من دفتر الوطن

مسألة فيها نظر

|  حسن م. يوسف 

إذا كان يعرف والدك، سمح لنفسه بأن يمون عليك باعتبارك (ابن أخيه اللَّزم) أما إذا كان يمتُّ بأي صلة قرابة لأمك فقد وجبت طاعته عليك، وصار من حقه أن يرفع الكلفة معك باعتبارك (ابن عنزتهم).
أطبق بيده الخشنة التي ما تزال تحتفظ بكثير من قوتها، على يدي، وراح يهزها بشكل متواتر، ومع كل هزة من يده، كان يرشقني بسؤال جديد: «طمني عنك؟ كيف الصحة؟ كيف العيال؟ كيف الكتابة؟ كيف الخانم؟ كيف الهمة؟»… ومن دون أن يفلتني، يلتفت إلى داخل البيت المجاور للطريق ويصرخ بصوت آمر: «اعملوا لنا شاي!» فيأتي صوت زوجته من الداخل: «يا لله… يا الله. بالحاضر».
يسحبني من يدي التي لا تزال يده مطبقة عليها إلى تحت شجرة الزنزلخت، التي بدأ الخريف يحيل أوراقها ذات الخضرة الداكنة إلى الأصفر. وعندما اطمأن إلى جلوسي على الكرسي أطلق سراح يدي وأطلق آخر أسئلته: طمني، كيف الأوضاع بالشام؟
طمأنته بأن الأمور إلى انفراج بفضل بطولات جيشنا التي لم تغير الوقائع على الأرض وحسب، بل إنها زعزعت جبهة الأشرار فدبت الخلاف بينهم حتى إنهم بدؤوا ينشغلون عنا ببعضهم.
رمقني بنظرة مائلة وهو يدرج سيجارة من كيس تبغ أخرجه من جيبه ثم قال: «من مدة سمعت بإذاعة شام إف إم مقالاً، أنت كاتبه، وبصراحة ربنا ما عجبني».
لاحظ الرجل أنني انكمشت قليلاً فابتسم لي بمودة وقال: «انت ابن عنزتنا وإذا قلت لك الدغري ما لازم تزعل مني».
نسيت أنني على عجلة من أمري، وبعد أن طمأنت الرجل إلى أنني لن أزعل منه، سألته باحترام شديد عما لم يعجبه في مقالي.
أشعل الرجل السيجارة بعد أن انتهى من لفها، وأخذ نفساً منها ثم قال لي محاولاً تلطيف الجو بيننا: «صحيح انت، خزاة العين عنك، مرتب وكلامك سلس، بس ما حبيت قولك انو الحرب ببلادنا سببها قوى الفاشية العالمية الهاجمة علينا من ثمانين دولة!» مط حرف الشين في كلمة «الفاشية» بطريقة فيها شيء من التهكم. أردف قائلاً: «يعني ما بقي إلا إنك تقول انو السوريين ملائكة، والأغراب أخوات الشليته هني وحدن سبب كل بلاوينا. دخلك ما سمعت بالشاب الذي ذبح أمه بالرقة لأنها ما هي من طائفة والده، ترى هل تعتبره بضاعة مستوردة من صناعة الفاشية العالمية؟»
أنقذتني كاسة الشاي، وبعد رشفة منها أبلغت الرجل أنني في مقالات أخرى تحدثت عن تقصيرنا في مجالات الإعلام والتعليم والثقافة، فرفع الرجل سبابته وقال: «لازم نكون شجعان، وما نهرب من مسؤوليتنا عن مشاكلنا! دود الخل منه وفيه!»
قلت له: «معك حق، الدود لا يأتي من خارج جسد الإنسان عندما يموت، لكن الجثة ليست هي المسؤولة عما يجرى لها. المسؤول هو من قام بعملية القتل!»
نظرت حولي فوجدت ناراً تشتعل تحت قدر فيه قمحية تغلي. قلت له: «هذه النار من أشعلها؟» قال: «أم العيال». قلت: «فهل ستبقى أم العيال هي المسؤولة عن هذه النار لو جاء مئة شخص ورمى كل منهم برميلاً من البنزين فوقها؟»
حك الرجل رأسه وهو يبتسم قائلاً: «هلاَّ فهمت عليك، المسألة فيها نظر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن