ثقافة وفن

في رحيل المحامي أحمد عمران الزاوي الظاهرة الموسوعية والطاقة المعرفية

| يوسف مصطفى

كان حاضر الذاكرة، هادئ الطبع، والمزاج، كان محدثاً بارعاً، ومصغياً، ومتلقياً بامتياز، سلاسة الحديث، الشواهد، الإسناد المعرفي، قدرة الحوار، والرد.. ثقافة قبول الحوار.. لم يكن استعلائياً، أو فارضاً، ومحتكراً. كان يملك ثقافة الحوار وأدبياته.. ولا ينكر معرفة، وثقافة الآخرين.. وكم عانينا، ونعاني الادعاء الثقافي، والإقصاء الثقافي، فالثقافة المجردة لا تكفي (وأدب العلم قبل العلم) وأدب الحديث، والحوار أساس في صحته وفائدته ونتائجه.
عندما يرحل الدكتور أحمد عمران ترحل قامة كبيرة في الإنتاج الثقافي، والتأليفي، والإبداعي.. كتب في الأنواع الثقافية، الإسلامية، والفكرية وفيها صحح الكثير مما كتب وقيل في هذه القضايا، وصوب الكثير من المقولات، كان نهجه «حضارياً» وقراءته للإسلام قراءةً حضارية واعية، ومسؤولة.. لم تكن دفاعاته عن الإسلام تقليدية بل مُحاكمة، وعقلانية ساعدته قدرته الحقوقية، وامتلاك وسائلها بحكم مهنة المحاماة والدفاع في إحضار حجج الرد، والتصويب والتحليل والتأليف.
كتب في الفكري كتاباً مهماً عنوانه «العدل الإلهي، والتناسخ» وفيه سلط الضوء على هذه المسألة بنوع من المعالجة المحايدة ما بين من يقول بها، ومن ينفيها، واستطاع بقدرة البحث الحيادي أن يعرف بهذه المسألة، وقضاياها ثقافياً ومعرفياً، وبحثاً وتحليلاً.
كان للمرأة نصيب من كتاباته حيث صدر له كتاب: «نضال المرأة في مواجهة التحدي».. تجاوز الكتاب خمسمئة صفحة كان موسوعياً وتاريخياً في مواجهة «قضايا المرأة، وشؤونها».. تضمن: المرأة في مصر القديمة، وسومر، وبابل، فآشور، والهند، وفارس، واليونان، وروما… إلخ. كان الفصل الثاني «المرأة في العصور الوسطى» ثم المرأة في الجاهلية.. حياة الصحراء، وتأثيرها في الأحوال الشخصية.. مر المؤلف على: الملكة بلقيس، وزنوبيا ملكة تدمر، والزباء ملكة الجزيرة.. ثم المرأة والغناء بعدها المرأة في الإسلام، المرأة والقرآن، وتعدد الزوجات.. قضايا الحجاب- مراحل ما بعد صدر الإسلام- الإرث. وضع المرأة في المجتمع الإسلامي.. المرأة في العصر الحديث، وتطور الحركة النسائية.
في كتابه علاقة الثقافة بالسياسية عاد إلى أصل الكلمتين السوس وهو الرئاسة، والأديب من أدب وهو الدعاء، والنداء. أشار إلى أن «المثقف يمكن أن يكون أديباً إذا تمتع بالأخلاق الواجبة في الأدب» يشير إلى أن طغيان الغنى ومساحة الفقر هي نتائج طبيعية لتدني الثقافة.. المجتمعات التي سادت فيها الاستهلاكية، ومساربها لن يكون فيها دور للثقافة… الجميع مشترك فيما آلت إليه الحالة الثقافية… الكثيرون لا يزالون على ما كان عليه «أجداد الأجداد» في الأسطرة، والشفويات الفارغة، بهذه اللغة، والهمة النقية يتحدث عن الثقافة، وهمومها، وضرورة إعادة ألقها، فلا سياسة بلا الثقافة الأصيلة، وقيمها، ذكر أعلاماً في الثقافة من: كونفوشيوس، وبوذا إلى امرئ القيس، وعلي، والمتنبي، وأبي العلاء، وغيرهم إلى بدوي الجبل، ونديم محمد.. ونزار قباني، وطه حسين، وشوقي، وحافظ… إلخ، وأنهم وآخرين أقمار أضاؤوا ظلمات العقل العربي.
في اشتغاله الأدبي كان مؤلفه الكبير: (نديم محمد فارس لن يترجل) بلغ عدد صفحاته أربع مئة وخمسين صفحة بحكم قربه من نديم محمد في طرطوس عرف عنه ما لم يعرفه الآخرون.
قدم في مؤلفه هذا الهم الوطني والقومي عند نديم محمد، وخيبة الأمل القومي لديه، ووقف عند القمة الشعرية الإبداعية وهو ديوان «آلام» فقسّمه إلى ثلاث مجموعات، وما حوته كل مجموعة من الأناشيد، وتاريخ صدورها. أشار للإبداع الاستثنائي في ديوان «آلام» فصّل د. عمران في دراسة «آلام» ووقف عند طاقات مختارة مما حوى من شعر، وخاصة النشيد الثالث وذهاب الحبيبة لغيره، تطرق لعلاقة نديم بعبد الناصر، وكيف مدحه وهجاه وعندما رحل عبد الناصر رثاه، وشعر بالفراغ القومي.
تحدث د. عمران عن الكبرياء والخمرة في شعر نديم محمد، وعن الريف والقرية في شعره، عن لبنان، وعن فلسطين، قارن بين قصدة «نديم» صمتُ الرعود في رثاء عبد الناصر وقصيدة الجواهري في رحيل عبد الناصر، قارن بين كافور وفرعون لبدوي الجبل وقصيدة فرعون لنديم محمد، كتاب يستحق القراءة والوقوف.
برحيل أحمد عمران فقدت الساحة الأدبية السورية أحد أعلامها، وقاماتها الكبيرة، لم تنل أعماله ما تستحق من الدراسة والتعريف شأن كل الكبار الذين لم ينالوا المطلوب من الدراسة من ساطع الحصري إلى قسطنطين زريق وزكي الأرسوزي وبدوي الجبل ونديم محمد وسليمان العيسى وعمر أبو ريشة وشفيق جبري ورضا رجب وحامد حسن وغيرهم من الكبار.
كان د. عمران جاداً ودؤوباً ويحترم عامل الزمن، كان لافتاً في تمكنه اللغوي والقاموسي.
وداعاً يا «أبا منذر» أنت في الذاكرة والوجدان، وفي رقم الكبار من الأصدقاء على قلتهم، آخر صوت لك يرن في أذني كان يوم عيد الأضحى 10 ذي الحجة عندما صبحتك معايداً، وطالباً لك العمر المديد، لكنه القدر، وفلسفة الحياة في الولادة والموت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن