ثقافة وفن

هل كان العظمة ضابطاً متهوراً؟ …1884- 1920

 نصر الدين البحرة : 

ثمة ثلاث أو أربع صفحات في مذكرات الدكتور أحمد قدري، قد تكون من أهم ما كتب عن معركة ميسلون. لا… لأن كاتباً مثقفاً كان الطبيب الخاص للأمير- الملك في ما بعد- فيصل بن الحسين وكان مستشاره في الآن ذاته، هو الذي وضع سطورها، فحسب.. بل.. لأنه كان شاهد عيان أيضاً.
لقد كان الدكتور أحمد واقفاً مع يوسف العظمة، حين دار الحوار التالي، بينه وبين الملك فيصل عشية معركة ميسلون، وبعد أن أدى التحية العسكرية قال:
– أتيت لتلقي أوامر جلالتكم.
فأجابه الملك:
– بارك الله فيك، إذاً، أنت مسافر لميسلون.
– نعم يا مولاي، إذا كنتم لا تودون قبول الإنذار الأخير.

لماذا يصر العظمة على الدفاع؟
«وهو الإنذار المشهور الذي ينص على وجوب الاعتراف بالانتداب الفرنسي على سورية رسمياً والموافقة على تسريح الجيش السوري ووضع سكة حديد بيروت- رياق حلب تحت تصرف الجنود الفرنسيين… إلخ».
– وسأل الملك فيصل:
– ولماذا كنت تصر على الدفاع بشدة؟
فقال يوسف العظمة:
– لأنني لم أكن أعتقد بأن الفرنسيين يتمكنون من دوس جميع الحقوق الدولية والإنسانية ويقدمون على احتلال دمشق.

فيصل يلجأ إلى الشعر
فأجابه فيصل:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
– إذاً، فهل يأذنني جلالة الملك بأن أموت؟
– بعد أن انتهت الأمور إلى هذا الحد، يجب علينا أن نموت جميعاً شرفاء.
– إذاً.. فأنا أترك ابنتي الوحيدة أمانة لدى جلالتكم…

من مذكرات د. العظمة
… وفكرة ذهاب يوسف العظمة إلى ميسلون للاستشهاد دفاعاً عن الوطن، بوعي كامل، ومعرفة تامة بعدم تكافؤ المعركة مع القوات الفرنسية، تأكدت في أكثر من وثيقة، من حديث ساطع الحصري عن «ميسلون» إلى ما أورده الدكتور بشير العظمة في مذكراته من أن «الشقيق الأكبر للشهيد حاول مع بعض الأقارب نصح «الضابط المتهور» عساه يعود لنفسه وأهله، ذهبوا إليه في دار المشيرية- مكان قصر العدل في شارع النصر حالياً- وكان ينام فيها لمتابعة حال التعبئة».
خرج إليهم وحياهم تحية عسكرية، وأعلن لهم واقفاً أنه يأسف لعدم الاستماع إليهم، وأن لابد له من الدفاع عن شرفه، ولن يدخل الغزاة إلا على جثته، ثم كرر التحية وانصرف.

مذكرات د. قدري
… في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان «مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى» وقد أصدرت وزارة الثقافة أخيراً طبعته الثانية… يصف الدكتور أحمد قدري بعض وقائع معركة ميسلون التي اندلعت في صباح السبت 24 تموز 1920، إذ «أطلقت المدفعية الفرنسية نيرانها بشدة على المواقع السورية، وتقدمت الدبابات، ثم قامت المشاة بالهجوم»، وقد «نفدت أعتدة المدافع السورية التي كانت تجيب على المدافع الفرنسية ببطء بسبب قلة عدد قنابلها، فسهل عندئذ على المشاة التقدم بحماية مدفعيتهم ودباباتهم، ولم يعد للسوريين نجاة إلا بالتراجع».

العظمة ثبت للمقاومة
لكن العظمة أبى إلا أن يثبت للمقاومة، واقفاً يشرف على العمليات العسكرية وبيده منظاره إلى أن استشهد، وتراجعت عندئذ القوى السورية، بعد أن صمدت نحو ثلاث ساعات، وقد أنحى الكثيرون على الحكومة السورية باللائمة لإسراعها بتسريح الجيش تنفيذاً لمطالب الجنرال غورو.
… والحق فإن بطولة يوسف العظمة تحمل معنى آخر، سوى الاستشهاد المدروس، ذاك أن الرجل استطاع بما قدر أن يجمعه من فلول الجيش المسرح، ومن جماهير المتطوعين، بتلك الذخيرة اليسيرة، وذلك العتاد الضئيل، أن ينظم دفاعاً استطاع الصمود ثلاث ساعات.. في وجه واحد من الجيوش الأوروبية التي خرجت حديثاً منتصرة من الحرب العالمية الأولى…
… هذا الجيش الفرنسي نفسه وهو في أكمل عدته وعتاده ورجاله غداة الحرب العالمية الثانية… هل استطاع أن يصمد في وجه الجيش الألماني.. أكثر من ساعات؟ فسقيا لتراب ذلك الرجل الذي قال: إن فيكم- يقصد العرب- قوة… لو فعلت لغيرت وجه التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن