اقتصاد

قضية للنقاش – مشروع إصلاح القطاع العام ولد ميتاً ومقترحاته تعيد إنتاج ما عرض في 2001 و2011

إصلاح القطاع العام على طاولة الحكومة، هذا العنوان شكل صدمة حقيقية للخبراء المهتمين بالشأن الاقتصادي في سورية. فما أتت علية الاقتراحات الناتجة عن عصف ذهني من لجنة عملت علية ثمانية أشهر لتخرج بمقترحات تشير إلى إعادة إنتاج ما طرح بهذا الخصوص منذ عام ٢٠٠١ واستمر طرحة والمطالبة بتجسيده حتى بداية عام ٢٠١١، لنعود اليوم ونقرأ المقترحات نفسها والتوصيف ذاته لمشاكل القطاع العام.
المستغرب في الأمر هو الفصل بين العام والخاص وكأن الخاص له حكومة مستقلة عن العام، وله قوانينه المستقلة عن العام أيضاً. إذ سقط من حسابات اللجنة أن الاقتصاد السوري بقطاعاته المختلفة يعتبر كتلة واحدة تؤمن للدولة الإنتاج وفرص العمل والموارد واستغلال وتصنيع المنتج المحلي الذي يرفد الصناعات التحويلة بالمواد الأولية للخاص والعام، وإذا كان الاقتصاد الخاص مفصولاً عن العام بإطار ما قدمته اللجنة يعتقد أن مشروعاً كهذا ولد ميتاً، كما ولد سابقه وسابقه. وما دامت القوانين والقرارات الاقتصادية تطول الخاص والعام فالاقتصاد واحد، وما دامت السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ملزمة للخاص والعام فهذا دليل عدم وجود فصل بينها.
ما بين سطور المقترحات نقرأ السعي لوضع آليات للقضاء على الفساد حيث لم ترد بصورة واضحة في الاقتراحات وإنما تم الالتفاف عليها، لكن سؤالنا هل الفساد الذي أدى إلى تراجع القطاع العام ونمو الخاص يستوجب الفصل بين القطاعين؟ فالفساد يمارس من الطرفين، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، مهمة ومركزية جداً وأساس لنجاح أي مشروع، إذ من المفترض أن تأخذ المساحة الأوسع في عملية الإصلاح وهو الإنسان.
الإنسان في بلدنا بكل صراحة هو آخر تفكير الحكومة والدليل الذي يؤكد ذلك هو تجاهل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عضوية لجنة تقييم المقترحات لإصلاح القطاع العام، وهذا الأمر مؤشر إلى أن هذه الوزارة رغم أهميتها فهي تعتبر ثانوية بالنسبة للإصلاح، رغم أن إخفاق أي قطاع اقتصادي مردة فعل إنساني وليس فعل آلي أو الكتروني، لذا فإن عملية الإصلاح لأي قطاع بحاجة إلى خبرات مارست عملها لمدد تتجاوز العشرين عاماً في القطاع فهي على معرفة بهذا القطاع أكثر من شخص يحمل شهادة دكتورة في الاقتصاد.
أيضاً، تم استبعاد الخبرات من اللجنة ما يشير إلى ولادة ميتة للمشروع، فمثلاً وزارة التنمية الإدارية المحدثة والحديثة تعتمد على نظريات في معظمها لا تأخذ المراحل البيئية للعمل الإداري. لنقربها أكثر، الطبيب المعالج لحالة صحية أول شيء يطلبه هو دراسة التاريخ الصحي للمريض، ليستطيع التشخيص وإعطاء العلاج المناسب، وكذلك التاريخ في القطاع الاقتصادي الإداري متوافر لدى الخبرات التي مارست العمل فيه، فأين هذه الخبرات من اللجنة المشكلة؟ رغم وجود خبرات تم تغييبها بشكل كامل عن الساحة وهي تملك الحلول وتعرف الأمراض إن كان على المستوى الإداري أم القانوني!
يبدو أن استبعاد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن اللجنة ما هو إلا تأكيد أن هذه الوزارة لا تحقق الأهداف المرجوة من تأسيسها، فأهم ما يجب أن تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وما يعتبر من أولويات مهامها هو توفير قاعدة بيانات للخبرات الوطنية، يمكن القول إن الوزارة لا تملك أي بيانات للخبرات المتوافرة بالبلد ما يعني أنها تهدر أهم ثروة وطنية تملكها سورية. وهي إن كانت تملك هذه البيانات فهي هشة، وفي الحالتين إن ملكت أم لم تملك فهي مقصرة وتسيء للاقتصاد على مستوى الموارد البشرية والمالية، ومن المفترض على الحكومة إن كانت جادة في عملية الإصلاح للقطاعات الاقتصادية من دون تمييز أن تهتم أولاً بهذا الشق المهم الذي يبنى عليه أي إصلاح يصيب أي قطاع من قطاعات الدولة.
يمكن إعطاء مثال حي، فوزير الصناعة عند خروجه السابق من وزارة الصناعة استقطبه القطاع الخاص. والسؤال هل تم التعامل مع وزير الصناعة في القطاع الخاص لأنة وزير سابق أم لأن لدية الخبرة في المجال الصناعي. هناك أيضاً الكثير من خبرات القطاع العام أصبحت أعضاء بمجالس إدارات المصارف الخاصة نتيجة خبراتها وليس نتيجة شهاداتها. وندعوكم للبقاء بقطاع المصارف فهو أيضاً مثال حي يمكن دراسته على اعتبار أنه يلعب دوراً أساسياً في عملية الإصلاح الاقتصادي، إذ إن قانون إحداث المصارف الخاصة قانون ضعيف يلزمه تعديل في الكثير من جوانبه. وهذا القطاع في الواقع مهمل حكومياً ويفتقر إلى الكثير من المتابعة رغم جهود مصرف سورية المركزي المبذولة لحماية هذا القطاع واستمراره.
بناء على ما سبق فيما يخص الخبرات، نرى أن قانون إحداث المصارف الخاصة أهمل موضوع الخبرات المصرفية الوطنية، وانسحب ذلك على الكوادر الوافدة لهذا القطاع من السوريين خريجي الجامعة السورية، فقد أتى تشجيع دخول الشريك الإستراتيجي على حساب دور الخبرات السورية في إدارة المصارف الخاصة، مع وجود مخالفات قانونية واضحة، وهذا هدف عملت علية دول كثيرة وحققته من خلال قانون إحداث المصارف في سورية.. لنضع إصبعنا على الجرح من دون خجل ومن دون مزايدة، إذا كنا فعلا نملك إرادة الإصلاح، لأنه إذا قمنا بتحليل واقعي لنتائج الخبرات الأجنبية التي تم استخدامها في القطاع المصرفي لوجدنا أنها سلبية بنتائجها.
في الختام، هل سوف تصحو الحكومة الراعية للإصلاح والمهتمة بالمقترحات التي لم تشر إلى إصلاح سلم الرواتب والأجور ولم تشر إلى استثمار الخبرات الوطنية في ظل تغييب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.. وفي ظل تغيب أرشيف تاريخي كبير لمقترحات وآليات الإصلاح الاقتصادي في سورية اشتركت فيه مئات الخبرات الاقتصادية الوطنية؟

الياس الصيدناوي

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن