الأولى

أوراق اعتماد

| وضاح عبد ربه 

ليس بجديد الحديث عن العلاقة بين آل سعود وإسرائيل، وليس بجديد العداء السعودي لإيران الذي بدأ مع تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيامها بإنزال العلم الإسرائيلي واستبداله بالعلم الفلسطيني في طهران، وليس بجديد كل هذا التهويل والتهديد والوعيد السعودي للبنان لابتزازه وإخضاعه.
الجديد في تطورات المشهد، هو ذاك العهر السياسي الذي يمارسه آل سعود علناً وجهاراً وبلا خجل أو رادع أو خوف في احتجازهم لرئيس وزراء دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة.
الجديد هو أن تعلن السعودية الحرب على لبنان وهي لا تزال غارقة في وحل حربها على اليمن وقتلها لعشرات الآلاف من الأبرياء والأطفال بصواريخ أميركية الصنع.
الجديد أن يتحدث آل سعود عن السيادة والاستقلال وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومنع التدخل في شؤون الدول، وهم متهمون بخطف سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته، لا بل يتفنّنون في البحث عن بديل عنه، وكأن لبنان صك ملكية ولا صوت ولا رأي لشعبه!
من أين أتى كل هذا العهر؟ ولماذا الآن؟ وماذا يريد آل سعود من لبنان؟
كثيرة الأسئلة التي تطرح في الشارعين اللبناني والسوري أيضاً، وكثيرة الأجوبة والتحليلات والتهويلات، بين من يسمع طبول الحرب تقرع ومن لا يسمعها ومن يرجح حدوثها أو يستبعدها.
بكل تأكيد لن تتردد السعودية في استهداف لبنان وحزب اللـه تحديداً، لو أتيح لها الفرصة لذلك، لكن هذه الفرصة غير متاحة الآن ولا في المستقبل القريب أو البعيد، فقبل أن تفكر المملكة في شن أي عدوان عسكري جديد، عليها أن تنتهي من حربها على اليمن، وتُنهي حروبها الداخلية وترتيب البيت، وتضمن تحالفاً عسكرياً علنياً مع إسرائيل، وتحييد سورية وإيران، وعدم تدخل روسيا، وهذا أمر بات من المستحيلات، ويدركه جيداً آل سعود وإسرائيل وحلفاؤهم من عرب وغير عرب.
لكن بكل تأكيد أيضاً، لن تتردد السعودية في فرض عقوبات اقتصادية ومالية على كل اللبنانيين لتأليب الشارع وزرع بذور الفتنة التي سبق أن حاولت مراراً تفجيرها من خلال مشايخ الفتن والمخيمات الفلسطينية والمجموعات الإرهابية المسلحة التي وجدت في بعض مناطق لبنان ملاذاً آمناً، وأخفقت.
ولن تتردد أيضاً في تحريك من تبقى من أزلام لها لتوتير الوضع الأمني وربما عودة الاغتيالات، كما تبشر قناة «العربية»، لكن الأمن اللبناني والرأي العام اللبناني في المرصاد لكل محاولات آل سعود التي باتت مكشوفة مسبقاً.
السعودية ومن خلال تصرفاتها، لا تطمح إلى معاقبة اللبنانيين فقط، هي تريد من خلال لبنان معاقبة إيران والشيعة عموماً، ليظهر أميرها وملكها القادم بأنه الزعيم الأوحد للسنة وفارسهم المغوار.
محمد بن سلمان، الذي أخفق في إدارة حربه القذرة على اليمن، يستعد لتولي عرش المملكة خلال ساعات أو ربما أيام، ويريد أن يتخلص من عبء الانتقادات التي طالت إخفاقه في القضاء على توق الشعب اليمني للحرية والعيش بكرامة، وخاصة من كبار أمراء السعودية وتجارها ورجال أعمالها الذين لطالما انتقدوا هذه الحرب ورفضوها، ومعهم كبار عائلات الإمارات والخليج، وعدد كبير منهم غادر أوطانه مع ثروته ليستقر في أوروبا مستبقاً جنون الأمير الشاب وخلافات العائلة الواحدة والانتحار السياسي الذي قد ينتج عن ذلك.
ابن سلمان يريد أن يكتسب شعبية ما داخل مملكته المنتفضة عليه وعلى أساليبه وطريقته في الاستيلاء على العرش، فقرر فجأة أن يصبح ذاك الشريف الطاهر الذي يحارب الفساد! وقرر فجأة أن «ينقذ» الشعب اللبناني من «سطوة» حزب الله، فاعتقل رئيس وزراء لبنان، وأرغمه على الاستقالة واستبقاه في الرياض تحت الإقامة الجبرية!
الرجل لا يبحث عن حرب جديدة، خلافاً لما يتوقعه الكثيرون، هو يبحث فقط عن القليل من التضامن والأصوات، وخاصة عند الشباب السعودي في طريقه للاستيلاء على عرش المملكة، فسمح للمرأة بقيادة السيارات، وقدم مشروعاً اقتصادياً وهمياً و«طموحاً» تحت عنوان «2030» ووعد بتخصيص شركة النفط السعودية «أرامكو» وتوزيع العائدات على الشعب، وطرد وسجن منتقديه من المتشددين، ويستعد للانقضاض على المؤسسة الوهابية، وسيقدم جملة من الإصلاحات داخل مملكته لتتغير وتشبه دول المنطقة، ومثاله الأعلى في ذلك دولة الإمارات التي تسانده وتدعمه وتبارك له العرش.
لن يذهب ابن سلمان في طموحاته إلى أبعد من ذلك، يريد حلاً للخروج من حربه على اليمن، ويريد حلاً لاكتساب شرعية داخل عائلته، وعند أسياده في دول العالم من صهاينة وكبرى مؤسسات المال، ولذلك كان عليه وبلا تردد زيارة الكيان الصهيوني والاتفاق معه على الخطوات اللازمة من أجل ضمان عملية الاستلام والتسليم من دون عقد أو منغصات، وفتح أبواب المملكة أمام الشركات العابرة للبحار لتستثمر فيها وتستحوذ أكبر الحصص النفطية.
لا حروب جديدة في المنطقة، ولن تجرؤ السعودية ولا إسرائيل على خوض حربٍ جديدة باتت جبهتها تمتد من جنوب لبنان إلى إيران مروراً بسورية والعراق، حتى لو كانت بضغط وتمويل سعودي أو خليجي ودعم أميركي، فجل ما يريده ابن سلمان هو التفاوض مع أسرته ومع دول العالم على حكم آمن يجعل منه «زعيماً» للأمة الإسلامية، وإصلاحياً قل نظيره في العالم، وعروبياً لا مثيل له، وكل ما يقوم به من خطوات تتم بمباركة أميركية وإسرائيلية، وخاصة أنه يقدم نفسه قائداً في محور المعاداة لإيران وللمقاومة وبشكل علني، وهذا ما كانت تتمناه وتريده واشنطن وتل أبيب من أي «زعيم» عربي منذ زمن بعيد.
إننا في زمن العهر السياسي، ليس على مستوى العرب فقط أو السعودية، بل على مستوى العالم الذي فقد كل قيمه نزولاً عند قوة المال ونفوذه.
وهذا أيضاً ليس بجديد لنا نحن السوريين، فمن عاش في سورية خلال سنوات الحرب السبع، ومن تابع الأحداث التي جرت ولا تزال وشارفت على الانتهاء، يعرف المعنى الحقيقي لكلمة العهر السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي.
لكن الجديد أيضاً، هو سلوك اللبنانيين، ليس جميعهم بكل تأكيد، لكن أغلبيتهم، الذين أدركوا وسريعاً مآل وأهداف ابن سلمان، وتصرفوا بعقل رجال الدولة ورفضوا الانجرار نحو التصعيد الذي كانت تبحث عنه مملكة الفتن.
التحية إلى كل لبناني بات مدركاً خطورة السعودية على بلاده ومآربها وأهدافها، والقادم من الأيام سيكشف للكثيرين حقيقة ما يريده ابن سلمان الذي من خلال عدائه المعلن لحزب اللـه وإيران، وتقاربه المعلن أيضاً مع إسرائيل، وما يعد من إصلاحات ومكافحة الفساد، إنما يقدم أوراق اعتماده لسيد البيت الأبيض ملكاً جديداً للسعودية، وإن كان من نصيحة للملك الجديد، فقدمتها أمس قناة الـ«سي إن إن» الأميركية بقولها: «على الأمير الشاب أن يحسب خطواته جيداً، فالصعود السريع قد يليه سقوط سريع».
وأضيف: إن زرع الأحقاد داخل العائلة الواحدة، لن يولد سوى أحقاد جديدة قد تكلفه ثمناً باهظاً، ولن تحميه منها كل الأموال التي جناها وسددها للولايات المتحدة الأميركية ولا شركة «بلاك ووتر» التي باتت تسيطر على أمن الرياض وأمنه الخاص.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن