قضايا وآراء

حرب ترامب التجارية على الصين محصلتها صفر

| قحطان السيوفي 

تؤكد القيادة الصينية في مؤتمراتها على ربط عبارة «الأمن القومي» بمفهوم المخاطر المالية وأن الأمن المالي جزء مهم من الأمن القومي وأساس رئيسي لتنمية الاقتصادات المستقرة.
ذكرت الـ«فاينانشال تايمز» في العاشر من الشهر الماضي أن «الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتجاهل رأي المختصين ويخاطر بحدوث كارثة من خلال التحديق في الشمس، في الوقت الذي عبر فيه ظل القمر أميركا، وأصبح التدمير الذاتي بمنزلة عادة لإدارة ترامب»، وهذا يعني أن فكرة ترامب بشن حرب تجارية على الصين محصلتها صفر.
يرى العديد من المتشددين في إدارة ترامب أن الولايات المتحدة في «حرب اقتصادية مع الصين»، ولا يستطيعون الفوز إلا إذا خسرت الصين، لكن الاقتصاد العالمي لا يُشبه لعبة كرة القدم، فالجميع يمكنه الفوز، على الأقل من حيث المبدأ، أو يُمكن أن يخسر الجميع.
فكرة «الحرب الاقتصادية» التي يروج لها ترامب، تشخيص خاطئ للطريقة التي يعمل بها الاقتصاد العالمي، وعلاج أسوأ بكثير من المرض، والتفكير الذي محصلته صفر يستغله بعض السياسيين السيئين، ويُركز الشعبويون عادة على الحجج التي محصلتها صفر، لأن لها جاذبية عاطفية، وأي طفل يفهم فكرة انتزاع ما يملكه شخص آخر؛ لكن معظم الراشدين يفضلون وضعا يكسب فيه الجميعـ، ونظرية الألعاب التي محصلتها صفر وضَعها عالِم الرياضيات جون فون نُويمان ومختص الاقتصاد مور جينستيرن في كتابهما الشهير الذي نُشر في أربعينيات القرن الماضي «النظرية تنجح في لعبة الشطرنج والبوكر» لكن نتائجها سلبية في السياسة والاقتصاد، والإستراتيجية العسكرية.
الولايات المتحدة لم تبدأ حرباً مع الصين، لكن إذا بدأتها فلن تكون رابحة، بالمقابل ثمة انقلاب تكنولوجي في الصين التي أصبحت مُبدعة يقلدها الآخرون، فابتكرت الصين نموذجاً يوفّر لراكبي الدراجات الهوائية مزايا تفوق ما توفره خدمات مماثلة في لندن ونيويورك باستخدام تطبيقات على الهاتف الخلوي.
إطلاق تطبيق «واتساب» لحسابات الشركات أظهر أن تطبيق الرسائل الأميركي كان يتّخذ خطوة أخرى على الطريق الذي صاغه التطبيق الصيني «ويتشات» وهو تطبيق في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهو لطريقة التي تتواصل بها الحكومة الصينية والمشاهير والشركات، مع الزبائن في وسائل الإعلام الاجتماعي الصينية ونشر الأخبار، ويملك تطبيق «ويتشات» أكثر من 20 مليون حساب رسمي، وذلك وفقاً لتقديرات الصناعة.
شركة التجارة الإلكترونية الكبيرة «علي بابا» تطبق نموذج «تجارة التجزئة الجديدة»، من خلال دمج العالمين المادي والافتراضي لتقديم أفضل الخدمات للزبائن.
لكن الاتجاه المميز والأكثر أهمية في الصين هو: التعليم، فقد أنتجت الصين العام الماضي خرّيجين في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يُقارب عددهم تسعة أضعاف من تخرجوا في الولايات المتحدة حتى مع الأخذ في الحسبان العدد الضخم لسكان الصين، من ناحية أخرى اختراق قطار القارتين القنال الإنجليزي يكشف طموح الصين، ففي بداية عام 2017 تم افتتاح خط جديد لنقل البضائع الصينية من مقاطعة تشجيانج الصينية في رحلة استغرقت 18 يوما، وعبرت سبعة بلدان، بمسافة 12 ألف كيلو لتصل إلى لندن، ورغم اختلاف الآراء حول اقتصاديات مسارات الحرير، فقد كان هدف الرحلة إعلاناً لنوايا الصين الجيوسياسية.
احتاج الأمر إلى إجراءات عدة لمسارات الطريق المتباينة، وخاصة الأخيرة عبر نفق القنال الإنجليزي «المانش»، وتقدم خدمة تمتاز بأنها أسرع بكثير من نقلها بحرا، وأرخص من نقلها جواً. تم افتتاح مسارات مماثلة إلى هامبورغ ومدريد، لكن لندن تظل هي المحطة الأهم.
قد لا يكون لهذه القطارات، التي تسير عبر طريق الحرير وسط آسيا وروسيا وبيلاروسيا وبولندا لتصل إلى أوروبا الغربية، تأثير حاسم في الأنماط التجارية الحالية، لكن التأثير النفسي مهم، واختصار المسافة بين آسيا وأوروبا، هنا يكمن قرار الرئيس الصيني تشي جين بينج، لإضعاف إثر الحدود الفاصلة بين القارتين واجتذاب دول أوروبا لتكون قريبة من الصين.
حالياً يقال إن القرن الحادي والعشرين قرن المحيط الهادئ، ومصطلح قرن المحيط الهادئ يشير إلى نهوض الصين، صحيح أن الصين تقوم، بتوسيع نفوذها ببناء قواعد في بحر جنوب الصين إلا أن بكين تتطلع إلى الغرب أكثر من الشرق.
مشروع الصين الأهم «حزام واحد، طريق واحدة»، يتضمن خليطاً من الأهداف المختلفة، بعضها اقتصادي وبعضها إستراتيجي هدفه إعادة تنظيم المسارات البحرية والبرية لتمثل عصراً مبكراً من العولمة والتخلص من فائض القدرة التصنيعية في الصين وتأمين مصادر للمواد الخام. وتوفير قنوات استثمارية جديدة في أوروبا.
الصين تتطلع لعصر تصبح فيه المساحات الشاسعة من الأراضي في أوراسيا نقطة مهمة للقوة العالمية، وأوراسيا تستأثر بأكثر من ثلث الكتلة البرية في العالم ونحو 70 بالمئة من سكان العالم، كما أن فيها موارد طبيعية وطاقة، والسياسة الانعزالية العدائية للرئيس ترامب، تمنح بكين حرية الحركة، وقلق بعض الأميركيين مصدره أن الولايات المتحدة إذا تخلت عن أوراسيا ستجد نفسها قوة عظمى، لكنها عالقة في نصف الكرة الغربي ومثل هذه الحسابات الجيوسياسية لا تشغل بال إدارة ترامب.
الولايات المتحدة تتراجع، وسياسة ترامب التجارية غير واقعية ومحصلتها صفر، وحضور الصين الاقتصادي والسياسي في العالم في تصاعد مستمر، وطريق الحرير سيصل إلى سورية، وستتصدى الصين وروسيا وحلفاؤهم في دول بريكس وأصدقاؤهم على الساحة الدولية لمحاولات الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية، كما يعملون على محاربة الإرهاب ودعم الدولة السورية في حربها ضد الإرهاب التكفيري.
أثبتت الوقائع أن ادعاءات إدارة ترامب وحلفائها الجوفاء لمحاربة الإرهاب العالمي غير جادة إن لم نقل أنها غير صادقة، وتثار إشارات استفهام حولها ولن تكون نتيجتها إلا كحروب ترامب الأخرى ومحصلتها صفر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن