قضايا وآراء

الولايات المتحدة والسيناريوهات الجديدة في سورية

| رزوق الغاوي

بينما يواصل الجيش العربي السوري والقوات الرديفة ملاحقة تنظيم داعش وطرده من مناطق وجوده، تسعى الدوائر الأميركية والبريطانية والفرنسية، تحت زعم الحرص على التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة الراهنة في سورية، تسعى إلى وقفٍ مؤقتٍ لإطلاق النار، وذلك بهدف الحد من اندفاعة الجيش العربي السوري، وفي هذا الإطار عملت واشنطن في الآونة الأخيرة على خفض مستوى عمليات طيران التحالف الغربي ضد داعش بنسبة ستين بالمئة.
في موازاة ذلك واصلت واشنطن دعم «قوات سورية الديمقراطية – قسد» ودفعها باتجاه توسيع سيطرتها على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات في محاولة لإقامة كيانٍ كردي تأمل الولايات المتحدة أن يشكل ورقة تتمكن من خلالها الضغط على سورية.
في هذا السياق، تعمل واشنطن على تنفيذ الخطوات الكفيلة لإقامة بِنى تحتية للكيان الكردي ومساعدته في السيطرة على المناطق النفطية واستثمارها، وفي مقدمة تلك الخطوات، إنجاز اتفاق «أميركي كردي» وآخر «أميركي داعشي»، لاستقدام أربعة آلاف من تنظيم داعش من العراق للسيطرة على مزيد من الحقول النفطية السورية، والعمل من ناحية ثانية للحيلولة دون أي حوارٍ بين دمشق والأكراد.
لقد سبق للتحالف أن سحب تنظيم داعش من منطقة التنف ومن مدينة الرقة التي دمر طيران التحالف ثمانين بالمئة منها وجعلها ركاماً، ودفع التنظيم باتجاه المناطق التي حررها الجيش العربي السوري، في محاولة لعرقلته والحيلولة دون تقدمه الميداني، ما يعني أن الإدارة الأميركية فقدت أي مبادرة للعب دور مؤثر في الشأن السوري يُحقق لها أطماعها ومصالحها الامبريالية.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فثمة ضرورة تستدعي الإضاءة مجدداً على أن طيران التحالف الدولي سبق له أن ارتكب مجازر مشهودة أدت إلى قتل ما يزيد على 1250 مدنياً بينهم 383 طفلاً، و221 امرأة، حيث نفذ التحالف وتحت لافتة محاربة داعش 51 مجزرة في سورية، 34 منها في محافظة الرقة وحدها و12 مجزرة في محافظة حلب، إضافة إلى قتل نحو ألف مدني آخر في عام 2016 بينهم 304 أطفال و178 امرأة، وتدمير العديد من المنشآت الحيوية أدت إلى خروج عدد من الجسور عن الخدمة.
يمكن القول إن الإدارة الأميركية وبعد ما مارسته من كذبٍ ونفاقٍ سياسي معتاد وعدوان عسكري غاشم بدأت اللعب على المكشوف في تعاطيها مع الملف السوري، منذ أن أعلنت صراحة على رؤوس الأشهاد أنها لن تضع حداً لوجودها غير الشرعي في سورية، ولن تنسحب من سورية، بل إنها ستواصل احتلالها حتى إشعار آخر، وهذا ما أكده مجدّداً المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك بقوله: «إن القوات الأميركية باقية في سورية»، في وقت أنجزت فيه موسكو انسحاباً جزئياً من سورية مع تأكيد دعمها لدمشق في عملياتها العسكرية ضد جبهة النصرة، حيث يتابع الجيش العربي السوري عملياته ضد جميع التنظيمات الإرهابية وخاصة جبهة النصرة التي تحاول مع بعض الفصائل الإرهابية الأخرى دفع الوضع الميداني نحو المزيد من التصعيد بتوجيه أميركي.
يُمكن القول أيضاً، إن الإدارة الأميركية أخفقت مرة ثانية في رهانها الذي قام على التدخل العسكري غير الشرعي في سورية بهدف تحقيق جانب من إستراتيجتها القائمة على ما سمته يوماً «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد»، بعد إخفاقها الأول في العدوان الذي نفذته على لبنان في تموز 2006 عبر ذراعها المتقدم المزروع في المنطقة «الكيان الصهيوني» والذي اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس وقتذاك أن ذلك العدوان يشكل الخطوة الأولى باتجاه إقامة شرقٍ أوسط جديد خاضع للهيمنة الامبريالية الأميركية.
جراء هذين الإخفاقين بدأت تلوح في الأفق ملامح رهان أميركي جديد يستند إلى الوجود العسكري غير المشروع في سورية، ويتمثل في ذهاب الإدارة الأميركية نحو عملية خلطٍ جديد للأوراق على الساحة السورية، لعرقلة الجهود المخلصة الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية، وذلك بعد ما شهدته واشنطن من إنجازات ميدانية كبرى حققها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، ما دفع تلك الإدارة للبحث عن سيناريو آخر علَّهُ يحول دون تعرضها لإخفاق جديد ويُنقذها من حالة الارتباك الناجمة عن تخبطها السياسي وتحسبها لموقف دمشق المتمثل بإصرارها على التصدي العسكري لأي قوة تحتل جزءاً من التراب السوري سواء كانت تلك القوة أميركية أو تركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن