قضايا وآراء

على أبواب مؤتمر سوتشي.. ماذا يريد السوريون؟

| بسام أبو عبد الله 

أعلنت موسكو عن توجيه الدعوات لطيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية والدينية والاقتصادية، لعقد مؤتمر حوار وطني شامل في 18 تشرين الثاني 2017 في مدينة سوتشي على البحر الأسود، للاتفاق على الخطوط العريضة لملامح سورية المنتصرة على الإرهاب وداعميه، وعلى الفوضى الصهيوأميركية ومروجيها ومنفذيها، وعلى ثقافة التكفير والإقصاء ممثلة بداعش وجبهة النصرة، وغيرها من منتجات الوهابية.
الحديث يجري عن أكثر من 33 فصيلاً سياسياً، وقوى مجتمعية معظمها آتٍ من الداخل السوري، وهي معادلة سياسية جديدة تتجاوز جنيف، ومسرحياتها التي كانت تريد أن تحصر المعادلة السياسية المستقبلية بين الحكومة السورية الشرعية، وبين واجهات إقليمية ودولية «تحمل للأسف الهوية السورية» بأسماء معارضة شكلانية تعمل بالدولار، وبالتوجيه الأميركي الغربي، بهدف رسم معادلات داخلية تتحول إلى شبه أعراف سياسية تفرض شخصيات، ومحاصصات هي قنابل موقوتة داخل النظام السياسي، تُفجر عن بعد متى أراد صانعها ومشغلها أن يفعل ذلك، أي نموذج قريب للعراق أو لبنان، ولكن الإدارة السياسية والدبلوماسية السورية البارعة، عطلت وفككت هذه القنابل الموقوتة واحدة تلو الأخرى في كل جولة من جولات جنيف ليتحول «جنيف» ومساره إلى غرفة الإنعاش، بعد أن تجاوزت التطورات الميدانية والعسكرية كل الخطوط الحمراء التي رسمها الأميركي، وتحول الأمر إلى إرباك وإرتباك نلحظه ونراقبه في تصريحات واشنطن المتخبطة والمتناقضة، والتي تدلل على أن القطار تجاوزها بمحطات كثيرة، وأن أوراق اللعب لديها أصبحت محروقة وغير قادرة على تغيير المشهد الاستراتيجي الجديد المتمثل بهزيمة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي مثلت أدوات العدوان، وتحول مواقف الكثير من الدول التي انخرطت في العدوان بتكليف أميركي.
إن مؤتمر سوتشي سوف يُظهر ضحالة المعارضات الخارجية أمام المكونات الواسعة للشعب السوري، وسوف يُسقط عنها ما أسمته «الشرعية الدولية» التي صنعت بالمال الخليجي، وليس بقوة وإرادة الشعب السوري، ويخرج الحل السياسي والرؤية المستقبلية لسورية، من أدراج المخابر الاستخبارية الغربية التي أرادت أن تركب لنا نظاماً سياسياً على قياس مصالحها، إلى أيدي السوريين أنفسهم الذين لهم وحدهم حق تقرير مصيرهم بأنفسهم وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وكل القرارات الدولية التي صدرت بشأن سورية خلال السنوات الماضية.
لنطرح سؤالنا بصراحة بالغة أمام جموع السوريين الذاهبين إلى سوتشي: أي سورية يريدها أبناء هذا الوطن وأي أسئلة وقضايا يجب أن تطرح، وأي رؤى مستقبلية يجب أن نضعها أمامنا كي لا يتكرر ما حصل في بلدنا مرة أخرى، وكي لا يتحول جزء من شعبنا مرة أخرى مطية للخارج ضد وطنه، وشعبه فيدمر بلده بيده، ثم يجلس على الأنقاض يندب فشله وتشرده وخيبته، بعد أن استخدمته كل أمم الأرض بطريقة مهينة، ووضيعة لتحقيق مصالحها، وليس مصالحه!
ولأن الأسئلة كثيرة والقضايا عديدة، سأحاول التطرق إلى أهمها بجرأة، ووضوح شديدين:
1- سورية الهوية والانتماء: هي قضية جوهرية، وأساسية ذلك أن محاولات كثيرة جرت لاستلاب هوية سورية العروبية وسرقتها، وتحويل الأنظار صوب المذاهب والطوائف والاثنيات، وهنا من المهم التأكيد على العروبة كوعاء ثقافي حضاري يساهم به كل أبناء سورية، كما ساهم به الكثيرون عبر التاريخ.
2- سورية العلمانية: وهي قضية تحظى بنقاش واسع في الشارع السوري منذ زمن طويل، ولكن العلمانية التي نتحدث عنها ليست تلك العلمانية المغرقة بالمادية، وإنما العلمانية التي تؤكد فصل الدين عن مسائل الدولة والحكم، وليس فصل الدين عن المجتمع، بحيث تتحول الدولة إلى حامٍ للأديان والمعتقدات لكل مواطنيها، ولا يتحول الدين إلى أداة في السياسة، وإنما يبقى الدين رافعة أخلاقية للمجتمع، وعاملاً دافعاً للتمسك بالوطن والدفاع عنه.
3- الدستور ونظام الحكم: إن أكثر دستور تم البحث فيه في مراكز البحوث في الشرق والغرب ودولٍ في المنطقة والعالم، هو الدستور السوري، ولأن سورية ليست بلداً بلا دستور فيجب التعاطي والاستناد إلى دستور عام 2012 إلى حين إنتاج تعديلات يتفق عليها من خلال لجنة وطنية متخصصة تكلفها حكومة سورية موسعة لإنجاز ذلك.
إن التوازن بين سلطات رئيس الجمهورية ومجلس الشعب والسلطة القضائية، هو أمر مطلوب في المستقبل، ولكن بهدف تحسين الأداء على مستوى الدولة، وخدمة المواطن السوري، وليس بهدف تشكيل مراكز قوى، وتوازنات معينة كما كانت تبحث عن ذلك بعض القوى الخارجية، ولذلك أستطيع أن أقول إن المطلوب في هذا المجال نقطتان أسياسيتان تشكلان مفتاحاً للمستقبل:
أ- دولة المواطنة أي حقوق وواجبات من دون تمييز.
ب- تطبيق القانون من دون تمييز بين المواطنين.
جـ- الثواب والعقاب أي مكافأة المسؤول الذي يحقق إنجازات، ومعاقبة المسؤول المقصر والمهمل والفاسد، وذلك لأننا حتى الآن ما زلنا نرى أن عقوبة الفاسد هي بإخراجه من منصبه «وكفى المؤمنين شر القتال»!
د- تطبيق نظام اللامركزية الإدارية الذي صدر قانونه عام 2012، ولم يقرأه كثيرون لأن البعض لا يريد أن يقرأ، ونظام اللامركزية الإدارية، صلاحيات ومصادر تمويل للبلديات، سوف يساهم كثيراً في تحسين فرص المشاركة الشعبية وتحقيق تنمية سريعة بشكل أفقي، وخلق تنافس إيجابي لخدمة المواطن والمدن والبلدات، ما سيريح كثيراً السلطات المركزية، ويطلق المبادرات، والعمل الإبداعي والتميز، ويحمل المسؤوليات التي كانت تُلقى تارة نحو الأدنى وتارة نحو الأعلى.
4- تقديم مقاربة جديدة لفلسفة المنصب: أي إن شغل أي مواطن سوري لموقع المسؤولية يجب أن ينظر إليه على أنه ليس شركة خاصة للمسؤول وأبنائه وعائلته، بل هو موقع لخدمة الناس والمواطنين، وهو ما يتطلب بذل كل الجهود من أجل ذلك الهدف، وليس من أجل المصالح الشخصية.
5- اعتبار الإعلام والثقافة والفن والرياضة والمسرح والمدارس والجامعات والبحث العلمي، من الروافع الأساسية لنهوض سورية المستقبلي وأحد عوامل القوة المستقبلية.
إن خلاصة التجربة المرة للسنوات السبع العجاف تقول لنا: إن المتآمرين علينا لن يتوقفوا عن تآمرهم حتى في المستقبل القريب والبعيد، والحل الوحيد أمامنا هو استعادة عافيتنا أولاً، وتعزيز عوامل القوة الداخلية التي هي أساس للمواجهة في المستقبل، والأهم تعزيز عوامل النهوض الأخلاقي، لأننا يجب أن نعترف أن لدينا انهياراً أخلاقياً كبيراً لابد من معالجته كي لا تبقى النظرة للوطن كمزرعة أو بنك أو مصدر للنهب والفساد، وإنما رمز للعزة والانتماء والكرامة والحرية، ومن دون وحدتنا كسوريين لا إمكانية لتحقيق هذه الأهداف.
سورية بلد عظيم جداً ومدرسة للعالم أجمع في الصمود والتضحية والفداء، فلنكن جميعاً أمينين على دماء الشهداء والجرحى، وأمينين على الثكالى واليتامى، وهذه الأمانة تحتاج إلى أخلاق عالية جداً كي تدرك أن بناء مستقبل زاهر يحتاج إلى وطنيين مخلصين مؤمنين ومبدعين في ابتكار الحلول للمشاكل، وليس متسببين في صنع المشاكل، والتاريخ دائماً لا يحترم إلا الأقوياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن