر، وحتى اللحظة أنا أعرف بما سيشجعني عليه وبما علي أن أرفض أو أبتعد عنه.

لكونك ابن حلب… من الطبيعي أن تتأصل بالأغنية الحلبية وتؤديها بشكل دائم في كل الحفلات والمناسبات؟
هذا صحيح.. لأني ابن حلب لا يمكنني التفكير بتاتاً بتجاهل الأغنية الحلبية، فعلاقتي بموسيقاها تشبه الظمآن الذي لا يرويه إلا ماء نبعه. فصباح فخري هو قلعة الفن في العالم العربي وهو مدرسة لن تتكرر، وما قدمه للفن من المستحيل أن يقدمه فنان. لقد أعطى للأغنية السورية طابعاً وتعريفاً لها بالأوساط العربية وحتى العالمية، وأنا أعرّف عن نفسي كمطرب سوري من خلال القدود والموشحات. صباح فخري حملّنا المسؤولية بأن نحافظ على الأغنية السورية الطربية كي تستمر إلى الأجيال القادمة.

ما رأيك بالأغنية الشعبية السورية؟
في فترة كان للأغنية السورية الشعبية انتشارها الواسع، ومن الأسماء المهمة التي ساهمت في نشرها ونجاحها في أقطار الوطن العربي على سبيل الذكر:الموسيقار سهيل عرفة، الفنان فهد بلان والفنان فؤاد غازي. في الآونة الأخيرة نجح بعض فنانينا الشباب في إعادة الألق للأغنية السورية. ولكن هنا لابد لنا من تسليط الضوء على نقطة مهمة، سورية هي بلد الحضارة والفن لأنها حققت الانتشار الأوسع سواء في الدراما أم في الدوبلاج، ولكنني عاتب على الجهات المعنية، لدينا االكثير من الأصوات الجميلة والمواهب، وحتى أنا مثلاً إذا أردت أن ألحق بالشهرة فأمامي خياران: إما أن التحق ببرنامج للهواة في البلاد العربية، أو أن أوقع عقد احتكار لشركة إنتاج خارجية، وكلا الأمرين مرفوض. وما هو كارثي بحق المغني السوري- وهو في الوقت نفسه واقع مؤلم- ليس لدينا شركات إنتاج تقوم على رعاية المطربين والمغنين وتطلق المواهب الشابة، فنحن غير قادرين على إنجاز أي عمل فني واحد، فالأمر يكلّف الكثير من الأموال، هذا إضافة إلى الحاجة الضرورية للدعم الإعلامي والتنسيق للحفلات والمهرجانات. إذاً، نحن محلياً وبالرغم من أن لدينا كل المقومات من حيث الأصوات الرائعة والأموال، إلا أننا- وهي الحقيقة المرّة- نفتقر إلى إدارة العناصر أو الرغبة الجادة التي تسعى إلى صناعة نجم أو أغنية ضاربة، بعكس الدول العربية كمصر ولبنان، فهناك الكثير من الفنانين غادروا سورية وأصبحوا نجوماً ومن الصف الأول ولكن في الخارج. وفي النهاية الغناء مثله مثل الدراما والدوبلاج قادر على تحقيق الأرباح وجلب الأموال.

مؤخراً أطلقت ألبوماً متضمناً مجموعة من الأغاني المنوعة بين الطربي والشعبي.. وعلى رأس القائمة أول أغنية خاصة لك.. حدثنا عن ذلك؟
الأغنية الخاصة بي كنت سجلتها منذ زمن طويل، ولظروف خارجة عن إرادتي لم أتمكن من إطلاقها، ومع التحضير للألبوم أحببت أن تكون هذه الأغنية أول الأغاني المطروحة، وهي بعنوان «سنة ورا سنة» من كلمات وألحان أبيك أوريان وتوزيع حمادة شبارة. أما أغاني الألبوم فقد جمعت بين الطربي والشعبي كي يكون قريباً من أهواء الناس، والأغاني هي:بنت السلطان، زينوا المرجة، العيون السود، لو يواعدني الهوى، عايشة وحدا بلاك، الحالة تعبانة يا ليلى، خايف كون عشقتك وحبيتك، لا تهزي كبوش التوتي، أنا اللي عليكي مشتاق، يا ريت بترضي يا ريت، الدنيا زي المرجيحة، حاول تفتكرني.
هل قمت بغناء أغنيتك الجديدة في حفلاتك.. وكيف وجدها الجمهور؟
نعم قمت بغنائها في إحدى الحفلات، ولاقت الإقبال، ما أدهشني لأنه لم يسمعها من قبل، ولكنه تفاعل معها ومن ثم كان الأمر مشجعاً.

تصنف نفسك كمطرب.. هذه المرتبة ألا تصعب عليك الأمور لبذل المزيد من الجهد والمثابرة؟
بالفعل.. هذا الأمر يتطلب مني الكثير من العمل، والمسؤولية الكبيرة تجعلني دائماً مهتماً لتقديم الأفضل كي أُبرز نفسي في الساحة.

ومن ثم لن يرضيك أي لحن أو حتى كلام؟
هذا صحيح.. ولكنني مرن، بمعنى أنا أحب اللحن العذب والكلمة الجميلة التي تصل إلى الجمهور، حتى لو كانت بسيطة، إذاً، تكمن الصعوبة في دقة الاختيار.

ما الأغنية التي تدندنها دائماً وتتمنى لو كانت أغنيتك بالاسم والصوت؟
هناك أكثر من أغنية، ولكن توجد واحدة تربطني بأخي وضاح، هي أغنية لعبد الحليم حافظ «تفتكرني»، وأنا أغنيها بشكل يومي في حفلاتي وبين أصدقائي.

من بين الأصوات النسائية العربية.. أياً منها تختار كي تغني معه على طريقة الديو؟
أحب صوت المغنية اللبنانية يارا، وأتمنى في المستقبل أن تجمعنا أغنية خاصة، لأنها مغنية تتمتع بإحساس رائع، واختياراتها لأغنياتها موفقة.

في ختام الحوار.. ما كلمتك الأخيرة؟
سأكمل رسالة أخي المطرب وضاح شبلي وسأجدد أغانيه، وأتمنى من اللـه أن تخرج سورية من محنتها، وأن نرتقي بالأغنية السورية وبحالها كما فعلنا في الدراما والدوبلاج فنحن كسوريين نستحق الأفضل دائماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن