الصفحة الأخيرة

غرندايزر

| زياد حيدر

«كيف ننتصر على إسرائيل؟» سأل أستاذ مدرسة القرية، الذي يمتلك دكاناً في رأس الحارة. كنا ورفيقي في الثالث الابتدائي، نشتري السكاكر، حين رفع الأستاذ رأسه عن صفحة الجريدة المبسوطة على طاولته، وسألنا كأنما يسأل نفسه، ثم ابتسم منتظراً الإجابة.
تذكرت حينها علم بلادنا الذي أصرت جدتي على إنزاله عن سطح بيتنا خوفاً من غارة إسرائيلية، «يوماً ما» رغم أن منطقتنا لم تشهد أمراً مشابهاً منذ حرب 1973، وكان هذا في الثمانينيات.
بالفعل «كيف ننتصر على إسرائيل؟» لماذا تسبقنا بعشر خطوات دوماً؟ لماذا تتعدانا، وترسم خطاً مشتهى صهيونياً، فنتخذه حدوداً. نسميه فوراً «خطاً أحمر»، ونهددها إن تجاوزته علماً أنها هي من رسمه، لا نحن، وحبستنا خلفه، حتى تأتي اللحظة المناسبة فتتعداه، وترسم آخر.
كل اللاءات العربية منذ 1948 وحتى الآن كانت في خدمة الكيان، وعلى حساب الفلسطينيين. لماذا كلما قلنا لا، تجرعنا وراءها ألف نعم ذليلة؟ نحن كجيل، السبعينيات، لم يكن لنا رأي في هذه القضية. ومن سبقنا عاش مخذولاً، عقوداً من انعدام الاستقرار السياسي، والانقلابات، وانعدام النضج العسكري والدبلوماسي. ولاحقاً ماذا؟ لم تنته قضية فلسطين بعد، ولكن هل أعداء إسرائيل أحياء؟ هل نجحت سياسة المقاطعة، وعدم التطبيع؟ هل صحيح أن الصراع مع الصهيونية يجب أن يقاس وفقاً للعقائد الدينية بروزنامة من مئات السنين، بانتظار حدث جلل؟ أم إن الأمر برمته حنكة سياسة وقوة؟ أعتقد شخصياً، بمعرفة متواضعة أن الأمر كذلك، يستند للعلم، والتدبير، ومعرفة العدو(نحن) وفهمه، وفهم العدو لحلفائه (أميركا) واستغلالهم.
بمعنى من المعاني، قد يكون السؤال معكوساً. «كيف تنتصر علينا إسرائيل؟» لا داعي لأن نضرب ذاتنا بمكنسة الخيبة. الأفضل أن نبحث كيف تفوق علينا العدو. ماذا حقق في مجال البحث العلمي؟ كيف تفوق في المجال الإعلامي؟ كيف اخترق كل مجالات التواصل والتأثير النفسي والاجتماعي في الرأي العام؟ ماذا حقق تكنولوجياً؟ ماذا حقق اقتصادياً؟ كيف يعمل دبلوماسياً؟
حادثة مثلها ملايين ذكرها لي دبلوماسي سوري في الصين، منذ عشرين عاماً. كانت الصين أجرت تغييرات اقتصادية جذرية بعد مؤتمر مهم للحزب الشيوعي الحاكم، وخصصت جزءاً كبيراً من تطلعاتها وخططها للاستثمار التكنولوجي والفضائي. زار الدبلوماسي السوري مسؤولاً حزبياً كبيراً للاطلاع عن قرب، فقال له المسؤول بنظرة فيها تعاطف خجول «هل تعلم كم سفير عربي زارني لهذا السبب؟ أجاب الدبلوماسي: «واحداً» فهز رأسه: «نعم أنت». أو تعلم أول من زارني؟ فأجابه أيضاً: «طبعاً، الإسرائيلي»، فرد بنعم أخرى.
في إسرائيل فساد، لكنه لا يغطي على القضية الكبرى. والإسرائيلي خبير في الإفساد حين يأتي الأمر لخدمة قضيته، بدءاً بالابتزاز والكذب التاريخي، وصولاً لكل أدوات الغش المتاحة من نساء ومال وغيرها. بل إن وزراءه يعترفون بممارسة الجنس مع أعدائهم لابتزازهم، وثمة حادثة شهيرة أبطالها معروفون.
القضية مقدسة لديهم، ولدينا أيضاً. لكن قدسيتها لدينا، ظلت دوماً أشبه بالشماعة، والستارة لقضايا أخرى دونية ولكن أكثر قدسية، أقصر عمراً، وأبخس ثمناً.
يومها نظرنا لوجه الأستاذ الخمسيني أنا ورفيقي واحترنا في الجواب. قال «نقاتلها حتى النهاية». ثم سألنا «لكن كيف؟» أجبت أنا بكل ثقة.. «نستأجر من الروس وحش الغرندايزر، وننتهي منها في يوم واحد». وما زال تفكيرنا بالعموم هكذا ربما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن