قضايا وآراء

مأساة القدس والعودة للأصول

| محمد أشرف البيومي

رغم رمزية القدس ومقدساتها وأهمية ذلك في استنهاض المقاومة من المسلمين والمسيحيين، فلا يعني أبداً أن ننسى حيفا ويافا ورام اللـه والناصرة وغزة.
لقد عشت أربعة عشر عاماً من حياتي من دون وجود إسرائيل ما ساهم في أن أعتبر إسرائيل حالة طارئة وعابرة وأن الذي يمد في بقائها هم القادة المنحرفون والمثقفون المزيفون.
أشير إلي دراسة أكاديمية إسرائيلية للأستاذ بالجامعة العبرية في القدس باروخ كميرلنج بعنوان «اختراع وأفول الإسرائيلية»، والمقصود هنا الهوية للمجتمع الإسرائيلي المصطنع، حيث يتحدث المؤلف عن تعدد الهويات والتناقض الكبير بينها ما يهدد استمرار إسرائيل، وبعيداً عن مثل هذه الدراسات فإن نماذج تاريخية عديدة تشير إلي أن الكيان الصهيوني إلى زوال، ولكن هناك شروط مسبقة يجب أن تتوافر حتى يتحقق ذلك، بل إن بوادر تبلور هذه الشروط بدت تلوح بالفعل بانتصارات المقاومة اللبنانية وبالصمود التاريخي للدولة والجيش والشعب السوري.
عندما تتصاعد المقاومة بأبعادها المختلفة بقيادة صلبة ملتزمة، ستظهر الشقوق التركيبية الكامنة في المجتمع الإسرائيلي وستتفاعل مع عنصرية الكيان، ومنهجية القتل والعنف للكيان، وسيتسارع انهيار هذا الكيان الخبيث المناقض لكل مبادئ الإنسانية، أما إذا استمر خضوعنا وتقاعسنا بقيادات منحرفة فإن الكيان يمكن له أن يستمر عقودا حتى ينزاح هؤلاء القادة المزيفون، وعندما تسود قناعة واضحة بأن الوطن العربي لا مستقبل له في وجود الكيان الصهيوني، وعندما نتبنى منهج المقاومة وننبذ نهائياً أسلوب المفاوضات العبثية والتطلع إلي سلام مزيف، تطل بواشر النصر.
أرفض تماماً تناول الأحداث الجارية في فلسطين المحتلة كقضية فلسطينية، ليس فقط لأن هذا التعريف خاطئ بل لأنه تعريف يتسم بالغباء، فأنا كمصري متضرر مباشرةً من وجود الكيان ولست مجرد متعاطف مع الفلسطينيين لأنهم عرب وينتمون للعائلة الإنسانية ولأن ظلما فادحا وقع ويقع عليهم، رغم أن الفلسطينيين هم المتضررون المباشرون لإنشاء الكيان الصهيوني العنصري وما سببه من تشريد وقتل وتعذيب وسجن، إلا أنه من الخطأ الجسيم الحديث عن «القضية الفلسطينية» لعدة أسباب، أولها أنه يخالف هدفاً رئيسياً، ولعله الأهم، من إنشاء الكيان وهو الهيمنة على الأمة العربية ومنطقة ما يسمى الشرق الأوسط بل يمتد إلي مناطق أوسع في آسيا وإفريقيا، ثانيها أن ذلك يختزل القضية بشكل كبير وضار ويجعل العرب غير الفلسطينيين مجرد داعمين ومؤيدين وليسوا متضررين وأصحاب القضية، كما أعطى ذلك التعريف القاصر فرصة لمقولات منحرفة منها «نقبل ما تقبله منظمة التحرير الفلسطينية ونرفض ما ترفضه» أو «ضحينا بالكثير من دمائنا وثروتنا من أجل فلسطين فكفى».
لا بد من إعادة تقييم بعض المصطلحات المصاحبة لمسار الاستسلام التي أصبحت كأنها من المسلمات، مثل مصطلح «القضية الفلسطينية» بدلا من الصراع العربي ضد الصهيونية والإمبريالية، و«وحدة الفصائل الفلسطينية» بدلا من وحدة المقاومين الفلسطينيين بهدف التحرير وليس التحريك السياسي، إذا فالتعريفات الصحيحة هي بمنزلة بداية للخروج من المستنقع الفكري الذي غرقنا فيه ومن أجل العودة لوضوح فكري والالتزام بالأصول التحليلية وما يتبعها من إستراتيجيات عملية.
إن تجديد الحركة الوطنية المناهضة للصهيونية والرجعية العربية والإمبريالية على أسس صحيحة، أمر يقفز إلى قمة الأولويات، كما يتطلب جهداً كبيراً وعملاً دؤوباً وعزيمة قوية من أجل تحقيق الأهداف الآتية:
– إحياء الذاكرة الوطنية والدعوة للتمسك الصارم باستقلال القرار العربي والسيادة الوطنية.
– إحياء سلاح المقاطعة ومقاومة التطبيع مرة أخرى كوسائل شعبية فعالة تساهم في ربط قطاعات شعبية واسعة بالقضايا الوطنية.
– فضح مفاهيم النيوليبرالية والتمويل الأجنبي ومخاطرها ونبذ المصطلحات التي تصدّرها لنا مثل «الربيع العربي» و«كفاءة آلية السوق» و«السلام».
– تشكيل ملتقيات ثقافية عربية للعمل الوطني، تضم فقط مثقفين أثبتوا من خلال مواقفهم الواضحة التزامهم بالقضايا الوطنية والاجتماعية والتنمية العربية المستقلة المعتمدة على العلم والتكنولوجيا المتقدمة ونبذ الطائفية والمذهبية، أما اللجان والمؤتمرات الموسعة التي تشمل تناقضات في الأهداف والتي تتبنى مفهوم التوافقية وتدوير الزوايا فلن تحقق شيئاً فعلياً.
– العمل على توسيع نشاط الإعلام القومي الفعال والمؤثر والملتزم بالحقائق والاستفادة من الوسائل الإعلامية الحديثة.
– تأييد المقاومة ومواجهة حملات التشويه التي تواجهها.
– مواصلة الدعم لسورية بصفتها نواة لمشروع نهضوي مستقل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن