ثقافة وفن

إطلاق «ترجمان الأشواق» تسويقياً … محمد عبد العزيز: تناول الواقع الحالي بعيداً عن التزييف .. عباس النوري: العمل استفزني كمشروع فني منذ القراءة الأولى

| وائل العدس – «ت: طارق السعدوني»

بعد إتمام كل العمليات الفنية، عقدت أسرة مسلسل «ترجمان الأشواق» مؤتمراً صحفياً بهدف إطلاق العمل تسويقياً، وهو من تأليف بشار عباس وإخراج محمد عبد العزيز وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعة.
وبعد اعتكافه عن الظهور الإعلامي، أطل النجم عباس النوري للمرة الأولى بعد غياب طويل، بعدما أدى دور البطولة في هذا العمل. ويؤدي أدوار البطولة إضافة إلى النوري كل من غسان مسعود وفايز قزق وثناء دبسي وسلمى المصري وشكران مرتجى وعلي صطوف ورنا ريشة ونوار يوسف وسعد مينة وحسام تحسين بيك وعدنان عبد الجليل وغسان عزب وكنان حميدان وريمي سرميني ومروة الأطرش وأميمة يوسف وولاء عزام، إضافة إلى ضيوف الشرف رامز عطا اللـه وعبد الرحمن أبو القاسم وميرنا معلولي وتيم مصطفى ويوسف مقبل وفؤاد وكيل وريم عبد العزيز وفاضل وفائي واسكندر عزيز وقمر مرتضى.
ويروي قصة ثلاثة أصدقاء يساريين، افترقوا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أحدهم قرر الاتجاه نحو التصوف، والثاني فضل الوفاء لمبادئه، أما الثالث فهاجر خارج سورية ليعود إليها في ظل الحرب، ويبدأ عملية البحث عن ابنته المفقودة، ليستعيد خلال رحلة البحث عن صداقاته القديمة.
وكانت المؤسسة قد أجلت عرض المسلسل بسبب عدم جاهزيته، ولأن شهر رمضان حل والتصوير مازال مستمراً، خاصة أن الاستعجال للحاق بالعرض الرمضاني، كان سيؤدي للتفريط ببعض الشروط الفنية التي يحرص فريق العمل على عدم التنازل عن أي منها مهما كان السبب.
وأشارت المؤسسة حينها إلى أن قرار التأجيل لا علاقة له بالأزمة التسويقية الضاغطة، التي تلقي بظلالها الثقيلة على الدراما السورية هذا الموسم، وأدت إلى خروج عدة أعمال تلفزيونية سورية، لأن المسلسل لم يخضع لهذا الاختبار باعتباره ليس جاهزاً للعرض بعد.

مبررات مقنعة
مدير مؤسسة الإنتاج د. ماهر الخولي قال: إنه ورغم التعقيدات التي حالت دون تسويق الأعمال الدرامية في السنوات السابقة، هناك مبررات وأسباب مقنعة وهناك أسباب أخرى، لكني أعتقد جازماً أن الدراما الجيدة ستضطر الأسواق لأن تفتح لها الباب العريض، ونموذج الدراما الجيدة كما شاهدت وقرأت في هذا المسلسل حاضرة.

عنصر التشويق
وأشار مخرج العمل محمد عبد العزيز إلى أن عنصر التشويق في العمل يعتمد على رحلة البحث نحو واقع جديد مملوء بكل دلالاته، لافتاً إلى أن العمل يلامس كل أطياف المجتمع ويتناول الواقع الحالي بكل مستوياته بعيداً عن التزييف، ويستعرض جانباً من هموم الناس ومعاناتهم خلال سنوات الحرب عن طريق إعادة صياغة الواقع بمفاهيم درامية فنية جديدة. وذكر أن العمل اجتماعي معاصر نسابق فيه لالتقاط اللحظة الراهنة، ولنؤكد من خلاله العودة إلى الجذور والأصالة، وأنه من الممكن للسوريين بعد هذه الحرب الطاحنة والفروقات أن يلتقوا في نقطة ما، نذهب إلى دراما مدنية تنويرية باتجاه الشارع السوري، قريبة من الناس تعكس الجرح العميق. وتابع: أعتقد أن هذا النوع من الدراما يسلّط الضوء لتقريب الوجع واللقاء من جديد، ومحاولة إعادة المهاجرين إلى جذورهم وأرضهم.
ونوه عبد العزيز بمناخ الإنتاج الجيد الذي تم توفيره لكي يخرج «ترجمان الأشواق» برؤية جيدة، موضحاً أنه رغم كونه التجربة الأولى له في الإخراج التلفزيوني بعد عدة أفلام سينمائية لكنه لم يشعر بفرق كبير بين الإخراجين التلفزيوني والسينمائي ولاسيما أن تعامله مع نجوم لهم باع طويل في مجال الدراما فتح باب التشاركية الحقيقية وتحليل النص والشخصية بأدق تفاصيلها مع منحهم المساحة الكبيرة ما أعطى العمل نكهة مميزة.

نقطة تحول
يجسد عباس النوري شخصية «نجيب» وهو مؤلف ومترجم في منتصف الخمسينيات، يعيش في بلد أجنبي منذ أكثر من عشرين عاماً، حياته هادئة ومستقرة، يمضي معظم وقته في مدينته الهادئة، العالم مستقر لديه وبعيد تماماً عن كل الظروف التي تعصف في البلاد التي غادرها بعد اعتقال، وسنة بعد سنة استقر هناك وانقطعت علاقته تماماً بزوجته التي طلبت الانفصال قبل أن يسافر عندما كان في السجن، ويحافظ على علاقة واهية مع أمه وأخته وكذلك مع ابنته التي لم يرها منذ كانت في الرابعة من العمر.
لديه علاقة في بلاد المهجر مع امرأة مولودة لأب سوري وأم أجنبية، وهكذا تمضي أيامه في هدوء، أما الحرب فلا تصله إلا من الأخبار، التي هو أصلاً لا يتابعها كثيراً، ويكفيه اتصال بأهله أو ابنته كل بضعة أشهر، أو مبلغ من المال يرسله من فترة لأخرى كي يسكت صوت ضميره.
تبدأ القصة باتصال يخبره أن ابنته الوحيدة تعرضت للخطف، وليس ثمة معلومات إضافية عن ذلك، فيجد نفسه دفعة واحدة أمام مسؤولياته، فيحسم أمره ويغادر في احتمال اعتقاله لأنه غادر بطريقة غير قانونية، غير أنه يعود ويقرر أن يلقي نفسه في لجة المخاطر وهناك يجد نفسه في بلاد أخرى لم يعرفها من قبل.
فور وصوله تعود علاقته بصديقيه القديمين، رفيقيه أيام العمل السياسي، «الدكتور زهير» الذي ابتعد عن اليسار وصار متديناً، و«كمال» الذي يمتلك مكتبة في مركز المدينة ورثها عن أبيه.
«نجيب» الذي عاد للعثور على ابنته سوف يعثر على نفسه في الطريق إلى ذلك، وخلال رحلة بحثه يكتشف صديقيه ويكتشف أسرته، أتى ليبحث عن ابنته فوجد نفسه متجمداً في العمر الذي غادر به، ويعثر كذلك على ما لم يكن في الحسبان، على ماضيه ومدينته، والأغرب أنه يعثر على الحب المؤجل منذ أن غادر.
النوري قال إن هذه التجربة ستشكل نقطة تحول في تاريخي الفني، وما دفعني للقبول بهذا الدور هو اتجاهه لتحقيق صورة أقرب للواقع إلى جانب المسؤولية المترتبة على الجميع في تأسيس علاقة مختلفة مع الجمهور.
وطالب بالدعم الحكومي للمؤسسة العامة للإنتاج وتشجيعها على قبول نصوص مماثلة باعتبارها كانت شريكة حقيقية في هذا المشروع.
وأضاف: طوال عمري كان هاجسي أن أشبه الحياة، وكنت أتعامل مع كل المشاريع في هذا الاتجاه، لأن الإنسان عندما يشبه الحياة فإنه يعكس مسؤوليته عن التعبير.
وأكد أن في هذا العمل مقاربة للحقائق بمس قضايا حقيقية، ليست عناوين وشعارات خاصة، أما عمود العمل فهو الثقافة ومواجهة الواقع ومحاولة تشكيل رأي وتشكيل مجتمع الثقافة بحضور مختلف شعبي وبسيط وعميق.
ووجه شكره للمؤسسة العامة لأنها «ما تزال فقيرة لكنها الأغنى فكرياً بطاقمها البشري والثقافي وحضورها الإعلامي، وهي بحاجة لدعم ليس مادياً، وإنما تنشيط حرية حركتها كقبول نصوص بهذه الجرأة».
وكشف أن المسلسل حكاية شعبية للغاية لا يعبر عن شريحة ولا يقصد شريحة معينة، إنما هو من كل الناس الذين مروا في تاريخ سورية، ولا يزالون موجودين مهما كان توجههم، والعمل وجبة تتصف بالدسامة، والثقافة هي بطلة العمل.
ورداً على سؤال، ما الذي أغراك في الدور؟ أجاب: الفكرة بالدرجة الأولى، فأحببت أن أتصدى لهذه الشخصية المثقفة التي تعد قائدة رأي، تجربة شخص دخل عالم السياسة من باب المعتقد والإيمان ودفع ثمنها بالنهاية، والحقيقة أنا لم أختر الدور بل هو اختارني وأنا أتحمل مسؤوليته، متابعاً إن العمل استفزه كمشروع فني منذ القراءة الأولى لقربه من الواقع وهذا معيار النجاح بالنسبة لي.
وختم بالقول: هذا العمل سيبني علاقة مختلفة مع الجمهور، بل يتحمل مسؤولية إعادة العلاقة، خاصة بوجود صورة مختلفة ستدخل على المشهد الثقافي العربي والجمهور.

وحدة الموضوع
بدوره كشف السيناريست بشار عباس أن النص بمراحله الأولى كان فيلماً طويلاً، وكان التحدي الأكبر تحويله إلى عمل درامي من 30 حلقة، وقد اختير للشخصيات الرئيسة أن تكون في أواخر عقدها الخامس لأننا نريد تحميل هذا الجيل مسؤولية إعادة المخطوف والإعمار ورأب صدوع العائلة والمجتمع. وأضاف إن القصة تقول لهذا الجيل: «أمامك دور أخطر مما تظن.. ولا وقت للتقاعد».
ولفت إلى أن وحدة الموضوع هي أساس نجاح أي عمل فني ورغم وجود عدة مواضيع وشخصيات متنوعة في المسلسل إلا أن الرابط فيما بينها كان البحث عن الشخصية السورية والتعبير عنها.
وحول اختيار اسم ديوان شهير لمحيي الدين بن عربي عنواناً للعمل؛ أوضح أن العنوان يحمل مقاربة روحية لهوية المنطقة وطبيعة شعبها. كما أن الخطاب الفكري والديني لابن عربي يتجاوز شرعة حقوق الإنسان بقرون.

موجة التغيير
يجسد فايز قزق شخصية «كمال» اليساري الذي مازال وفياً لمبادئه وقناعاته، لكن موجة التغيير لطمته إلى ما لا يشتهي، وإذا به يبحث اليوم عن قيمٍ تتساقط أمامه، ولا يملك أن يفعل لها شيئاً.
وهو ثالث الأصدقاء الذين التأم شملهم بعد سنواتٍ من الفراق، بعودة «نجيب» للبحث عن ابنته المفقودة وسط ظروف الحرب التي تعصف بسورية، على حين يبحث «زهير» عن السلام، ساعياً لأن يكون جسر لقاء بين السوريين.
في حياة «كمال» امرأتان، «وصال» الزوجة والصديقة، والراقصة «شالميار» الحبيبة التي تبحث عن مكانٍ لنفسها في عالمه الذي يعاني اختلال التوازن، وأب مصاب بالزهايمر، وثلاثة أبناء.

فعالية الحب
أما غسان مسعود فيقدم شخصية «زهير» الناشط اليساري السابق، الذي تحول إلى التصوف، ويخوض خلال الحرب تجربة خاصة يحاول من خلالها أن يخلق جسراً للتلاقي بين السوريين، بحثاً عن السلام، إيماناً منه بفعالية الحب في حل أعقد المشكلات.
وهو واحد من ثلاثة أصدقاء يساريين، افترقوا قبل سنواتٍ طويلة، والتأم شملهم بعد اندلاع الحرب السورية.

إطلالة جديدة
بإطلالة جديدة تشارك شكران مرتجى في العمل بشخصية «وصال» زوجة «كمال»، حيث تعمل في توثيق وترميم المخطوطات الأثرية، المهنة التي لم يتم التطرق إليها من قبل في الدراما السورية، وتعيش صراعاً قاسياً مع مرض السرطان، وسنشاهد عبر حلقات العمل ما طرأ من تغييرات على علاقتها مع أسرتها، والعلاقة الخاصة الني تربطها بوالد زوجها المصاب بالزهايمر.
مرتجى ستظهر في «ترجمان الأشواق» بإطلالة جديدة إذ ارتأت بالتشاور مع المخرج ضرورة قص شعرها لكون «وصال» مريضة سرطان، وأهدت هذا الدور إلى روح الراحل نضال سيجري قائلةً: «عندما قرأت النص لم يخطر في ذهني إلا وجهه»، كما أعربت عن سعادتها بتعاونها الأول مع محمد عبد العزيز واصفة إياه بالمخرج الذي يعمل بصمت لكن نجاحه مدوٍ.
شكران بدت سعيدةً أيضاً بالعودة للتمثيل أمام أستاذيها في المعهد العالي للفنون المسرحية غسان مسعود وفايز قزق، وقالت إنها لا تزال تشعر بالخجل والارتباك أمامهما، معربةً عن تقديرها الكبير لعباس النوري الذي يحظى بمكانةٍ خاصة لديها على الصعيدين الشخصي والفني، والفنان حسام تحسين بيك الذي طبع ما وصفته «المرحلة الذهبية» في مشوارها الفني بالابتسامة.

رمز لسورية
أما الفنانة الكبيرة ثناء دبسي فتجسد شخصية محورية إذ تؤدي دور الجدة «جميلة» التي تمسك زمام أمور المنزل، وتقوم بتحريك الأحداث الشائقة التي تتناول ضمن خطوطها الاجتماعية تبعات الأزمة على مجمل المناحي الحياتية، لتتابع مستجدات حادثة خفية تتعلق بحفيدتها المرتبطة بشكل مباشر بالأحداث.
«جميلة» شخصية متوازنة ومقاومة وقوية تخفي ضعفها وحزنها، فهي في دلالتها البعيدة رمز لسورية التي تنهض من احتراقها وتصر على الانتصار، وترتبط بشكل فعال مع ابنها صاحب الشخصية الإشكالية.

قريب من الواقع
الفنانة رنا ريشة التي تؤدي شخصية «نجوى» شقيقة نجيب قالت: العمل يشبهنا جميعاً كأشخاص، فهو قريب من واقعنا وليس غريباً عنا مطلقاً، ويسلط الضوء على ما عشناه في السنوات الأخيرة عبر رصد للتغير الذي طال الشخصيات قبل وأثناء الحرب، منوهة بعمل الفنانين الشباب مع نجوم كبار الأمر الذي منحهم مزيداً من الثقة والرغبة في العطاء.

هوية خاصة
وفي السياق ذاته تحدث علي صطوف عن مشاركة الفنانين الكبار بالمسلسل الذي أتاح الفرصة للشباب الارتقاء بمستوى الشخصية وبالعمل كله مع مساحة الحرية الكبيرة التي منحها المخرج للارتجال ضمن خط الشخصية بحيث تحولت الأدوار جميعها إلى أبطال حقيقيين لافتاً إلى أن المسلسل يحمل هوية خاصة من حيث الفكرة والسيناريو والإخراج والتمثيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن