اقتصاد

جماعة «لا غير»!

| علي محمود هاشم 

أيلول الماضي، تناول رئيس مجلس الوزراء ترهل قطاع التأمين وفساده، قبل أن يحذو وزير المالية حذوه مفنداً أسباب تراجع أرباح الصحي على خلفية نماذج فساد جليّة.
مذاك، لم يألُ المؤتمنون الرسميون على القطاع جهداً للامتثال لرغائبهم بالبحث عن مصادر ربح جديدة للمشغلين في جيوب المؤمن عليهم.. «مدير الصحي» في السورية للتأمين، ذهب إلى اقتراح شركة مشتركة لجميع اللاعبين، وفرض ضريبة 2 بالمئة على المؤسسات العامة، وزيادة الاقتطاع للموظفين من 3 آلاف ليرة سنوياً إلى 9 آلاف ليرة… «فقط لا غير»، كما أكد!
المدير الصحي، اقترح استضافة وليده التشاركي في المساحات الفارغة ضمن بناء مؤسسته!.. منابع الفراغ هذه، قد تفسر جداً ضحالة مقترحه «فقط لا غير» الذي لا يبدو عفويا، فرئيس هيئة الإشراف على التأمين مثلاً، ذهب إلى تبجيل مخرجات ملتقى التأمين «الوطني» الأخير، كـ«فرصة لتبادل الأفكار»، وفي الحقيقة، لم نسمع منه سوى فكرة وحيدة بـ«إعادة تسعير المنتج الصحي»!.. الفكرة هذه، يمكن تمديدها إلى جانب «ومضة مدير اللاغير» ذاك في «المساحات الفارغة» تلك.
الذهاب في الاتجاه الخطأ مورّثة أصيلة في مؤسساتنا، هكذا، وخلال شهرين مما قاله رئيس مجلس الوزراء بضرورة «تقديم خدمات «صحية» نوعية لموظفي الدولة تناسب دخلهم وتخفف ظروفهم الصعبة»، طفق ناشطو القطاع الرسميون «ينسجمون» مع الأمر وفق طريقة الخطف خلفاً: تحسين أرباح المشغلين على نفقة موظفي الدولة!
من حيث المبدأ، جماعة الـ«لاغير» هؤلاء تحكمهم نظرة بليدة مفادها أن قطاع التأمين يجب أن يربح بنهمٍ حتى في الحروب، في الواقع، رغم فرادة هذا التصور عن نوع استثماري يتعاطى المخاطر، فلا يجوز الذهاب إلى تجسيدها بتوزيع الهالات النورانية على المشغلين والمنظمين وفاسدي السورية للتأمين «السابقين على ما وصفهم رئيس مجلس الوزراء»، بل بدفع اللاعبين لضبط الممرات التي يقطعها الفساد وترميم ما تكرسه التشريعات القاصرة في هذا الشأن.
وزير المالية الذي أكد مرارا أن «قطاع التامين رابح إذا أحسنت إدارته» بعيداً عن «التواطؤ الشغّال»، يحاكي ما ذهبت إليه إحدى الشركات المشغلة بانتقادها لغياب الأتمتة الخلفية ودورها في تخليق 30 بالمئة من سوء الاستخدام بين بعض أطراف العملية التأمينية.. لو كانوا جماعة «لا غير» أنفقوا قليلاً من مساحات وقتهم بتشجيع المشغلين على الأتمتة، لا التنقيب عن أموال جديدة في جيوب المؤمن عليهم، لكانوا وفروا مليارات الليرات بتقليص أكثر من 15 بالمئة من التعويضات التي تُدفع لسوء الاستخدام.
بحسابات بسيطة للعوائد الممكنة، يمكن التيقن من أن أقساط المؤمن عليهم بريئة من دم إخفاق التأمين الصحي، وأن ما يقال خلاف ذلك، هو مجرد زقزقة بليدة، ترتد شجية بمساندة من صدى المساحات الفارغة في مكاتب السورية للتأمين!
ضبط التلاعب من مسؤولية المنظمين والمشغلين، حفاظا على أرباحهم، لا علاقة للزبائن بالأمر، وعلى مؤسسات الحكومة ممن يشغل مكاتبها «ذوي دخل محدود» من طراز مختلف، الكف عن عادة نصب خيمة دائمة في جيوب الموظفين كلما استلزم الأمر إصلاحاً مالياً ما، فهؤلاء لم يعد لديهم ما يرفون به الكسل الإبداعي والتسويقي لدى السورية للتأمين وشركاها وحياءها من الطلب إلى المشغلين توظيف التقانات لخفض الكلفة الباهظة لسوء الاستخدام نحو حدوده الطبيعية، فالموظفون الذين ذهبت الحرب بنحو 90 بالمئة من قدرة أجورهم، لا طاقة لهم على تلطيف منعكساتها النقدية على أرباح الشركات بتدفيعهم 200 بالمئة زيادة على أقساطهم!.
إن وقع الأمر الأخير، وذهبت الحكومة إلى اعتماده، فستؤكد حينها إصرارها على استنباط النسخة الأسوأ من إستراتيجيتها المتحذلقة بإصلاح المالية العامة على حساب ذوي «الظروف الصعبة»، فهذه المرة ستمد يدها لإعفاء الشركات العامة والخاصة من تكاليف إصلاح ذاتها، وما لم تستحسن صورتها هذه في أذهاننا، فعلى رئيس المجلس المضي في وعوده بالتطهير الفكري لقطاع التأمين.. وإلا فالتحضر لنقل عموم الموظفين إلى المساحات الفارغة في السورية للتأمين لمساعدتهم في الانتصار على صعوبات العيش بقهر «الكيف» الذي كرسته الحرب تردياً في قدرة رواتبهم «كمّياً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن