قضايا وآراء

«اتفاق فيينا» النووي.. لماذا الغضب والعويل والهستريا في إسرائيل؟

مأمون الحسيني :

منذ الإعلان عن «اتفاق فيينا» التاريخي، بين إيران والدول الست الكبرى، وأصوات العويل والبكاء والندب لم تهدأ في إسرائيل التي مازال سياسيوها ووسائل إعلامها يتبارون في تضخيم وتهويل هذا «الحدث الجلل» وتداعياته المؤلمة على الكيان العبري، واعتباره كارثة وخطيئة أخرى يقترفها العالم الذي سمح للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن تكون دولة حافة نووية، دون أن يمنع ذلك من شماتة بعض ردود الفعل الصهيونية من إخفاق بنيامين نتنياهو الذي حاول، طوال السنوات الماضية، جعل عملية مواجهة إيران بمنزلة أيديولوجية عالمية جديدة، ومن ظهور بعض الأصوات المتناثرة التي رأت في الاتفاق فرصة لإسرائيل للتخلص مما أسموه «العيش في ظل التهديد النووي» في المرحلة المقبلة، دون أن تدفع ثمنا دمويا مقابل القضاء على هذا التهديد، ناهيك عن حصولها على جوائز سياسية واقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى، مع إمكانية استثمار وتوظيف الاتفاق لخلق تحالف إقليمي بينها وبين بعض دول الخليج التي تأخذها العزة في إثم الخلاف مع إيران ومواجهتها في مختلف الساحات الإقليمية والدولية.
وبصرف النظر عن انشغال الدبلوماسية الأميركية بطمأنة إسرائيل القلقة، وإفهامها بأنها سترتكب خطأ جسيما إذا قررت اتخاذ إجراء عسكري منفرد ضد إيران بسبب برنامجها النووي، وإقناعها بـ«سلمية» هذا البرنامج، ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب أصدقائها، ودعم قدراتهم الدفاعية، فإن معارضي «اتفاق فيينا» الكثر في إسرائيل يستندون في موقفهم إلى رزمة من الأسباب والذرائع والمزاعم، لعل الأبرز فيها هو التالي:
• أن إيران أخذت، على المستوى النووي، أكثر مما قدمت، لكونها حصلت على شرعية دولية لبرنامجها النووي، مقابل قيود عليه لمدة زمنية محدَّدة، وضمن الخطوط الحمر التي حدَّدها مرشد الجمهورية الإسلامية.
• الاتفاق يؤسّس لمعادلات إستراتيجية جديدة في المنطقة، استنادا إلى مفاعيله وتداعياته الاقتصادية والسياسية والعسكرية على مستوى المنطقة.
• إن الثقوب الضبابية في الاتفاق أقرب إلى السواد، وأجهزة الرقابة على المحطات النووية غير قابلة للتنفيذ، ما يقود إلى إمكانية تحول العالم الراهن إلى عالم آخر، والشرق الأوسط سيكون شرق أوسط سيئاً، ومستقبل إسرائيل سيلفه ظل ضخم.
• ازدياد القوة التقليدية لإيران، حيث يوجد لديها دمج صناعي أمني، ونحو 50 ألف إيراني مدربون ومنتجون وتعلموا إنتاج الأقمار الصناعية، والصواريخ، والأدوات البحرية المتقدمة، والطائرات من دون طيار. أي إن إيران نجحت في خلق نمط خاص بها للصناعات الجوية والعسكرية في التسعينيات، وضخ عشرات مليارات الدولارات إلى مختبرات البحث والتطوير.
• السيطرة الإقليمية لإيران خلال السنوات الأربع الأخيرة.
• حصول إيران على إنقاذ اقتصادي وشرعية دولية، وهي لا يُطلب منها تفكيك البنية النووية والبنية الأيديولوجية الخاصة بها، وهذا يثير الخوف مما سيحدث في الأيام القادمة.
ما يبدو أكثر واقعية في مسار الأحداث والخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل التي يدرك قادتها، ضمنا وصراحة، أنهم غير قادرين على تغيير وجهة الاتفاق وتداعياته، ورغم إعداد الجيش الإسرائيلي لعمليات «تدمير مفاعلات نووية عن بعد»، وفق ما كشفت صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، هو أن يواصل نتنياهو وطواقمه السياسية والدبلوماسية والأمنية والإعلامية اللعب بما تبقى لهم من أوراق لاحتواء المفاعيل الإقليمية والإستراتيجية لهذا الاتفاق، وفي مقدمة ذلك ورقة الكونغرس، على أمل عرقلة إقراره، حيث بدأ صحفيون ومعلقون وخبراء أميركيون مؤيدون لإسرائيل بتوجيه الانتقادات لـ«اتفاق فيينا»، بينما تحدثت تقارير إسرائيلية عن أنه، وخلال الشهر المقبل، ستستقبل إسرائيل بعثتين كبيرتين من نحو 100 مشرّع أميركي، من مجلسي الشيوخ والنواب، يُمثلون الديمقراطيين والمحافظين، كما تحدثت تقارير أخرى عن توجه نتنياهو إلى الولايات المتحدة، خلال أيلول المقبل، بهدف تحريض أعضاء الكونغرس على معارضة الاتفاق النووي، دون أن يخفي ذلك حقيقة أن المعركة المرتقبة في الكونغرس، إنما تهدف، من ضمن أمور أخرى، إلى محاولة الحصول من الولايات المتحدة على «سلة تعويضات» مالية وعسكرية ملائمة لحجم الحدث والتحديات التي يفرضها الاتفاق على تل أبيب، وتوظيف هذا «التحدي» في الداخل الإسرائيلي، بما يؤدي إلى تعزيز حكومته الهشة عبر دعوة عدد من أحزاب المعارضة للمشاركة في الحكومة، وتوظيفه كذلك في الإطار العربي بزعم أن الولايات المتحدة تخلت عن حلفائها العرب، ومن شأن هؤلاء البحث عن مظلة أمنية بديلة، وأن مواجهة تداعيات «اتفاق فيينا» وأخطاره «تستوجب من إسرائيل والسعودية ومصر والأردن ودول الخليج، وربما تركيا أيضا، البحث عن كيفية التعاون الأمني من أجل «كبح طهران، النووية- الإرهابية، أو الإرهابية فقط، خلال الـ15 سنة القادمة» كما يزعم العديد من المحللين الإسرائيليين!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن