ثقافة وفن

«بإبداعنا وانتمائنا نواكب النور» … ثلاثة عروض من الرقص والدراما والتقنيات البصرية انطلاقة المعهد العالي للفنون المسرحية .. جيانا عيد: نعمل على ترسيخ فكرة الابتكار لدى الطلاب ليكونوا أصحاب مشروع

| سارة سلامة – ت: طارق السعدوني

فلنصنع من الحروف التي تعشقت بدماء الطهر أبجدية الشروق من جديد ومن شغفكم المسكون بعزيمة الحياة فعلاً نورانياً يلفظ السواد، وبعشقكم المتجذر بالقيمة وسمو الروح والحلم سنكون.. تلك هي المسألة.. نكون أو لا نكون.. بهذه الكلمات كانت افتتاحية بروشور المعهد العالي للفنون المسرحية للإعلان عن التظاهرة السنوية التي قدمها بخبرات طلابه وأساتذته وهي تقليد سنوي في المعهد لتنمية الإبداع والخبرة والابتكار لدى الطلاب.

وعن هذا النشاط قال معاون وزير الثقافة علي المبيض في تصريح خاص لـ«الوطن»: تكمن أهمية هذا النشاط بأنه يأتي في بداية العام الدراسي 2017-2018 لعرض وتبادل الخبرات بين الطلاب وتقييم المستوى وتكريس الإبداع في نفسية الطلاب، وهو تقليد سنوي اعتيادي، وهذه السنة كانت الفعالية مميزة لأنها عرضت 3 أنشطة وهي، فقرة خاصة بالمسرح، وعرض بصري هو الأول في سورية وقسم الرقص الذي ضم أربع فقرات متنوعة شارك فيه عدة أجيال من خريجين وطلاب جدد».
وأكد المبيض أن «النشاط هو تعبير عن المشاعر النفسية وكل ما يعتلي نفسية الإنسان الحالي السوري وخصوصاً في الأزمة التي تتعرض لها سورية».
وافتتح الطلاب عامهم الدراسي بثلاثة عروض وهي الرقص والدراما والتقنيات البصرية بعنوان «بإبداعنا وانتمائنا نواكب النور»، وجاءت الفعالية تتويجاً لتدريبات طويلة حشدت متابعة استثنائية للعرض البصري «تغفيق» لمشرفه غيث المحمود ليكون نتاج ورشة عمل مشتركة لقسمي السينوغرافيا والتقنيات المسرحية فكان العرض الذي قدم في إستوديو الفنان أسعد فضة تجربة جديدة على صعيد دمج التشكيل مع الفيديو «آرت» والتجهيزات ضمن توظيف مسرحي امتدت فيه المشاهدة على 360 درجة توزع على أربع شاشات وباستخدام تقنية الفيديو «بروجكتور» عمل كل من خولة ونوس وغيث مرزوقي ورشا زنداقي وهايدي مسعد وزينب الحكيم وربا عريج على صياغة فضاء عبقري للمواد البصرية التي أعدها كل من كندة سكيكر وعبيد اللـه الحسين وعلاء الكيزاوي وياسين شيخ الصاغة، وحضر العرض جمهور غفير أتى لمشاهدة بداية الموسم المسرحي لطلاب وطالبات المعهد في أقسام التمثيل والرقص والسينوغرافيا والتقنيات والأزياء.

عرض مشرف
وفي تصريح لها قالت عميدة المعهد العالي للفنون المسرحية جيانا عيد: إن «المعهد العالي للفنون المسرحية هو معهد إبداعي، وفي المعهد الإبداعي من غير الممكن أن ينطلق العام الدراسي بشكل تقليدي، لذلك نعمل على ترسيخ فكرة البحث والابتكار لدى الطلاب وتشجيعهم لكي يكونوا أصحاب مشروع وليسوا متلقين فقط بل تحفيز الطالب لكي يكون متلقياً ومعطياً بآن واحد لذلك تأتي أهمية هذا المنتج الإبداعي من دوره في تحفيز الإبداع عند الطلاب».
وأضافت عيد إن: «في هذا العام الفعالية هي نتاج لورشة عمل استمرت تقريباً ثلاثة أشهر في قسم التقنيات وقسم السينوغرافيا بعنوان «تغفيق» وهي حالة من النوم اللاإرادي، ولغوياً تعني النوم القسري الذي يحدث للإنسان ويبقى بين اليقظة والنوم، وفي العرض المسرحي وجدنا أن الشباب يفكرون بطريقة عميقة عبر محاولات جادة ومعاصرة استخدموا فيها كل التقنيات التي من الممكن أن نتخيلها، ونرى كيف عملوا للوصول إلى فكرة مسيسة سورية تعني الشباب السوري الآن بعد وضع سبع سنوات من الحرب كيف يفكرون ويرسمون خطواتهم للمستقبل ورؤاهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل وأجمل وأرقى».
وأفادت عيد: إن «العرض المسرحي هو نتاج لمجموعة بروفات وجهود وورشة بدأت تقريباً خلال ثلاثة أشهر مأخوذة من مسرحية «الخزان» للكاتب الإنكليزي بيتر تيرسون التي قام بها شباب بقيادة المخرج يزن الداهوك خريج قسم الدراسات ومع شباب مثل خالد شباط وهو طالب في السنة الرابعة وفادي حواشي خريج المعهد العالي للفنون المسرحية أيضاً قسم التمثيل ومجموعة من الشباب خريجي قسم السينوغرافيا، وكما أن المسؤولين عن الإضاءة هم خريجو التصميم والتقنيات في المعهد وجعلوا من هذه المسرحية تخصيصاً في مشكلة كل سوري مع الأسئلة القدرية والعبثية أو الوجودية بمعنى العيش ومعنى الحياة وطريقة الخروج من هذا السواد إلى فعل أكثر جدوى، هذه الرؤية تمس كل سوري عبر رؤية أكاديمية شفافة وهو عرض مشرف بذل فيه جهود كبيرة »، موضحة أن «العرض البصري بقيادة غيث محمود والعرض المسرحي بقيادة يزن الداهوك والعرض الراقص كان عبارة عن أربع لوحات وهي نتاج أساتذة وطلاب في قسم الرقص بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتتضمن أربعة أنواع من الرقص».

تغفيق
هذا العرض استمد اسمه من مقولة «في الحلم نستفيق على واقع هو في الحقيقة وهم آخر» زاوج بين مستويات عديدة من التلقي للصورة والصوت ضمن مناخ غرائبي اقترح حوارية بين المدينة والإنسان في الحرب وصولاً إلى استخدام إشارات لونية بصرية لا تلبث أن تتداعى أمام قسوة الحرب والاغتراب والهجرة عن الوطن لتشكل نماذج من كائنات ممحوة في إشارات مرور ولعبة شطرنج تجعل البشر مجرد دمى بمتجر كبير يغلي بالصراع والقسوة ودعم تلك المواد السمعية التي أعدها كل من محمود محرز ومحمود محمد وداني دويعر.

الخزان
وهو العرض الثاني في احتفالية المعهد المسرحي لمخرجه يزن الداهوك عن نص للكاتب البريطاني بيتر تيرسون الذي اشتهر بمسرحياته عن الطبقة الصناعية المهملة في إنكلترا إذ عمل فريق العرض على دراماتورجيا للنص الأصلي لإسقاطه على الواقع المحلي وفق أسلوب الارتجال الحر لكل من بطلي العرض فادي حواشي وخالد شباط اللذين برزا في المسرحية في أداء مقطع عرضي من الحياة بعيداً عن التكلف والتفاصح على الجمهور.
مسرحية «الخزان» التي قدمت لعشرات المرات على مسارح بريطانيا واقتبسها التلفزيون البلجيكي كعمل درامي جاءت تورية ذكية من مخرج العرض للإطلالة على الواقع الراهن حيث قدم العرض حوارية شفافة عن حياة ملتبسة داخل خزان للمياه لا يلبث أن يتحول إلى حلبة صراع تقود إلى مكاشفات صادمة ومؤلمة تسردها يوميات كل من «أبو زاهر» و«فداء» الشخصيتين اللتين لا تنفكان عن دغدغة رغبات مقموعة ومنسية إحداهما للأخرى ليصبح الجمهور أمام لعبة أقرب إلى أسلوب المسرح الواقعي حيث تصير يوميات البشر العادية بمنزلة أساطير مؤلمة وغير ذات معنى.
كما ركز عرض «الخزان» على سينوغرافيا اعتمدت محاكاة محكمة للبيئة الأصلية للشخصيات استقت موادها من خشونة الواقع وصولاً إلى فضاء عبقري وظف مختلف مستويات مسرح فواز الساجر لفائدة الصراع الدائر بين بطلي العرض لتبرز هنا قدرة المخرج الداهوك في تقديم دراما سورية بعيداً عن رطانة النصوص المترجمة ليكون الكلام هو المادة الفعالة بدلاً من اللغة في تظهير ماضي الشخصية ومعاناتها الداخلية معتمداً في ذلك على تلقائية الممثل ومعايشته الداخلية للدور الذي يقوم بأدائه على الخشبة.

مهارات الجسد ولغويته
وتوج عرض طلاب قسم الرقص يوم الانطلاقة الدراسية للمعهد بأربع لوحات على مسرح سعد اللـه ونوس، اللوحة الأولى بعنوان «إيديفيس» من ريبرتوار الكريوغراف محمد شباط وأداء كل من أنجيلا الدبس وأسامة هنيدي أدى فيها كل من الراقصين ثنائية من الرقص المعاصر أبرزت مهارات الجسد ولغويته الفادحة لتأتي اللوحة الثانية بعنوان «باليه كلاسيك» بأداء لارا بخصار أعقبتها اللوحة الثالثة بعنوان «مين أنتو» كمشروع من تصميم خاجيك كجه جيان وفيها برز هذا الأخير في تنويع لافت ومفتوح على شعرية الجسد الراقص.
واللوحة الرابعة لطلاب قسم الرقص كانت بعنوان «حصار» من تصميم فادي جحا وأداء كل من حور ملص وفادي جحا ومحمود توهان ورندا شهدا وفيها قدم الراقصون مهارات عالية المستوى ركزت على العالم الداخلي للراقص وحضوره العضلي والتشريحي في دراما راقصة استمدت فاعليتها من لعبة جماعية تناوب فيها الراقصون على إيصال شحنات مركبة وعميقة عن الحرب ومآلات الإنسان في ظروفها القاسية وصولاً بالجسد إلى فصاحة متناهية في التعبير والقدرة على توليف طاقة مختلفة وخلاقة في توليد الصراع عبر الرقص مستفيدة من آخر ما وصل إليه الرقص المعاصر في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن