ثقافة وفن

الأمم العريقة تقدم نتاجاتها الفكرية خلال أصعب الظروف … أربع جوائز سينمائية سوريّة في مهرجان الإسكندرية.. وواحدة في روتردام في هولندا

| وائل العدس

تميزت السينما السورية منذ بداياتها بتطرقها لمواضيع حساسة وجوهرية وابتعدت عن كل ما هو استهلاكي وترفيهي بحت وناقشت هموم الإنسان الاجتماعية والوطنية والإنسانية، وعملت على تشريح المشكلات الحياتية المعاصرة بكل جوانبها، فباتت حاضرة بقوة حتى إن شمسها لم تغب عن كل المهرجانات والمناسبات الفنية في الوطن العربي والعالم.
واستطاعت المؤسسة العامة للسينما أن تنتج خلال أعوام الأزمة أفلاماً في أنواع سينمائية مختلفة ذات مستويات عالية تفوق في العدد ما كانت المؤسسة تنتجه خلال السنوات التي سبقت الأزمة في تأكيد مقولة أن الأمم العريقة تقدم أهم نتاجاتها الفكرية خلال أصعب الظروف.
وتبذل المؤسسة «الجهة الوحيدة المعنية بالإنتاج السينمائي» جهوداً كبيرة في استمرار النشاط السينمائي النوعي رغم ظروف الأزمة عبر إنتاج أفلام تقارب آثار هذه الأزمة ومنعكساتها على الشعب السوري، وهذا النشاط هو شكل من أشكال المواجهة للفكر الظلامي الذي يسعى إلى القضاء على الهوية السورية وإلغاء العقل الواعي المنفتح.
ورغم أن عدداً من الجهات الخارجية مارست حصاراً ظالماً على نتاجنا السينمائي ومنعت مشاركة أفلام سورية في مهرجاناتها، إلا أن ذلك لم يمنع مؤسسة السينما من مواصلة إنتاج أفلام حديثة ليرى العالم بأسره أن السوريين قادرون على الإبداع والاستمرار بالحياة بغض النظر عن قساوة الظروف.
وقد لمسنا من وزارة الثقافة اهتماماً متزايداً بتأمين كل الظروف المساعدة على صناعة أفلام سورية حديثة عالية المستوى ودعم الفنانين الذين تأثر عملهم بالظروف التي تمر بها سورية.
ورغم وجود بعض المنغصات، إلا أن السينما السورية تسير في طريقها الصحيح، خاصة بعد سلسلة الجوائز والتكريمات التي نالتها وتنالها تباعاً في كبرى المهرجانات العربية والعالمية، ليس آخرها مهرجان الإسكندرية لدول البحر الأبيض المتوسط بدورته الثالثة والثلاثين التي شهدت فوز ثلاثة أفلام من أصل خمسة بجوائزها الأربع.
وقد أشاد المخرج ومدير التصوير المصري محسن أحمد، وعضو لجنة مسابقة نور الشريف بمهرجان الإسكندرية السينمائي ووصفه بالمستوى الجيد للأفلام السورية المشاركة، وجميعها من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

رجل وثلاثة أيام

فيلم «رجل وثلاثة أيام» هو الوحيد الذي شارك في المسابقة الدولية الرسمية في مهرجان الإسكندرية بمشاركة فرنسا وإسبانيا وتركيا واليونان وكرواتيا وصربيا، وحاز جائزة أفضل ممثل عبر النجم محمد الأحمد، علماً أنه لم يعرض بعد عبر دور العرض التجارية.
مؤلف ومخرج الشريط جود سعيد قال لـ«الوطن»: هذه الجائزة من أغلى الجوائز على قلبي، لأنها تتوج عملاً وشراكة مع محمد الأحمد بُنيت عليها تجربة خاصة جداً في رجل وثلاثة أيام، كانت تحدياً وهنا تأتي أهمية الجائزة.
وأضاف: تأتي القيمة المضافة لهذه الجائزة أنها انتزعت من منافسين ينتمون لسينمات عريقة كالإيطالية والفرنسية والإسبانية وغيرها من الدول الأوروبية لحوض المتوسط، وكللت الجائزة العرض العالمي الأول للفيلم.
وأكد أن قصة الفيلم استعارة لحياة شخص سوري خلال ثلاثة أيام تفصل بين نهاية سنة 2012 ومطلع 2013 مع تابوت يضم جثة شخص عزيز عليه فتنقلب حياته السابقة وتنفتح له أبواب جديدة في العيش وفهم الحياة، مشيراً الى أن بطل الفيلم كاتب ومخرج مسرحي ينفصل عن زوجته الممثلة خلال افتتاح آخر عمل مسرحي قدماه معاً ليقرر بعدها السفر خارج سورية وفي تلك اللحظة يسمع بخبر وفاة صديق له ويؤتى بتابوت يضم جثمانه إلى منزل بطل الفيلم ويتعرض بعدها لعدد من الأحداث.
وأشار إلى أن أدوار البطولة يؤديها كل من أحمد الأحمد وربى الحلبي ولمى الحكيم وكرم الشعراني ومصطفى المصطفى وعلا سعيد وسارة الطويل وولاء عزام ومي خليل وآخرين، إضافة إلى ضيفي الشرف عبد اللطيف عبد الحميد وعبد المنعم عمايري.
بدوره قال محمد الأحمد إن الحرب في سورية ليست حرباً بالرصاص والدم فقط ولكنها نفسية أيضاً واضطراب في العلاقات الإنسانية، لذلك حاولنا أن نقدم قصة بسيطة بمضمون عميق لتوصيل رسالة معينة وتوثيق على شريط السينما.
وأضاف إن الفيلم قدم العلاقة بين الموت والحياة أيضاً رسالة من شهدائنا، وهو ألا تقتلونا مرتين وكان هذا من خلال شخصية الضابط الشهيد الذي يطلب طوال الوقت من البطل أن يدفنه فالحرب تقتل بداخلنا مفردات الحياة.
أما مدير مؤسسة السينما مراد شاهين فقال إن الفيلم سيعرض تجارياً في سورية في تشرين الثاني المقبل، مشيراً إلى أن قصة الفيلم مأخوذة عن قصة حقيقة وقعت في وقت قريب.

الأب
في مسابقة الفيلم العربي المسماة «نور الشريف»، فاز فيلم «الأب» للمخرج باسل الخطيب بجائزة التحكيم الخاصة، على حين أحرز النجم الكبير أيمن زيدان جائزة أفضل ممثل، علماً أن الخطيب نفسه فاز سابقاً بجائزة أفضل فيلم عن فيلمه «سوريون» في دورات سابقة من المهرجان ذاته.
وقال الخطيب خلال ندوة فيلمه «الأب» على هامش المهرجان إنه بعد مرور 7 سنوات على ما يحدث في سورية أصبحت الأمور واضحة، والمؤامرة التي تعرضت لها سورية أصبحت أيضاً واضحة وليست محل خلاف، ومن ثم لا أسمح لأحد بأن يناقشني فكرياً فيما أتناوله في أفلامي.
وأشار أن فيلم «الأب» يدعم الإنسان السوري وهو عمل إنساني، وأن الفيلم تمت كتابته أكثر من مرة واستغرق عاماً كاملاً، وهو مستوحى من قصة حقيقية حدثت بين عامي 2012 و2013، في منطقة «جسر الشغور»، مؤكداً أن الناجية الوحيدة من هذه المأساة هي التي أمدتنا بالمعلومات التي بنينا عليها الفيلم، إذ يقدم جزءاً بسيطاً جداً من المعاناة والألم السوريين اللذين لا تنقلهما نشرات الأخبار، وصوّرناه تحت ظروف قاسية، من ناحية المناخ ووصول درجة الحرارة خلال التصوير إلى 10 تحت الصفر، كما أننا صورنا الفيلم في مناطق نائية خالية من أي خدمات.
وشدد على أن الطفل الذي يسير بعكاز داخل الفيلم هو طفل فقد قدمه في الحرب، والخط الدرامي لم يكن موجوداً في بناء الفيلم، وعندما جاء مع والدته في اختبارات التمثيل وعلمت بقصته، قررت أن يشارك في الفيلم وكتبنا له الدور.
وأوضح أن مشروعه المقبل هو فيلم مع دريد لحام يتناول الحرب من زاوية مختلفة وهو أول عمل يجمعه بالنجم السوري الكبير.
أما زيدان الذي قدم أداء جديداً حمل معه تجربة خاصة، ببصمة مكثفة حملت منطقه الخاص في الأداء والتعبير، الذي أبدع فيه عبر تجاربه، فكان قد حاز قبل أشهر جائزة أفضل ممثل في مهرجان وهران الدولي السينمائي عن دوره بالفيلم نفسه، وكتب عبر صحفته على الفيسبوك: « كم هو مدهش أن تهزم السينما السورية هذه الحرب الملعونة وتنتزع كل هذا الحضور، شكراً لكل السينمائيين ولكل العاملين والقائمين عليه، كل ما يعنيني من الجوائز أنني ما زلت سورياً يثبت نفسه رغم الحرب، ويكفيني من جائزتي وهران والإسكندرية أننا هزمنا الحرب وانتصرنا لثقافة السينما والحياة، وكل جوائز الدنيا أرميها أمام أقدام وطني سورية، فجائزتي الحقيقية أن يعود معافى، ومن واجبي أن أعبّر عن شكري العميق للمخرج الصديق باسل الخطيب الذي قاد سفينة الأب إلى شاطئ مفعم بالحب والإبداع».
الشريط من تأليف وضاح وباسل الخطيب، وبطولة أيمن زيدان وحلا رجب ويحيى بيازي ورنا كرم وعلاء قاسم وروبين عيسى وأسيمة أحمد وعامر علي وخلود عيسى وجمال شقير وجانيار حسن وجابر جوخدار ودينا خانكان وعلي إبراهيم ووائل أبو غزالة وسعيد عبد السلام وسومر إبراهيم ووفاء العبد اللـه ونادين الشعار وفاتح سلمان ونور رافع ووائل شريفي وسلمى سليمان، ومحمد الزرزور، ورشا رستم، والطفلان يامن حيدر، وغادة قاروط، بالاشتراك مع رامز عطالله، ووفاء موصللي، وأحمد رافع.

ماورد
على الجانب الآخر، حاز فيلم «ماورد» للمخرج أحمد إبراهيم أحمد جائزة أحمد الحضري لأفضل فيلم أول أو ثان، علماً أن الشريط أول تجارب المخرج السينمائية الروائية الطويلة، حيث قال لـ«الوطن»: الجائزة تعني لي كثيراً لكونها لأول فيلم سينمائي طويل لي، ولكوني رفعت اسم سورية في المهرجانات الدولية، فسعادتي لا توصف، وكوني أخيراً أهديتها لروح أخي الشهيد قصي إبراهيم أحمد ولجميع شهداء سورية.
والفيلم حكاية توغل في الرمز عن قرية يعيش أهلها على زراعة الوردة الشامية وتقطيرها ليسرد عبر مشاهده مراحل الحياة السياسية المعاصرة التي عاشتها سورية ضمن إسقاط لعلاقة حب ربطت المعلمين الثلاثة الذين تولوا تدريس الأطفال في مدرسة القرية بفتاة جميلة جذابة اسمها «نوارة» ولكن الفتى اليافع «محمود» هو الذي أحبها ببراءة حتى إنه احتفظ بصورها عشرات السنين وخبأها من أيدي الإرهابيين التكفيريين عندما اقتحموا هذه القرية وأحرقوها وقطعوا ورودها.
ويتناول الشريط تاريخ سورية بعد الاستقلال، عبر ثلاثة مراحل زمنية، تبدأ منتصف خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى ثورة الثامن من آذار 1963، مبرزاً الصراعات الفكرية التي عاشها السوريون خلال تلك المراحل، وتأثيراتها الممتدة حتى يومنا الحالي مع ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي.
ويؤدي أدوار البطولة كل من: رهام عزيز ونورا رحال وعبد اللطيف عبد الحميد ورامز الأسود وفادي صبيح وأمانة والي ووسيم قزق ولجين إسماعيل ويوسف المقبل ووفاء العبد اللـه وسعيد عبد السلام، والطفل علي حسين، والفيلم مأخوذ عن رواية «عندما يقرع الجرس» للكاتب محمود عبد الواحد.
وعقب عرض الشريط، قال مخرجه في ندوة على هامش المهرجان إنه متأثر جداً بهذا العمل لأن شقيقه الأصغر عميد في الجيش واستُشهد بعد تصوير الفيلم مباشرة على يد جماعة داعش الإرهابية.
وأضاف إنه سعيد بدعم المؤسسة العامة للسينما له ولفيلمه وقيامها بإنتاجه، موضحاً أنه حمل مساحة من الفكر والنقد للأوضاع السيئة التي تمر بها سورية.
وأوضح أن كل أماكن التصوير كانت في سورية، وتم اختيارها بعناية كبيرة، موضحاً أيضاً أن كل أبطال الفيلم ممثلون جدد وليس بينهم محترفون، فبطل الفيلم هذا أول عمل له، وبطلة الفيلم قدمت أعمالاً قليلة من قبل، وهذه أول بطولة لها، مؤكداً أن كل أبطال الفيلم كانوا متميزين.
وأكد أنه اختار فريق العمل بعد شهرين من البحث، واختار بطلة العمل ريهام عبد العزيز من وسط 150 بنتاً أخريات.

حرائق
بعيداً عن مهرجان الإسكندرية، فقد انتزع الفيلم السوري الروائي الطويل «حرائق» الجائزة الذهبية كأفضل فيلم متكامل من مهرجان روتردام للسينما العربية في هولندا، وهو من تأليف وإخراج محمد عبد العزيز وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، ولم يعرض حتى الآن في دور العرض، بل تم الاكتفاء بإطلاق البرومو الدعائي الخاص به منتصف العام الماضي، علماً أن الفيلم نفسه فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الثامنة والثلاثين أواخر العام الماضي.
ويحاكي الشريط الأزمة في سورية من الناحية الإنسانية في ظل الحرب التي تتعرض لها من خلال أربع نساء يكافحن من أجل حياة أفضل وذلك عن طريق انفجار يحدث ضمن مهرجان احتفالي ويعرض العمل كل الشخصيات أثناء الانفجار وكيفية وجودها قبله وبعده.
ويستفيد سرد الفيلم من المونتاج الاحترافي ليربط بين قصص بطلاته الأربع التي تحدث في الوقت ذاته مع اختلاف الأمكنة، حتى يعزز الشعور بالتصاعد الدرامي للأحداث قبل أن تتقاطع طرق الشخصيات في مكان وزمان واحد في مشهد الذروة.
ويستفيد الفيلم أيضاً من اللقطات الواسعة الثابتة التي استغلها مدير التصوير وائل عز الدين في مناطق تصوير طبيعية، لتظهر آثار الحرب المدمرة بلا أي رتوش، في حين لجأ في تصوير بطلاته إلى اللقطات المتوسطة التي تبدو فيها انفعالات الوجه واضحة، كما تظهر أيضاً البيئة المحيطة بهن في الخلفية ليخلق صلة بين المكان والدمار الذي لحق به وبين الشخصيات والضغوط التي تعاني منها نتيجة هذا الدمار.
واللافت للنظر في الفيلم إلى جانب تصويره في مناطق الحرب، الاستعانة بأشخاص عاديين لا يمتهنون التمثيل كي يكونوا جزءاً من فريق التمثيل في الفيلم إلى جانب أبطاله وبطلاته من الممثلين المحترفين.
ويؤدي أدوار البطولة رنا ريشة ونانسي خوري وأماني الحكيم وجفرا يونس وآنا عكاش وولاء عزام ونغم ناعسة ومؤيد رومية ومازن جبة وأكثم حمادة وآخرون.
وقال عبد العزيز في تصريح صحفي إن أهمية الجائزة تكمن في حضورنا السوري بالمشهد العالمي رغم أوضاع الحرب التي نعاني منها وتحقيق حضور حقيقي للثقافة السورية بشموليتها وثرائها النابع من إرثها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن