من دفتر الوطن

خطوط حمراء!

| عصام داري 

هي صاحبة الجلالة، والسلطة الرابعة، ومهنة البحث عن المتاعب، وربما لها تسميات أخرى، لكنني شخصياً أميل إلى تسميتها: «مهنة التعتير»!
لا أظنني أظلم الصحافة وأقلل من شأنها، وخاصة أنني ابن هذه المؤسسة الكبرى وأمضيت في بيوتها وأكواخها وقصورها ثلاثة أرباع عمري، لكنني لا أستطيع مجاملتها وأخون قناعاتي لأن ذلك يدخل في باب التضليل.
أتمنى أن نكون شفافين عند الحديث عن موضوعات على جانب كبير من الأهمية، كالصحافة الوطنية، الرسمية والخاصة، وأي مواربة تعني استمرار الوضع على ما هو عليه!
يتداول الجسم الصحفي بشكل دائم بعض أحاديث عن براعة وذكاء وإمكانيات الصحفي السوري، ويستشهدون على ذلك بالنجاح والتفوق والتألق الذي يحققه الصحفيون السوريون في الخارج، وخاصة في دول الخليج العربي، ويتندرون بأن بعض من ذهب إلى دول الخليج لم يكن له أي موقع أو تأثير عندما كان يعمل في وسائل الإعلام السورية، وأنه لو استمر في سورية ألف عام لما استطاع تحقيق ما حققه في دول الاغتراب، في الشرق والغرب.
بغض النظر عن دقة هذه الأحاديث أو افتقارها إلى الأدلة، فإنها تعكس حال الصحفي السوري الذي يشعر بالغبن والظلم وعدم توافر الفرص ليقدم نفسه كما يجب، ويعبر من خلال وسائل الإعلام، من دون عقبات وخطوط حمراء.
الخطوط الحمراء من أكبر المشاكل التي تواجه الصحفي، وأحياناً تحصل خلافات حول تحديد ما الخطوط الحمراء، والإجماع على عدد محدد من تلك الخطوط التي ممنوع تجاوزها تحت طائلة المحاسبة والمساءلة الشديدة، والعقوبات.
ثم يجب أن نعترف بأننا نفتقد النجم في الإعلام، على غرار النجم الفنان أكان ممثلاً أم مطرباً أو ملحناً، وفي الدول المتقدمة في الإعلام ستجد أسماء الكثير من النجوم الذين ارتبط اسمهم بزاوية أو تعليق أو برنامج، وعلى سبيل المثال ارتبطت زاوية «بصراحة» باسم الراحل محمد حسنين هيكل، حتى في سورية خلال خمسينيات القرن العشرين الماضي ارتبط اسم بعض الكتاب والصحفيين بزوايا معينة.
ولا أقصد هنا فقط أن الكاتب أو الصحفي الفلاني يكتب زاوية كذا.. بل أقصد أن هناك من ينتظر الصحيفة أو المجلة ليقرأ ما كتبه هذا الإعلامي أو الأديب.
مثل هذا الأمر حدث مع بدايات صحيفة تشرين عندما كان يكتب الراحل محمد الماغوط وزكريا تامر وبالتناوب، زاوية «عزف منفرد» في الصفحة الأخيرة، وكان القراء يقبلون على قراءة هذه الزاوية بشغف، وكذلك زاوية «يوميات نزقة» للراحل الدكتور غسان الرفاعي وزاوية «أيام» للأديب عادل أبو شنب، وغيرها.
الإعلام – كما يقال– سلاح في المعارك لا يقل أهمية عن المدفع والبندقية، وقد رأينا كيف كانت الحرب على سورية خلال السنوات الماضية تعتمد على الإعلام التضليلي الذي استطاع فعلاً أن يزيف الحقائق ويشوهها، وساهم في إراقة دم السوريين بشكل كبير.
معاركنا كثيرة وقد لا تنتهي، لكن باختصار وبكل الموضوعية والشفافية يجب علينا الاعتراف أننا لم نتقن استخدام هذا السلاح، ومن دون الدخول في التفصيلات أرى أن المطلوب هو: القليل من الخطوط الحمراء، والكثير من شوارع الحرية الصحفية، ويفضل أن تكون أوتوسترادات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن