قضايا وآراء

ترحيب «بيدا» بموقف المعلم قد لا يكون أكثر من تصريح إعلامي

| أنس وهيب الكردي 

لاقى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي «بيدا» تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم حول إمكان التفاوض حول إقامة شكل من أشكال «الإدارة الذاتية» للأكراد ضمن حدود الجمهورية، بمرونة معلناً ترحيبه بها، وتبنيه خيار «التفاوض السياسي» مع دمشق.
موقف المعلم جاء في حديث تلفزيوني من مدينة نيويورك الأميركية حيث ترأس وفد سورية إلى الدورة العادية للجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة. وعلق المعلم على قضية الأكراد في سورية، قائلاً: «إنهم.. يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية في إطار حدود الجمهورية، وهذا أمر قابل للتفاوض والحوار».
وأكد رفض الحكومة السورية القاطع للاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن الدولة العراقية، مشدداً على أن دمشق تدعم وحدة العراق.
ترحيب «بيدا» أتى عقب عملية إعادة تشكيل للهياكل القيادية في الحزب، أسفرت عن وصول وجه جديد إلى رئاسته، هو شاهوز حسن، ومع ذلك ربما لا يعدو ترحيب «بيدا» أن يكون مجرد تصريح للاستهلاك الإعلامي.
فالترحيب جاء مقروناً بشرط التفاوض على إقامة «نظام فيدرالي» وهو ما ترفضه دمشق بشدة.
وكرس «بيدا» هذا الموقف في البيان الصادر عنه في ختام أعمال مؤتمره السابع في بلدة رميلان بريف الحسكة الشرقي.
وأكد البيان العمل على إنجاح «العملية التفاوضية لإيجاد حل للأزمة السورية، بالاستناد إلى مشروع الفيدرالية والقرار الأممي 2254».
ومن المستبعد أن يلقي الحزب بمشروعه المتمثل في «فيدرالية الشمال» والذي كان المحرك وراء تأسيس مجلسيها التأسيسي والتنفيذي ربيع 2016، خصوصاً أن الإدارات التي شكلها الحزب في شمال سورية أجرت قبل نحو عشرة أيام المرحلة الأولى من انتخابات ثلاثية المراحل تنتهي بتشكيل حكومة وبرلمان إقليميين للفيدرالية، على حين يعتبر فرض أمر واقع على دمشق.
ومن غير المحتمل أن تكون انتخابات «بيدا» قد أتت بشخص بعيد عن الإستراتيجية الأميركية في المنطقة خصوصاً أنها جرت في ظلال الحراب الأميركية.
ومنذ عام 2015، حولت القوات الأميركية المطار الزراعي المتواضع في بلدة رميلان إلى مطار للطائرات الأميركية.
وربما جاء إخراج صالح مسلم من رئاسة الحزب، إقصاءً لرموز تيار داخل «بيدا» له مداخل على الحكومة السورية، والإيرانيين، والروس.
ومن غير المرجح أيضاً، أن يعدل «بيدا» إستراتيجيته الشاملة حيال الأزمة السورية، في حين توجد أكثر من عشر قواعد عسكرية أميركية في مناطق سيطرته بشمال شرق سورية، وبينما تتعاون الذراع العسكرية للحزب ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية بنشاط مع القوات الأميركية في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في الرقة وريف دير الزور الشرقي.
وضمن توجهات واشنطن وإستراتيجيتها في المنطقة، يسابق مسلحو هذه الميليشيا قوات الجيش العربي السوري للقضاء على تنظيم داعش شرقي دير الزور، في مسعى منها لانتزاع السيطرة على حقول النفط والغاز ومعامل إنتاجهما هناك، وهو ما تعارضه الحكومة السورية بكل صرامة.
مع ذلك ربما أراد «بيدا» من وراء إعلان تبنيه «خيار التفاوض لإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي» تمييز نفسه عن رئيس إقليم كردستان عراق مسعود البرزاني، وتمرير رسالة إلى كل من دمشق، موسكو، أنقرة، طهران وبغداد، بقبوله مبدأ سيادة ووحدة الأراضي السورية.
يضاف إلى ذلك قلق الحزب من صعود أسهم البرزاني بين أكراد المنطقة ككل بعد خطوة الاستفتاء، وذلك ضمن المنافسة المعقدة ما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي يتزعمه البرزاني) وتوابعه الاثنا عشر في سورية المنضوين تحت لواء «المجلس الوطني الكردي» المعارض، والمنظومة التابعة لحزب العمال الكردستاني (التركي) والتي يشكل «بيدا» عمودها الفقري في سورية.
وتغدو خطوة كهذه غاية في الأهمية في ضوء التحولات التي تشهدها المنطقة، وأبرزها: التقارب الروسي الإيراني التركي حول إدلب، وبوادر تنسيق ما بين أنقرة وطهران ضد النزعات الكردية الانفصالية في المنطقة، واقتراب الحكومة السورية وحلفائها الروس والإيرانيين من كسر معادلة شرق وغرب الفرات التي تريد واشنطن الإبقاء عليها لمنع تقدم قوات الجيش العربي السوري إلى الحدود السورية العراقية، وقطع الطريق ما بين سورية وإيران عبر العراق، إضافة إلى إجراء سلطات كردستان العراق استفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، على الرغم من المواقف الدولية والإقليمية المحذرة والرافضة.
ولعل أخطر ما يتهدد «بيدا» في الوقت الراهن، هو حصول تفاهم مشترك ما بين موسكو، أنقرة، طهران، بغداد، وبشكل ما دمشق (لفت في حديث المعلم إعلانه استعداد الحكومة السورية لدراسة أي عرض تركي لتحسين العلاقات السورية التركية إذا ما أقدمت الحكومة التركية على وقف دعم وتمويل المجموعات الإرهابية)، على عملية عسكرية للإطباق على مناطق سيطرة الحزب الهشة في شمال شرق سورية (تل أبيض– عين العرب– منبج– عفرين– تل رفعت)، مع أن احتمال هذا الهجوم قد لا يكون مرتفعاً في الوقت الراهن بسبب انشغال الأتراك بالتحضير لعملية إدلب، وروسيا وإيران بعملية دير الزور، والعراق بتداعيات استقلال إقليم شمال العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن