اقتصاد

«السوري الاجتماعي» يرسم خريطة من 19 مبادرة لعبور «الإصلاح الإداري» إلى النجاح: إعادة هيكلة الحكومة.. وربط الرواتب بالإنتاج ودمج هيئة التفتيش بجهاز الرقابة المالية.. وإحداث وظيفة أمين عام وزارة

| الوطن

حدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي موقفه وموقعه حيال مشروع الاصلاح الإداري الوطني الذي أطلقه رئيس الجمهورية بشار الأسد في حزيران الماضي وذلك عبر رؤية مفصلة (حصلت «الوطن» على نسخة منها) انطلقت من اعتبار أن المشروع يقوم بشكل رئيس على مبدأ إسناد عملية الإصلاح إلى الجهاز الإداري الحكومي وإداراته ومؤسساته كي يقوم بإصلاح ذاتي عبر معادلة تفاعلية مستمرة طرفها الثاني عملية (قياس وتقييم ودعم) تحفزه لوضع البرامج التفصيلية، وصياغة الإستراتيجيات وتحديد البدائل، مبينةً أن هذه الأسلوب في الإصلاح الإداري هو الأكثر ملاءمة لحال الدولة السورية التي تضررت مؤسساتها وبنياتها التحتية كثيراً في سنوات الحرب والتي مع ذلك قد أبدت خلالها صموداً وتماسكاً مكنها من الاستمرار في تقديم خدماتها للمواطنين. وبالتالي فهذا الأسلوب ليس مكافأة لها بل لتجنيب مؤسساتها أي اهتزاز أو فراغ قد يسببه أسلوب آخر في الإصلاح.
الرؤية التي حملت توقيع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين جوزيف سويد أكدت أن الحزب إذ يضع رؤيته حول عملية الإصلاح الإداري، إنما يعبر عن دوره وحرصه على إنجاحها وعلى إعادة بناء الدولة السورية بصورة عصرية.

19 مبادرة
وحدّد الحزب في «رؤيته» مجموعة من المقترحات كي يحظى الاصلاح الإداري بفرصته للنجاح، حيث يجب توفير بيئته المناسبة المتمثلة بشكل رئيسي بالشفافية وسيادة القانون وأن ترافقه، في الحد الأدنى، مجموعة من المبادرات والتدخلات (19 مبادرة)، تمثلت بإحداث مكتب مؤقت بكادر متخصص يرتبط برئيس مجلس الوزراء خاص بمتابعة المشروع الوطني للإصلاح الإداري ورفع تقارير شهرية وتقارير عند الحاجة لرئاسة المجلس، تنشر للعموم كخطوة أولى في تعزيز الشفافية بين المواطن والحكومة. وإحداث نظام الوسيط الجمهوري. الذي يتولى المساعدة على حل المشاكل بين المواطن والإدارة الحكومية ما يسهم في تمكين سورية من منظومة حقوقية وطنية حديثة ومتناسقة.
إضافة إلى إطلاق حملة إعلامية تواكب تطبيق المشروع موجهة بشكل أساسي للمواطن هدفها توضيح كيفية تفاعله وتواصله مع المشروع، وليس الترويج للمشروع بحد ذاته، وذلك لحمايته من تفريغه من مضمونه وجدواه ونزاهته، على أن تكون هذه الحملة بعيدة عن تنظير خبراء الإدارة ومنظري الإصلاح الإداري ومستعرضي التجارب الدولية. لأن المواطنين العاديين، وهم أكثرية الشعب والمعنيون بأي إصلاح، ليسوا بحاجة إلى الاطلاع على نظريات الإدارة والإصلاح الإداري وتجارب الدول الأخرى فيها، بل جل ما يهمهم هو حكومة رشيدة تقدم لهم الخدمات ومتطلبات حياتهم ومستقبلهم.
كما اقترح إعادة هيكلة الحكومة من خلال تحليل هيكلها الإداري والوظيفي والجهات التابعة لها، للتوصل إلى هيكل يقوم على تصنيف المصالح العامة الرئيسية في الدولة يراعي متطلبات المرحلة الحالية ومرحلة إعادة البناء، بما يسمح باتخاذ قرارات أكثر صحة في الدمج والفصل والإحداث والإلغاء في مختلف المستويات، ورسم الأدوار والوظائف التي تقوم بها، للوصول إلى حكومة رشيقة ومرنة تمارس دورها في رسم السياسات العامة ووضع الإستراتيجيات بعيدة المدى، وتقرير التوافق الشكلي والنهج المشترك لتنفيذ الإستراتيجيات والخطط، وممارسة وظيفة التقييم والمتابعة، والتشريع والإنفاذ والتنظيم، في حين تسند المهام والوظائف التنفيذية والتعامل المباشر مع المواطنين إلى الهيئات والمؤسسات التابعة لها.
وتضمن الرؤية أيضاً مقترحات بإعادة النظر في التدخلات في عمل الحكومة وصيانته، وجعل العلاقة مباشرة بينها وبين رئاسة الجمهورية، مع الأخذ بالحسبان علاقتها مع السلطة القضائية والرقابية التي تحددها القوانين والأنظمة. وإحداث وظيفة أمين عام وزارة تطل الوزارة من خلاله على المواطنين، ولضمان استمرارية تحقيق أهداف الوزارة في حال أي تعديل وزاري. ووضع قانون حرية الوصول إلى المعلومات في إطار نظام المواطن المراقب يقضي، فيما يقضي، نشر الحكومة تقريراً سنوياً عما أنجزته في مجال كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني، ونمو كل محافظة من المحافظات. ما يزيد في ثقة المواطن في الحكومة.
إضافة إلى وضع نظام خاص لإسناد الوظائف الإدارية العليا يقوم على معايير الكفاءة والجدارة العلمية والمهنية والإدارية وأخلاقيات العمل، واستخدام أساليب متطورة في تقويم المرشحين واختيارهم، على أن يكون التعيين في هذه الوظائف لمدة محددة. ووضع وتطبيق نظام عادل للترقية في الوظيفة العامة (المسار الوظيفي) وربطه (بالمسار التدريبي) حيث تراعى الكفاءة والنزاهة والقدرة على تطوير الذات وتطوير العمل، والأخذ بنظام تدوير الوظائف. وتفعيل دور المعهد الوطني للإدارة العامة للاستفادة من مخرجاته في اختيار القيادات الإدارية في إطار تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري. وتعديل بعض القوانين الناظمة لعمل الإدارة العامة وإعادة النظر في بعضها الآخر، وبشكل خاص القانون الأساسي للعاملين في الدولة- القانون المالي الأساسي- نظام العقود، بحيث تراعي هذه القوانين خصوصية كل قطاع من القطاعات الحكومية.
كما اقترحت الرؤية تطوير آليات العقود والمشتريات الحكومية بأشكالها المختلفة /التوريدات والأشغال والبرمجيات والخدمات والأعمال الاستثمارية.. / بما يزيد في شفافيتها لسد أية ثغرات يمكن أن يتسلل إليها الفساد. وتحديث الهياكل التنظيمية للوزارات والجهات الحكومية وأنظمتها الداخلية وتوصيف الوظائف ومتابعة تطبيقها وتوفير الظروف ومتطلبات ذلك. وإعادة هندسة الإجراءات لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ووضع أدلة واضحة للعمل ونشرها، واستكمال تنفيذ مشروع الحكومة الالكترونية ونظام النافذة الواحدة لتحسين خدمة المواطن والحد من الفساد. وإيلاء القضاء اهتماماً استثنائياً خلال فترة تطبيق الإصلاح الإداري وتحصين القضاة معنوياً ومادياً، في إطار سلطة قضائية مستقلة وقوية ونزيهة وحمايتها من المؤثرات التي تضعف عملها والتزام السلطة التنفيذية باحترام أحكامها.
إضافة إلى وضع نظام للرواتب والأجور للعاملين في الدولة يقوم بشكل أساسي على ربط الأجر بالإنتاج لجعله أكثر عدالة وأكثر انسجاماً مع طبيعة كل قطاع من قطاعات الدولة، بما يزيد من قدرة المواطن السوري على الصمود. ووضع نظام شكاوى فعال في جميع الجهات العامة وتطبيق نظام المواطن المراقب لتحسين ثقة المواطن بالحكومة. ونشر المفهوم الحديث لإدارة الموارد البشرية في الوزارات والجهات الحكومية جميعاً ومساعدتها على إحداثها وتأهيل الكوادر الكفؤة لها ضمن برنامج حكومي خاص. وأخيراً، دمج الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالجهاز المركزي للرقابة المالية في هيئة واحدة، وذلك للتخفيف من الأعباء الإدارية والمالية، حيث يناط بالهيئة الجديدة دور الرقابة بنوعيها الإداري والمالي.
ونوّهت الرؤية بأن هذه المبادرات والتدخلات ليست جميع مكونات الإصلاح الإداري المنشود وإنما هي الأهم. آملين أن تساهم هذه الرؤية في نجاح هذا المشروع الوطني المهم الذي يسهم في تعافي سورية ونهضتها.

منطلقات
أشارت الرؤية في مستهلها إلى أن الحزب يأخذ بالحسبان المشهد العام في سورية بجميع ظواهره التي يمكن تصنيفها على نوعين:
– مظاهر نجمت عن الحرب ومفاعيلها كظاهرة الفقر والعوز وغيرها والتي تزداد عمقاً وانتشاراً يوماً بعد يوم، ما قد يخلق حالة من الاحتجاج الصامت الذي يمكن استثماره في لحظة سياسية مناسبة لتحقيق أجندات معادية.
– مظاهر أسهمت الحرب في تعميقها وتفشيها كظاهرة الفساد التي تستنزف الإمكانات والموارد الوطنية العامة والخاصة بعد أن وصلت (هذه الظاهرة) إلى ما يمكن تسميته بالفساد المنظم الذي يتحرك وفق قواعد ومفاهيم تتناسل وتتكاثر لتبدع أشكالاً وأنواعاً مبتكرة من الفساد حتى غدت نهجاً معتمداً يعشش في النفوس ويتحكم بالضمائر في مختلف المستويات سواء في الجهاز الحكومي أم على المستوى الوطني العام.
من هنا فإن الإصلاح الإداري يحتل موقعاً مهماً في مشروعنا الوطني الكبير المتمثل في (إعادة البناء). ويؤكد الحزب هنا أهمية مفهوم (إعادة البناء) لما يختزنه من طيف واسع من المدلولات التي تطول الدولة والمجتمع والإنسان والبنى التحتية، في حين يقتصر مفهوم (إعادة الإعمار) على البنى التحتية. والبون شاسع بين المفهومين.
إن أهمية الإصلاح الإداري تنبع من مبدأ أن الإدارة هي وظيفة الوظائف، وأن الإدارة السليمة هي الإطار المتين الذي يمكن الحكومة من مواجهة تحديات مرحلة إعادة البناء، ويشكل مدخلاً يسهم، في الحد الأدنى، في احتواء ظاهرة الفساد وتحجيمها والحد من تفشيها.
ولا شك بأن الفساد هو ظاهرة متعددة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية – التربوية ما يعني عدم جدوى الاقتصار على معالجة نتائجها وتجلياتها التي تطفو على السطح فقط، بل باجتثاث جذورها وتجفيف منابعها. وبالتالي فإن الإصلاح الإداري، كعملية معزولة ومستقلة، لا يشكل حلاً جذرياً لهذه المسألة إذا لم يأتِ في سياق إصلاح شامل يتناول الإصلاح السياسي والقضائي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي للوصول إلى دولة قوية ومجتمع سليم معافى.
غير أن الأساس المتين الذي تبنى عليه جميع تلك الإصلاحات والضامن الحقيقي لنجاحها وفلاحها على المدى البعيد هو بناء جيل جديد من السوريين مآله إنسان مفعم بالحس الوطني والوجدان القومي يحرص على أن «يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته وأمته، ويزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه» وهذا ما يحتاج إلى مشروع وطني مستمر ومستدام للإصلاح التربوي والثقافي يعنى بالنشء منذ سنواته الأولى في الأسرة والمدرسة.

معاناة الإدارة العامة
بيّنت الرؤية أن الإدارة العامة عانت ولا تزال من مجموعة مشكلات ونقاط ضعف تتلخص بتقادم هيكل الحكومة وهيئاتها ومؤسساتها وتضخمه، وضعف التنسيق والتناغم بين مكوناتها، ما يشير إلى غياب التوافق الشكلي والنهج المشترك في عملها كمؤسسة واحدة تسير وفق إستراتيجية واحدة واضحة. فالدولة، على سبيل المثال، ركزت خلال فترات سابقة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارات وأهملت تنمية الإدارة لذلك لم تستطع الإدارة العامة ومؤسسات الدولة القيام بأعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأمين استدامتها. إضافة إلى عدم وجود خطط شاملة لإعادة هيكلة الحكومة، والاقتصار على إجراءات ترقيعية في الدمج أو الإلغاء أو الفصل أو الإحداث، وانخفاض جودة الخدمات المقدمة للمواطن ما أدى لعدم رضاه وضعف ثقته بالحكومة، وغياب أنظمة الأجور العادلة والمحفزة للعاملين في القطاع الحكومي وعدم مراعاة الطبيعة الخاصة لكل قطاع على حدة، حيث تفاقمت هذه المشكلة أثناء الأزمة نتيجة الارتفاع الكبير لتكاليف المعيشة والانخفاض الحاد للقوة الشرائية لدخل الأسرة ما زاد في حجم الفساد وفي ضعف تحفيز العاملين على أداء واجباتهم في الوظيفة العامة، وعدم وجود نظام ومعايير موضوعية واضحة ومعلنة لإسناد الوظائف الإدارية العليا، ما أدى إلى ظاهرة وصول أشخاص غير كفوئين إلى تلك الوظائف عبر علاقات سياسية أو شخصية ما أدى إلى ضعف أداء المؤسسات وتجيير نسبة من المصلحة العامة لخدمة تلك العلاقات.
ومن نقاط الضعف أيضاً تقادم بعض القوانين الناظمة لعمل الإدارة الحكومية مثل: القانون الأساسي للعاملين في الدولة، نظام العقود الموحد، النظام المالي الأساسي، والتي تشترك جميعها في مشكلة واحدة هي كونها (موحدة) ولا تأخذ بالحسبان الطبيعة الخاصة لكل قطاع حكومي على حدة، وتقادم الهياكل التنظيمية والأنظمة الداخلية وتوصيف الوظائف لمعظم الوزارات والجهات الحكومية، وغياب وظيفة إدارة الموارد البشرية بمفهومها الحديث والاقتصار على إدارة شؤون العاملين بمفهومها التقليدي المتآكل. إضافة إلى غياب التنمية المتوازنة المستدامة، سواء على صعيد المركز أو المحافظات أو المدن أو الأرياف ما خلق حالة من عدم التجانس الاجتماعي وانعكس اضطراباً وخللاً في صحة الانتماء والمواطنة، والوهن والفساد الذي أصاب مؤسسة القضاء، والذي أدى إلى انتشار ظاهرة خرق القانون في مؤسسات الدولة، وبروز ظواهر اجتماعية جديدة وغريبة لا عهد للسوريين بها وهي بعيدة كل البعد عن ثقافة وقيم المجتمع السوري العريق.
وغير ذلك من المشكلات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن