ثقافة وفن

قصور سادت ثم بادت … قصر كنج يوسف باشا قصر الحكم في ساحة المرجة

| شمس الدين العجلاني

هي ساحة الجزيرة، وبين النهرين، والميدان الكبير، والمرج الأخضر، وساحة الشهداء، واسمها الأشهر ساحة المرجة.
يذكر أن أول من قام بتغطية نهر بردى في ساحة المرجة هو الوالي محمد راشد باشا عام 1866 م، حيث كان بردى يقسم ساحة المرجة إلى قسمين، وهكذا أصبحت المرجة ميداناً فسيحاً سهلت فيه حركة القوافل والنقل. فتمركزت فيه بعض الفعاليات المؤقتة.
قد تكون ساحة المرجة سجلاً يومياً لتاريخ دمشق، فقد شهدت المرجة أحداثاً سياسية مهمة وكوارث طبيعية، وسجلت تطور دمشق، ففي عام 1916 شهدت قيام جمال باشا السفاح بإعدام رجالات سورية ولبنان في 6 أيار، وقد أطلق على المرجة في ما بعد اسم «ساحة الشهداء» تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء، كما كانت المرجة شاهداً على بطولات رجالات سورية أثناء الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، فقد كان المستعمر الفرنسي يجمع جثث الشهداء ويلقي بها في ساحة المرجة بغية نشر الرعب في نفوس المواطنين.
وفي العصر الحديث شهدت المرجة إعدام فرحان الأتاسي وعبد المعين الحاكمي المتهمين بالتجسس وأعدما بتاريخ 24/2/1965م، كما أعدم الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في ساحة المرجة أيضاً يوم 18/5/1965.
ومن الكوارث الطبيعية التي شهدتها الساحة طوفان نهر بردى المتكرر الذي كان يسمى (الزورة أو الفيضان)، إثر الأمطار الغزيرة التي كانت تعم دمشق.
ولكون المرجة تشكل قلب دمشق، ظلت لعقود طويلة في القرن الماضي المكان الرئيسي لانطلاق وسائل النقل بدءاً بالدواب (الجمال والأحصنة) إلى حافلات النقل الجماعي. فكانت المرجة مركزاً لانطلاق عربات الخيل (الحنتور)، التي كانت تقف حول الحديقة الصغيرة التي تحيط بالعمود التذكاري، ثم أضحت مركزاً للحافلات الكهربائية (الترامواي) والأوطومبيل (السيارة).
تعرضت ساحة المرجة للإرهاب خلال السنوات الماضية، فقد فجر إرهابيون سيارات مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات في منطقة المرجة ما أدى إلى استشهاد العديد من المواطنين وجرح عشرات آخرين.
ساحة المرجة لها المكانة المميزة في قلوب كل السوريين، وترتبط بتاريخ سورية، ولها قصص وحكايات قد تبدأ ولا تنتهي.
ومن حكايا ساحة المرجة أنه كان فيها قصر عظيم هو مقر الحُكم تدار منه شؤون البلاد.

البداية
قدم إلى دمشق عام 1222 هجري كنج يوسف باشا بفرمان من المحتل العثماني والياً على دمشق والشام ومكث فيها لمدة ثلاثة أعوام. هذا الوالي هو أول من تنبه لأهمية ساحة المرجة، وأراد منافسة قصر الوالي أسعد باشا العظم، فأنشأ فيها قصراً سنة 1807م. في جهة الجنوب على حين كان جامع يلبغا المملوكي يقع إلى جهة الشمال.
ومع الأسف كان شأن قصر كنج يوسف باشا في ساحة المرجة الهدم شأنه شأن باقي الأبنية في الساحة التي طالتها يد الإنسان بالهدم والتخريب، كبناء البلدية وجامع يلبغا وبناء دار البريد والبرق ودار العدلية.. وكانت هذه الأبنية بمجموعها نواة مركز المدينة، الذي اتصل بأحياء أخرى بوساطة شوارع وطرق، من أهمها جادة السنجقدار من الشرق يوازيها مدخل سوق التبن وسوق علي باشا، وإلى الجنوب شارع رامي وإلى الغرب جادة الشرابي وضفتا بردى ومن الشمال زقاق البحصة البرانية المؤدي إلى حي سوق صاروجا، (كانت تقطنه الطبقة الرفيعة من العثمانيين وأطلق عليها اسم اسطنبول الصغيرة) ولم يبق من الأبنية العريقة في هذه الساحة سوى بناء العابد الذي بني على أنقاض قصر كنج.

من كنج يوسف باشا؟
أسرة كنج هي من الأسر الإسلامية والمسيحية في بلاد الشام، وهي بالأصل قبائل الكنوج نسبة لجدهم الأول ومنهم كنج يوسف باشا، السياسي العثماني، الذي تبوأ عدة مناصب أو مهام فكان قائد فرقة «سر الهوارة» وهم جماعة من بدو الصعيد في مصر، كما كان والياً على صيدا، وفي عام 1807 م تولى منصب وزير إيالة الشام «والي الشام» خلفاً لعبد اللـه باشا العظم.
ويذكر بصدد ذلك أن والي الشام العظم «أمير الحج الشامي» منعه الوهابيون من الدخول إلى أراضيهم مع قافلة الحج الشامي عام 1221هـ/1806م وكادت تقع اصطدامات بين القوات الوهابية وجند عبد اللـه باشا العظم، الذي لم يكن في موقف عسكري، يسمح له بالتصدي لهم. وعلى إثر ذلك، عزل السلطان سليم الثالث، عبد اللـه باشا العظم من منصبه، بسبب تقاعسه عن مواجهة القوات الوهابية، ورجوعه بالحجاج، وعين بدلاً منه يوسف باشا كنج.
أصدر السلطان أوامره المشددة إلى كنج يوسف باشا، بضرورة محاربة القوات الوهابية. إلا أن هذا الأخير لم يقم بأي عمل للتصدي للوهابيين، لذا تم عزله، وصدرت الأوامر لوالي صيدا سليمان باشا بقتله فهرب كنج إلى مصر.
استمر حكم كنج لدمشق وملحقاتها مدة ثلاث سنوات من عام 1807م إلى عام 1810م.
وحين صدر الأمر السلطاني في سنة 1225 إلى سليمان باشا والي صيدا أن يقتل والي دمشق كنج يوسف باشا ويصادر أمواله، جاء في الأمر السلطاني: «إني آمل منك صداقة وحسن خدمة لأنك تربية الغازي الجزار أحمد باشا حتى لا يقال إن هذا راح ولم يخلف إنساناً!».
ولما جاء سليمان باشا مع جنده لأخذ دمشق من كنج يوسف باشا تعصب الدمشقيون للوالي كنج، ووقع القتال بين الطرفين في أرض الجديدة وداريا، فانهزم الدمشقيون وقتل الكثير منهم.
وفي تلك الأثناء «سنة 1225هـ/1810م» قام الوهابيون بحملة عسكرية ضد الشام. وتمكنوا من الوصول إلى ما وراء جبل الشيخ. ودخلوا حوران، وهاجموا حصن المزيريب وبصرى… قدم الوهابيون إلى حوران، وأكلوا الأخضر واليابس وحرقوا القرى وسبوا النساء والأطفال، ومن ثم انسحبوا من الشام بعد أن نهبوا وسرقوا كل ما وقعت عليه أعينهم.

قصر الحكم في ساحة المرجة
كان والي دمشق كنج يوسف باشا أول من تنبه لأهمية ساحة المرجة، فأنشأ فيها قصراً للحكم سنة 1807م تاركاً مقر المشيرية، ومتحدياً بهذا القصر، قصر الوالي السابق أسعد باشا.
لقد أراد كنج إحداث تغيير في دمشق، والخروج من داخل أسوار مدينة دمشق القديمة.. حيث قصر العظم، فعمـّر مبنى عظيماً لا يقل أهمية عن قصر أسعد باشا العظم في المكان نفسه الذي تشغله الآن بناية عزت باشا العابد في ساحة المرجة الآن. وأضحى قصر كنج يوسف باشا في ساحة المرجة مقراً لحكم الشام، ثم نقل بناء الحكومة إلى السرايا «مبنى وزارة الداخلية القديم» عام 1900م الذي أصبح مقراً للولاة عوضاً عن قصر كنج يوسف باشا.

وصف القصر
لم يأت كنج بجديد في فن العمارة لهذا القصر، فقد أنشأه على طراز العمارة العثمانية، التي كانت منتشرة في الشام آنذاك.
يعتبر قصر الوالي كنج يوسف باشا (سراي الحكومة) من أوائل الأبنية الجميلة والمهمة التي أقيمت في ساحة المرجة، يتألف القصر من طابقين، يحيط بهما مجموعة من النوافذ، ويحيط بمدخل القصر محرسان، أما المدخل فيعلوه التاج القوسي وفي وسطه الهلال والنجمة شعار الدولة.
كان قصر كنج يضم مجموعة من الغرف، وقاعة الحكم التي يجلس فيها الحاكم الوالي لإدارة شؤون البلاد، إضافة إلى غرف للخدم وللحرس وللعاملين في سراي الحكومة، ومطبخ، وإسطبلات.
هدم هذا القصر، فقام عزت باشا العابد، بشراء القصر المهدم، وكلف المهندس (فرناندو دي أراندا) الإسباني الذي أقام في دمشق وتوفي ودفن فيها، بالإشراف على تنفيذ مخطط ألماني لبناء عمارة جديدة مكان قصر كنج، فكانت بناية العابد التي لم تزل قائمة حتى الآن في ساحة المرجة، وكان ذلك عام 1908 وانتهى من إنشائه عام 1910م. شُيد بناء العابد ليكون نزل «فندق»، ولكن ظروف الحرب العالمية الأولى حولت استخدامه إلى مشفى عسكري ثم إلى منزل للعساكر ومازال هذا البناء قائماً حتى الآن مع إهمال لترميمه وسوء استخدام لتوظيفه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن